تستمر المفاوضات حول زيادة سقف الدين الفيدرالي في واشنطن، وكما حدث عدة مرات على مدى السنوات العشرين الماضية، يستخدم
الجمهوريون والديمقراطيون حاليًا الزيادات في سقف
الديون كورقة مساومة في التفاوض على كيفية إنفاق أموال
الضرائب الفيدرالية.
ونشر موقع معهد ميزس النمساوي تقريرًا، ترجمته "عربي21"، اعتبر فيه أن ما يحدث حول سقف الديون هو عبارة عن مسرحية؛ حيث تنتهي المفاوضات دائمًا بزيادة سقف الديون دائمًا، ويتم تكبد كميات هائلة من الديون الفيدرالية الجديدة، ويستمر الإنفاق الفيدرالي في دوامة تصاعدية.
وأوضح المعهد أنه منذ آخر مرة حدث فيها نقاش كبير حول سقف الديون في عام 2013 تضاعف الدين الوطني تقريبًا؛ حيث ارتفع من 16.7 تريليون دولار قبل عشر سنوات إلى 32 تريليون دولار في عام 2023. وخلال الفترة نفسها، زاد الإنفاق الفيدرالي بأكثر من 80 في المائة من 3.4 تريليون دولار في 2013 إلى 6.2 تريليون دولار في السنة المالية 2022.
ويرى المعهد أن الخلاف حول سقف الديون لا يهم صانعي السياسات في واشنطن بقدر ما يهم أن لا يتوقف "قطار خذلان دافعي الضرائب" أبدًا، مشيرًا إلى أن هناك العديد من الخرافات الكبيرة التي يتحمس صناع السياسات لتكرارها حول هذا الأمر، وذلك من أجل الاستمرار في إقناع الناخبين ودافعي الضرائب بأنه بغض النظر عن ما يحدث فإنه لا يمكن السماح بحدوث تغييرات كبيرة في الوضع الراهن للضرائب والإنفاق.
واستعرض المعهد في تقريره ثلاثًا مما اعتبره خرافات كبيرة حول أزمة سقف الديون في الولايات المتحدة؛ وهي:
أولًا: الجمهوريون يريدون التقشف
أوضح المعهد أنه عندما يستخدم سياسيو واشنطن كلمة "خفض" فإنهم عادة ما يتحدثون عن تخفيضات صغيرة في معدل الزيادة في الإنفاق؛ فإذا كان - على سبيل المثال - إنفاق البنتاغون يزداد بنسبة 2 في المائة سنويًّا (وهو بالفعل المتوسط خلال العقد الماضي)، فإن الزيادة في العام المقبل بنسبة 1.5 في المائة سيندد بها البعض باعتبارها "تخفيضًا". ولكن الواقع - وفق المعهد - أنه ليس تخفيضًا في الإنفاق ولكنه نقص في معدل الزيادة، لكن في أذهان صانعي السياسة في واشنطن، فإن أموال دافعي الضرائب هي حقهم، لذا فإن أي تباطؤ في تدفق الأموال المجانية يوصف بأنه "تخفيض".
اظهار أخبار متعلقة
وبين المعهد أنه بعد بعض الاعتدال في الإنفاق خلال فترة ولاية أوباما الثانية، فإنه تسارع الإنفاق مرة أخرى خلال سنوات ترامب، حيث إنه ارتفع بعد ذلك إلى مستويات قياسية جديدة خارج المخططات وخاصة خلال حالة الذعر من كوفيد. وبطبيعة الحال، فإنها استمرت هذه الزيادة خلال سنوات بايدن حتى الآن، وسيتطلب إعادة الإنفاق إلى اتجاه ما قبل عام 2019 تخفيضات ضخمة في الميزانية يبلغ مجموعها أكثر من تريليون دولار للميزانية السنوية، وهو ما ليس مطروحًأ الآن.
وأفاد المعهد بأن الجمهوريين يسعون - بدلا من ذلك - إلى خفض طفيف في الإنفاق من تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس لعام 2023 البالغة 6.4 تريليون دولار إلى أقل بقليل من إنفاق عام 2022 البالغ 6.27 تريليون دولار. إضافة إلى أنهم يريدون تثبيت نسبة الزيادة في الإنفاق بنسبة 1 بالمئة كحد أقصى، وهي النسبة التي لن تكون ملزمة لأي إدارات أمريكية مقبلة في حال إقرارها؛ حيث إنه يمكن تخطيها تحت مسميات عدة، وفق المعهد.
ثانيًا: الولايات المتحدة لم تتخلف أبدا عن سداد ديونها
ذكر المعهد أن من الأمور المحورية في المناقشة الدائرة حول سقف الديون والميزانية، الزعم المتكرر كثيرًا بضرورة اختتام المفاوضات على الفور لضمان عدم تخلف واشنطن عن سداد أي من ديونها؛ وهي كذبة صريحة؛ حيث تخلفت الولايات الأمريكية كثيرًا عن سداد ديونها.
