كان إعلاميو النظام السوري في حقبة الأسد العرّاب "الغاد
فاذر" (Godfather)، يتباهون بتحوّل
سوريا لاعباً
إقليمياً على يد الأسد، أو إن شئت -أيها القارئ- على قدمه، وقد أغفلوا أنَّ سوريا هي
بنت الشام بموقعها وميراثها ومنزلتها، فهي سليلة أفراس تحللّها بغل. وقد انتهت
منزلة سوريا الإقليمية، وانحطّت رتبتها بموته، بل إنها تردّت وسَفُلت بعد انتزاعه
عرش سوريا، وما أمسى لاعباً إلا بعد "تحييد" جميع اللاعبين السوريين:
قتلاً أو نفياً أو حبساً، فبات لاعباً وحيداً في الملعب بين عرجان وعميان.
ودار الزمان دورته وانقلبت الأيام على ظهرها مثل
السلحفاة، فأصبحت سوريا ملعباً إقليمياً، محتلة بذؤبان الكتائب العربية والأجنبية
الغازية، وأمسى السوري الهارب من بطش الهدّاف الإقليمي الذي كان يمنع الشعب من مسِّ
الكرة السورية، خبزاً على موائد دول الجوار، أو نوى زيتون مأكول، خاصة منها
تركيا
ولبنان. فقد اتّخذت المعارضة التركية اليسارية السوري عدواً مبيناً ووحيداً، وأمسى
السوري ركناً من أركان إنشاء الهوية التركية الأتاتوركية، يظهر في إعلام المعارضة غازياً
محتلاً أثيماً، وواجب المعارضة التركية و"مشركي قريش" هو تحرير البلاد
من دنس المهاجرين السوريين الأشرار.
السوري أول أغراض الدعاية التركية. أما أرحم زعماء الفصائل الأتاتوركية وأشفقهم على السوريين اللاجئين، فهو زعيمهم وكبيرهم الذي علمهم السحر كمال كليتشدار أوغلو، الذي أعلن إعلاناً لا يخلو من رفق ولين، وهو أنه سيعيد السوريين إلى أحضان الأسد وسجونه الدافئة وكنف الكتائب الغازية على أقساط في حولين
يتسابق قادة المعارضة وزعماؤها أمثال اوميت أوزداغ وأوغان
على التشهير بالسوري، حتى إنهم يتهمون كل لص وسارق بأنه سوري، وإنهم حال فوزهم
سيعملون على إجلاء السوريين وإعادتهم إلى حضن الأسد الدافئ وفردوس بطاقته الذكية،
فالسوري أول أغراض الدعاية التركية. أما أرحم زعماء الفصائل الأتاتوركية وأشفقهم
على السوريين
اللاجئين، فهو زعيمهم وكبيرهم الذي علمهم السحر كمال كليتشدار أوغلو،
الذي أعلن إعلاناً لا يخلو من رفق ولين، وهو أنه سيعيد السوريين إلى أحضان الأسد
وسجونه الدافئة وكنف الكتائب الغازية على أقساط في حولين.
الوطنية لا بد لها من عدوّ، وقد اختارت المعارضة التركية
السوري عدواً. فلن يكون عدوّها أعداء الخلافة العثمانية؛ إسرائيل أو أمريكا أو
روسيا أو الإغريق، فهؤلاء هم الأصحاب والأحباب والقادة والسادة، والخلافة العائدة
هي العدو.
إعلان المعارضة التركية اليسارية حروب الإجلاء شعاراً،
ضارة بالترك أنفسهم وباقتصادهم، فالصناعيون الترك يتوسلون المعارضة باحتواء السوريين
لحاجة السوق التركية إليهم، بل إن كثيراً من أرباب الأعمال والمال يقرّون بفضل
السوري في إنعاش جانب من الاقتصاد التركي والصناعة التركية، فيد العامل السوري
ماهرة، والسوري مسبّع كارات، ماهر، والسوريون صُنّاع، وأسباب ذلك هي الشِدّة الأسدية
التي جعلت السوري يعمل في عدة كارات حتى يعيش، فلعها من الضارات النافعة، سوى
الأموال الهاربة التي تدفقت على السوق التركية بعد الثورة ورفدت الاقتصاد التركي. ويحذّر
بعض الصناعيين وأصحاب الشركات من إفلاس شركاتهم بسبب فرار السوريين الذين يقتحمون
البحار إلى أوروبا، هربا من
عنصرية القوميين الترك.
انحسر شعار المهاجرين والأنصار، وكفَّ الرئيس التركي عن ذكره
منذ حين، فهو مقبل على الانتخابات التي تؤثر فيها أدنى الأخبار وأقلها شدّة بعد
سنتي كورونا العجفاوين، وهو ينتوي العبور بتركيا إلى الجمهورية الثانية. وقد فُطر
الإنسان على حبِّ الوطن والمال والأَثَرة، بل إن حزب الرفاه الإسلامي الأممي نفسه أعلن
على لسان زعيمه فاتح أربكان خطته حيال السوريين الذين ينوف عددهم على أربعة ملايين
سوري، وهي تيسير إعادتهم "طوعياَ" إلى وطنهم. وزاد الطلب السياسي
والانتخابي على السوري في المزاد الوطني والانتخابي التركي. الأنصار أمسوا ضيوفا
ثقالا حتى لدن الإسلاميين: سوري بسوري والبادئ أهجر.
وأمسى السوري النازح شرير الأرض سوى في بقع قليلة مثل
مصر، يقلّب يديه على عروشها، فهو منبوذ مطارد، مشبوه، متّهم، وقد فعلت دعاية
المعارضة فعلها، فتحوّل المهاجرون إلى أشرار، وأوى الأنصار إلى الأوكار.
