سعى الاحتلال
الإسرائيلي منذ
النكبة لصهر هوية وثقافة فلسطينيي الداخل، الذين صمدوا وبقوا في أرضهم المحتلة عام 1948، حيث سعى لفرض اللغة العبرية، والترويج لها بين
الفلسطينيين، كذلك حارب الثقافة الفلسطينية بشتى أنواعها، سواء فنية أو أدبية.
وعلى المستوى الديني أيضا، كان هناك هجمة إسرائيلية شرسة، حيث أغلق بعض المساجد، وقام الاحتلال بتدمير ملحقات بعضها، كما فعل في مكتبة مسجد الجزار في يافا، حيث قام بإغلاقها وحرق الكثير من الكتب.
وأكمل الاحتلال هجمته الدينية بعد حرب 67، حيث أصبح يتحكم في المسجد الأقصى، ويمنع كثيرا من فلسطيني الداخل من التوجه إلى القدس للصلاة فيه، كما قام كثيرا بالهجوم والاعتداء على المصلين فيه.
كذلك سعى الاحتلال إلى فرض الخدمة الإجبارية على شباب فلسطين 48، ولكن على الرغم من التهديدات والترغيب أحيانا، فإن جُل هؤلاء الشباب رفضوا الخدمة في جيش الاحتلال.
اظهار أخبار متعلقة
مناعة وطنية
ومع هذه المحاولات لطمس الهوية الفلسطينية الإسلامية العربية، هل نجح الاحتلال في ذلك؟
رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عام 1948، الشيخ رائد صلاح، أكد أن "المشروع الصهيوني ما كان له في يوم من الأيام أن يصهر ثقافة وهوية وانتماء الأهل في الداخل الفلسطيني، لأنهم يتمتعون بمناعة ضد كل هذه المحاولات، ومصدرها هو تمسكهم بالثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية، التي دفعتهم إلى دوام الارتباط بالأرض والمقدسات".
وتابع الشيخ رائد صلاح خلال حديثه لـ"
عربي21": "أيضا هذه المناعة دفعتهم إلى دوام تعهد القرى المنكوبة التي وقعت عليها النكبة منذ أربعينيات القرن الماضي، حيث لا يزالون يزورون هذه القرى وينظمون المسيرات إليها، كذلك ما زالوا يوثقون هذه القرى من خلال أبحاث وأفلام وأدلة إرشادية تدفع الأهل إلى زيارة كل هذه المواقع".
وأوضح أن "تعهد فلسطيني الداخل للقرى المنكوبة في 48 أمر هام جدا، لأنه يعني مواصلة ارتباط كل أجيالنا بمواقع النكبة، كما كان ذلك في حياة الأجداد، ثم انتقل إلى الآباء، وانتقل بعدها للأبناء والأحفاد، وإلى الأجيال الفتية في هذه الأيام".
وأضاف: "ذلك يعني أن هذا الحق لا يمكن أن يموت، ولا أن يُنسى، ولا يمكن أن يتم التنازل عنه، وفي مقدمة ذلك حق العودة، وبالتالي هذه الأجيال الفتية بدأت تشعر كما هو واضح بأنها مستأمنة على الحفاظ على حق العودة حيا دائما، وجعله ثابتا أمام كل العواصف التي تواجهه وتسعى لطمسه أو إلى اقتلاعه من قبل جهات مختلفة".
وأردف: "إلى جانب ذلك، لا يزال هناك عهد التواصل مع مواقع المقدسات، والتي أيضا وقعت عليها النكبة، ولا يزال هناك سعي لإعمار هذه المقدسات، وإقامة صلوات الجمعة في كثير منها، وما زالت هناك جهود مباركة لتوثيق هذه المقدسات، عبر الكتابة والصور والأفلام، وعمل عدة موسوعات".
