عاد النظام السوري لمقعده في
الجامعة العربية، بعد 12 عاما من تعليق عضويته عقابا له على استخدام القوة ضد الشعب السوري، وخلفت جرائم حرب وضد الإنسانية المسؤول عنها نظام بشار الأسد، حسب تقارير محلية ودولية، وشهادات الضحايا الصادمة بفظاعة الجرائم التي جالت صورها العالم أجمع بتسريبات عجز العالم عن محاكمة النظام عنها، ولن نتحدث ونكرر سياسة النفاق الدولي تجاه جرائم النظام، دون مسؤولية سياسة عربية رسمية أكثر نفاقا ومحاباة لجرائم الإبادة التي ارتكبها الأسد، تقوم مؤسسة الجامعة اليوم بتزوير المشهد السوري والعربي، وحصره في البحث عن حل أزمة اللاجئين السوريين، مع تنافخ عربي عن وحدة وسلامة
سوريا، وما إلى ذلك من شعارات التمويه عن الجريمة والمجرم.
ثمرة الفشل
عودة حققت للنظام السوري الكثير، ومنحت وحشيته على السوريين شرعية، ومشاركته في قمة عربية، يعكس رغبة رسمية لتثبيت “وحدة عربية” متماسكة للأنظمة التي أصيبت صلابتها واهتزت في الثورات العربية، والتي أَثرَتْ من خلالها سياسة الجامعة العربية وعملها الدؤوب في الثورات المضادة للحفاظ على صورة المؤسسة العربية، كمظلة قوية ترعى مصالح الأنظمة لا الشعوب، بتكرار مواقف وسياسات ضد مصالح وآمال الشعوب العربية، أثمرت عن فشل في معظم ملفاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإنمائية والإعلامية والسياحية والتعليمية، باستثناء ملفي الأمن والتعاون العسكري كضامن لوحدة عربية صلبة في
القمع، لم يُسجل تحقيق انعطافات كبيرة تعني المواطن العربي على غرار التكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى في العالم.
العدوان على الشعب الفلسطيني
وإذا كانت قضية
فلسطين، الحاضر الدائم في الجامعة العربية منذ تأسيسها وفي بنودها وفي قمم عربية، لم تحظ بإجماع ودعم حقيقي كتلك التي يحظى بها التنسيق الأمني والتعاون بين الأنظمة العربية لقمع الشعوب تحت شعار “محاربة الإرهاب”، فإن المؤسسة الصهيونية تُدرك أنه لولا هذه السياسة المنوطة بالجامعة العربية، لما تحقق لها المضي قدما بكل مشاريعها نحو النجاح في فلسطين.
من الصعوبة إيجاد حالة انسجام عربي رسمي مشترك، لإنقاذ العربي من مشكلاته وأزماته الحقيقية في كل أقطاره ومجتمعاته، لا من الناحية الاقتصادية والسياسية، ولا من النواحي الاجتماعية والأمنية.
حتى في ذروة العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني بالأمس واليوم، حافظت بعض الأنظمة على تنسيق وتحالف بينها وبين الاحتلال، وهي التي تقود جهودا جبارة لإعادة تأهيل نظام الأسد ودمجه في المنظومة العربية، ولأن قضايا عربية أخرى لها الأهمية والخطورة نفسها، تعرضت لنزيف هائل من الخسائر وتجاهل مستمر لقضايا الحريات السياسية، وقمع ومحاربة أي مطالب ديمقراطية، وبناء مواطنة حقيقية في المجتمعات العربية؛ لأنها غير مدرجة في بنود الانضمام لمؤسسة الجامعة كشرط من شروط العضوية، وإن كانت بعض البنود تحمل الطابع اللفظي لمسائل التعاون والتنسيق بين الأنظمة العربية التي يجمع بينها شرط العضوية بالقمع والاستبداد، وركيزة مبني عليها “العمل العربي المشترك”، وأمثلة خديعة النظام العربي لفلسطين ولقضايا الإنسان العربي بصفة عامة، من مؤسسة الجامعة لا يمكن حصرها، خصوصا في مسألة التصدي للعدوان الإسرائيلي ومشروع الحركة الصهيونية في المنطقة العربية، ومسائل التنمية البشرية وشروط تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية، فهل هناك رؤية وعمل عربي مشترك في ظل سياسة التحالف والتطبيع مع المؤسسة الصهيونية من جانب ومع طاغية عربي من جانب آخر؟
مناخ عربي ملوث بالدم
تجارب العقد الأخير وبداية الثورات العربية 2010، وما انتهت إليه تجاربها المصرية والتونسية والسورية واليمنية والليبية، إلى بقية الساحات والميادين العربية التي شهدت انتفاضات على القمع والقهر والفساد والاستبداد، يدل كل ذلك على المسعى الحقيقي الذي تمثله سياسات وبرامج النظام العربي المتحد في قممه لهذه المهام، لا لغيرها من البنود والمواثيق المركونة جانبا في مؤسسة الجامعة العربية، التي سرعان ما تنتخي لهذه الأهداف إذا ما أصابها اهتزاز وتصدع.
وفي عودة النظام السوري للجامعة، ودعوته من الإمارات لقمة المناخ المقبلة، صفعة قوية وتزوير فج لكل وقائع تلويث مناخ المنطقة العربية والمجتمع السوري بالدم وبروائح جثث السوريين في أقبية النظام، وتحت حطام معظم المدن والقرى التي فتكت بها آلة النظام العسكرية، وهذا مثال للتعاون العربي “الغائب” والزائف، وتأثير هذا الغياب على “العمل العربي المشترك” لتشديد سلسلة القمع، وتغليفها بحجم مناسب من الذرائع والتبريرات الصعبة الهضم والفهم والقبول، إلا من الحقائق الثابتة والتاريخية في التعاطي مع ملفات عربية كثيرة وشائكة.
من الصعوبة إيجاد حالة انسجام عربي رسمي مشترك، لإنقاذ العربي من مشكلاته وأزماته الحقيقية في كل أقطاره ومجتمعاته، لا من الناحية الاقتصادية والسياسية، ولا من النواحي الاجتماعية والأمنية التي تُشعر العربي أن تلك المؤسسة العربية بجامعتها وأنظمتها، موجودة للسهر على تنميته وبناء مواطنته وحريته، بغير الإمعان في قمعه وقتل أحلامه، فذلك الشعور المبني على رعشة الخوف منه ونبذه في المطارات والسفارات والحدود العربية وفي غرف التحقيق، لتفتيش الصدور والبحث عن النيات سيبقى مؤسيا وداميا، ولا حاجة لاستطلاعات رأي لقياس مزاج الشارع العربي بهذه الجامعة وقراراتها وأدائها، ليدلي العربي برأيه إن ربحت الجامعة عودة ديكتاتور أو خسرت، فقياس الشارع العربي مدو من غير تزوير البيانات العربية عنه وعن الجرائم التي يقفز عنها العمل العربي المشترك، إن كان في فلسطين أو سوريا وغيرها من أنظمة ترى التعاون بينها ناقصا دون اكتمال حلقة الاستبداد، وذلك يعطي تصورا حقيقيا لمستقبل عربي بائس في كل الملفات، وجدية التعاطي معها من الإنسان إلى البيئة الملوثة بالدم والقهر .