بل إن السودان الكريم لفظ السوريين اضطراراً، وكان من
أكرم البلاد العربية، والدولة العربية الوحيدة التي كانت تستقبل السوري من غير
تأشيرة سفر، وقد لفظت أهلها بعد اندلاع الحرب بين ديكي العسكر، فالسوريون هم
الجالية الوحيدة -إلى جانب الشعب السوداني- التي ليس لها من منقذ وراع بين جبهتي المتحاربين
في السودان. ووصل بعض المهاجرين السوريين بدعم بعض الدول إلى بور تسودان، فهم يفرّون
من ملجأ إلى ملجأ، بعد أن ضاقت عليهم الأرض أو ضيّقت تضييقاً شديداً.
"دول" لبنان الشقيق والشقيّ، فهي أشدّ على السوريين من تركيا اليسارية الأتاتوركية، والتضخم فيها أعلى، وهي دولة منهارة تموت سريرياً من غير سرير، بل إنها تسقط سقوطا حرّاً إلى الهاوية. وليس للسوريين أنصار سوى بعض الساسة الذين يواسون اللاجئين ببعض التصريحات
أما "دول"
لبنان الشقيق والشقيّ، فهي أشدّ على
السوريين من تركيا اليسارية الأتاتوركية، والتضخم فيها أعلى، وهي دولة منهارة تموت
سريرياً من غير سرير، بل إنها تسقط سقوطا حرّاً إلى الهاوية. وليس للسوريين أنصار
سوى بعض الساسة الذين يواسون اللاجئين ببعض التصريحات أمثال وليد جنبلاط وأشرف
ريفي، والعطف الذي يجده السوريون من أهل طرابلس لا يرقأ دمعة ولا يداوي جرحا، وأهل
طرابلس من السنة ولعلهم يشعرون بالخطر، ويتوجسون مصيرا كمصير السوريين.
إن أحزاب لبنان الطائفية المتحالفة مسيحية وشيعية تتسابق
إلى التنكيل بالسوريين اللاجئين وسرقة أموال المساعدات الأممية، ولا يمرّ يوم إلا ونقرأ
خبراً أو نسمع بضحية سورية، بل إن سوريّاً قُتل ثم علّق على عمود الكهرباء نكالاً
وتخويفاً، كما كان يفعل الكوكلاس كلان بالسود في أمريكا.
وقد اقترب أجل اختيار رئيس للبنان، والمتحالفون المسيحيون
والشيعة يفضّلون سليمان فرنجية القريب من الأسد، وهم يساومون الأمم المتحدة على دفع
اللاجئين إلى براثن الأسد، وقد وضعوا شرطاً للقبول بالسوريين، وهو 100 دولار شهرياً
لعنصر الجيش مقابل السكوت عن بقائهم مذَلّين مهانين في أعمال السخرة.
حال اللاجئين السوريين في الأردن أفضل حالاً من تركيا ولبنان،
فليس فيه انتخابات ولله الحمد، والأردن يسعى إلى حل المشكلة مع الأسد درءاً لموجات
تهريب الكبتاغون والتخفف من أثقال السوريين الذي ينوف عددهم عن المليون وربع
المليون، فالأردن يعاني من شحّ الموارد والتضخم الذي اجتاح العالم كله شرقاً وغرباً،
لولا بقية من روح العشائرية النبيلة.
بل إن قيادة حماس أمست تمالئ الأسد، وتعود إلى محور
المقاومة، وقد نجحت في تحرير معتقليها من سجون السعودية، بل إن قادتها كسبت عمرة
في شهر رمضان وغسلت ذنوبها وعادت كيوم ولدتها ربّتها.
لعل الأمم المتحدة هي أول الكاسبين في سوق النخاسة المزدهر، فوجه الأمم المتحدة الحضاري لا يظهر إلا في المساعدات والمعونات، وهي تجدد قرار معوناتها كل ستة أشهر، تواسي هنا وتؤازر هناك، تعطف هنا وتسبغ الشرعية على حكم الأسرة الحاكمة الشرعية وتتلطف عليه هناك، وتستأذنه في بوابات المساعدات
تُغيْر إسرائيل بين الحين والآخر على مواقع سورية، وتعود
طائراتها سالمة إلى قواعدها، كاسبة غانمة ظافرة، فهي أكبر الكاسبين بعد إيران
وصنيعتها حزب الله، والمعارضة التركية، وحلف الأقليات اللبنانية الشيعية المسيحية
اللبنانية الشقيّة.
ولعل الأمم المتحدة هي أول الكاسبين في سوق النخاسة
المزدهر، فوجه الأمم المتحدة الحضاري لا يظهر إلا في المساعدات والمعونات، وهي تجدد
قرار معوناتها كل ستة أشهر، تواسي هنا وتؤازر هناك، تعطف هنا وتسبغ الشرعية على
حكم الأسرة الحاكمة الشرعية وتتلطف عليه هناك، وتستأذنه في بوابات المساعدات،
وتشركه في الرحمة والعطف.
لم نذكر مصر ورئيسها الذي أظهر قلباً كبيراً في القمة
العالمية للحكومات في دبي، عندما استعطف رئيس الإمارات على سوريا ورئيسها الذي
يأكل القط عشاءه.
ربما يلخّص كل ما ورد أنَّ سوريا أمست بنكا سياسيا
للوطنيات المنهارة أو المستجدة، وبات بدنها مصدرا للأعضاء مثل القرنيات والكلى،
وأنَّ تعبير "التطبيع" صار حكرا على إعادة العلاقات السياسية مع النظام السوري،
وكان وصفا يطلق على مؤاخاة "المهاجرين الإسرائيليين" إلى فلسطين قبل
حين.
twitter.com/OmarImaromar