وأكد الشيخ رائد صلاح أنه "بعد هذه الجهود، صدر إنتاج رائع بكل وسيلة ولغة، سواء التوثيق العلمي أو البحث الميداني أو بلغة الفن، فهناك من الرسامين من اختار لنفسه عنوانا ثابتا في كل لوحاته مرتبط مع نكبة فلسطين، كمثال على ذلك الرسام عاصم أبو شقرة رحمه الله، الذي اختار نبتة الصبار كي تكون دائمة الحضور في لوحاته، ووضعها في عشرات اللوحات، عائدا بها إلى بدايات نكبة فلسطين".
وأكمل: "كذلك هناك كثير من الشعراء الذين نظموا دواوين شعرية في هذه الأيام تحمل الحنين إلى الأرض ومواقع المقدسات، وإلى تلك الحياة الكريمة التي عاشها الأجداد قبل نكبة فلسطين، وهذا يعني أن هذا الحق الذي اسمه حق العودة، أو حق الوفاء للأرض والمقدسات، لا يمكن أن يموت أو يُنسى، بل تتوارثه الأجيال جيلا بعد جيد كما هو مًشاهد، ولا يُنكر ذلك إلا مُكابر، ولا وزن له إطلاقا في مثل هذا الموقف".
وأكد أنه "إلى جانب هذه الجهود، فإن كل هذه الثوابت التي لا تزال حية في مسيرة حياتنا في الداخل الفلسطيني أيضا، امتدت باهتماماتها وبوفائها كي تكون على العهد مع القدس المباركة والمسجد الأقصى المبارك، حيث لا تزال هناك مسيرات شد الرحال إليهما، خاصة في شهر رمضان المبارك، وهذا لا يُلغي التأكيد على أن كل هذه المسيرات متواصلة طوال أيام السنة بحمد الله رب العالمين".
ولفت إلى أن "هذا كله يؤكد ويعني أن في داخلنا لا تزال الشخصية ذات البعد الإسلامي والعروبي الفلسطيني"، مضيفا: "بالتأكيد لا أدعي أن هذه الشخصية هي ذات صفات مثالية وكاملة بشكل تام، نعم، اعتراها بعض التشويهات، لكن هذه التشويهات هي فقط في الظاهر وليس في الجوهر، بمعنى أنه يمكن ترميمها، وهذا ما يجعلني أقول: الحمد لله، نحن لسنا مجرد أفراد، بل نحن جزء من أمة، ولا يمكن لهذه الأمة أن تموت في يوم من الأيام".
اظهار أخبار متعلقة
فرض مناهج إسرائيلية
وخلال سعي الاحتلال لفرض هويته السياسية والثقافية والدينية على فلسطينيي الداخل والقدس، قام بفرض مناهج دراسية إسرائيلية على مواطني القدس، تُرسخ الاحتلال وتشرعنه، وتمنع الحديث عن ذكرى النكبة الفلسطينية، بل اعتبارها استقلالا لدولة الاحتلال.
وتضمنت المناهج الإسرائيلية فرض نشيد دولة الاحتلال على مدارس القدس بدلا من النشيد الوطني الفلسطيني، كذلك ركزت على أن القدس هي العاصمة الموحدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وعدم اعتبارها مدينة فلسطينية محتلة.
كما ألزمت طلاب المدارس الفلسطينية بتعلم الأساطير التوراتية اليهودية، خاصة الأعياد والكنيس والصلوات والاحتفال بما يسمى "عيد الاستقلال" عوضا عن النكبة، كما استبدلوا بالمسجد الأقصى هيكلهم المزعوم.
الخبير في الشأن الإسرائيلي، وأحد مواطني فلسطينيي الداخل، حسن مرهج، أوضح أنه "لا بد من التنويه إلى أن تاريخ 15 أيار / مايو 1948، لم يكن سوى جُملة من التخطيط الإسرائيلي والبريطاني لطرد الفلسطينيين من أرضهم، وسط تواطؤ عربي واضح، وبالتالي كان هذا اليوم ترجمة حقيقية لمخططات الغرب، فالنكبة الفلسطينية هي نكبة لكل عربي، وتُعد تأريخاً لبداية القضية الفلسطينية، ولم يكن ذلك التاريخ إلا جُزءاً من تاريخ أسود ما زلنا نعيش تداعياته".