وبحسب المعهد؛ فإن هذا بدأ في أعقاب الثورة الأمريكية عندما تخلفت الولايات المتحدة عن سداد القروض المحلية. وبعد وضع الدستور الجديد في عام 1790، أعادت الحكومة الفيدرالية التفاوض على الديون السابقة بشروط أقل مواتاة للمستثمرين، ثم كان هناك العجز عن سداد الدولار في عام 1862. وكانت الحالة الأكبر هي تخلف ليبرتي بوند عن سداد ديون عام 1934, عندما كانت الولايات المتحدة ملزمة تعاقديًّا بسداد ديونها على هذه السندات بالذهب، وقرر فرانكلين روزفلت التخلف عن سداد كامل الديون المحلية من خلال رفض استرداد الذهب للأمريكيين وخفض قيمة الدولار بنسبة 40 في المائة مقابل النقد الأجنبي.
ونقل المعهد عن جيسون زويغ، الكاتب الاقتصادي قوله إنه "في أبريل ومايو 1979، وسط أعطال الكمبيوتر، والطلب الشديد من صغار المستثمرين وفي أعقاب نقاش الكونغرس حول رفع سقف الديون، فشلت الولايات المتحدة في سداد مدفوعات في الوقت المناسب على حوالي 122 مليون دولار من سندات الخزانة".
اظهار أخبار متعلقة
ثالثًا: التخلف عن السداد هو نهاية العالم
أكد المعهد أن أي حديث عن التخلف عن السداد من شأنه أن يجلب تنبؤات بالدمار الاقتصادي، فبمجرد ظهور علامات المتاعب في الاقتصاد، يصطف "خبراء" النظام ليخبرونا بأنه ما لم يتم تمكين الحكومة من الإنفاق…. إلى ما لا نهاية على عمليات الإنقاذ و"التحفيز"؛ فإن الاقتصاد سينهار، وسترتفع البطالة، وسيترتب على ذلك الجحيم على الأرض، وهو ما قيل كثيرًا إبان الأزمة المالية العالمية في عام 2008 على سبيل المثال.
واعتبر المعهد أن تلك هي نفسها تكتيكات التخويف التي يمارسها النظام في كل مرة يريد فيها سلسلة جديدة من عمليات الإنقاذ أو كمية هائلة من الإنفاق الجديد؛ حيث قال ترامب الشيء نفسه بشكل هستيري عندما طالب بتمرير "خطة إنقاذ" كوفيد البالغة 2.2 تريليون دولار.
وشدد المعهد على أنه قد حان الوقت للبدء في التشكيك في هذه الرواية ومطالبة الحكومة الفيدرالية بالبدء في أن تكون أكثر صدقا بشأن ديونها الجامحة وغير القابلة للسداد؛ حيث إن الدين الفيدرالي الضخم اليوم غير قابل للسداد، ولا يمكن التحكم فيه حتى وذلك لأنه مع ارتفاع أسعار الفائدة، تتضخم خدمة الديون.
ووفقا لتحليل أصدرته لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة: "سيتجاوز صافي الفائدة الإنفاق الدفاعي بحلول عام 2028، والإنفاق على الرعاية الطبية بحلول عام 2044، والإنفاق على الضمان الاجتماعي بحلول عام 2050، ليصبح أكبر بند منفرد في الميزانية. وبحلول عام 2053، سيستهلك صافي الفائدة حوالي 7.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.. وما يقرب من 40 في المائة من الإيرادات الفيدرالية".
ولفت المعهد إلى أن الاستراتيجية الوحيدة للحكومة الفيدرالية التي يمتلكها الاحتياطي الفيدرالي للتعامل مع هذا الأمر هي تضخيم الدولار بالمال السهل من أجل إعادة أسعار الفائدة إلى الانخفاض وسداد الديون بالدولار المخفض؛ لكن يُعد سداد الديون بالدولار المخفض نوعًا من التخلف عن السداد، غير أنه يساعد في إخفاء الحقيقة.
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف المعهد أن النهج الأكثر صدقًا وعقلانية يتلخص في التخلف عن السداد صراحة، وذلك بدلا من محاولة تضخيم التزامات الديون بشكل غير أمين، حيث إنه يجب على الحكومة الفيدرالية الاعتراف ببساطة بأنها لا تستطيع سداد ديونها إلا بمبلغ مخفض: ولنقل 90 سنتا على الدولار، أو أقل. وبطبيعة الحال، سيؤدي هذا إلى ارتفاع أسعار الفائدة كما حدث في الماضي عندما عجزت الولايات المتحدة عن سداد ديونها، بيد أن هذه سيجعل عملية جعل أسعار الفائدة أكثر انسجاما مع المخاطر الحقيقية التي تصاحب الاستثمار في الديون الحكومية.
واختتم المعهد تقريره بالقول إن الوضع السياسي الراهن مبني على حماية المستثمرين من المخاطر بدلا من دافعي الضرائب الذين يدفعون جميع الفواتير في نهاية المطاف، وهذه الطريقة لتحويل الديون إلى تضخم جذاب للحكومات وتمكينها في وول ستريت لأنها تحول عبء الإنفاق الجامح إلى المدخرين والمستهلكين العاديين، فهم الذين يدفعون الثمن الحقيقي للتخلف عن السداد التضخمي، ولهذا فإنه عندما يصر الخبراء الذين يعارضون أي نوع من التخلف الصريح عن السداد على أن التخلف عن السداد من شأنه أن يجلب كارثة، فإن ما يقصدونه حقا هو أنه سيجلب كارثة لأصدقائهم في وول ستريت وفي الحكومة.