وتابع مرهج خلال حديثه لـ"
عربي21": "في الذكرى الـ 75 للنكبة، من المفيد أن نذكر بأن الفلسطينيين تعرضوا وعلى مدار سنوات طويلة تسبق يوم النكبة، للاضطهاد والتعذيب والتهجير، ونهب أراضيهم، وتكثيف الهجرة اليهودية إلى أرضهم".
وأكد أنه "رغم هذه الممارسات إضافة لمخططات الغرب، إلا أن الفلسطينيين بقوا متمسكين بأرضهم وثقافتهم وهويتهم، وعلى الرغم من كل المحاولات الإسرائيلية لطمس الهوية التاريخية لفلسطين أرضاً وشعباً، فإن الفلسطينيين يأبون الخنوع، إذ لا يزالوا صامدين ويواجهون قوة إسرائيل، ولا تزال الفعاليات الفلسطينية وفي مختلف المناسبات تُذكر بالقرى الفلسطينية والتراث الفلسطيني، فضلاً عن تنشئة وتربية الأطفال الفلسطينيين وفق ثقافة وهوية فلسطين التاريخية".
وأكمل: "إسرائيل فشلت في أسرلة الداخل الفلسطيني، خاصة أن الشباب الفلسطيني كشف حقيقة الجانب الإسرائيلي وغايته ورغباته في إبعاد الفلسطينيين عن هويتهم وانتمائهم، عبر محاولة إغراء الشباب الفلسطيني بكافة المغريات، لكن وعي الفلسطينيين أحبط ما خُطط له إسرائيلياً، ولأنهم ليسوا بجزء من هذه الدولة، ولذلك اقتصر وجودهم على الأكل والشرب والعمل، وبعض المال الذي يميزهم عن غيرهم، ليس فقط بالضفة بينما الدول العربية بشكل عام".
وأوضح أن "ذلك لا يكفي، فلا بد من تعزيز حالة الوعي عند الأحزاب العربية، وكذلك القيادة التي حرصت على التذكير الدائم بالقرى المهجرة، وعدم إقصاء أراضي لتوسيع المسطحات للقرى والمدن العربية، وأماكن العمل وبُعدها عن قراهم ومدنهم".
وأكد أنه "على الرغم من الحملات الممنهجة لطمس هوية وثقافة فلسطينيي الداخل، ومحاولة صهرهم داخل المجتمع الإسرائيلي، فإنها فشلت فشلا ذريعا، وبفشلها تأسس جيل جديد يحمل الهوية والثقافة الفلسطينية، والعمق التاريخي لفلسطين يسري في دمه، والتعويل على هذا الجيل الذي سيحمل فلسطين في قلبه، مهما كانت السياسات الإسرائيلية".
وأوضح أن "ثقافة المقاومة لا تقتصر على حمل السلاح فحسب، بل اللغة تعد مقاومة، والهوية الفلسطينية مقاومة، والتراث وأزقة القدس مقاومة، كل ذلك يُبقي فلسطينيي الداخل ضمن معركة الوعي لمواجهة إسرائيل، ووصولاً إلى معادلات جديدة من شأنها الاعتراف بالحقوق الفلسطينية".
واستدرك بالقول: "لكن هناك ثمة تحديات تواجه الشعب الفلسطيني عموماً، ويمكن حصرها في أمرين؛ الأول واقعنا العربي المتماهي جملة وتفصيلا مع المخطط الغربي تجاه فلسطين والفلسطينيين، والثاني يتعلق بتوجهات الشعوب العربية لجهة تحييد القضية الفلسطينية عن قائمة أولويات أمتنا".
وأضاف: "بين الأمرين أيضاً ثمة الكثير من التحديات التي تُعد تفاصيل تتعلق أساساً بطريقة معالجة القضية الفلسطينية، والتي حتى الآن لم نُشاهد تحركات جدية على أرض الواقع وبعيداً عن الشعارات، فاليوم لا يُمكننا أن نغفل الخطر الحقيقي المُهدّد لواقعنا العربي، ولا بد من اتخاذ إجراءات من شأنها ضرب بنية المشروع الأمريكي ضد قضايانا".