أعلن الرئيس التركي الأسبوع الماضي أسماء تشكيلته الحكومية الجديدة
بعد انتخابه رئيسا للبلاد للسنوات الخمس المقبلة. الغالبية الساحقة من الأسماء
التي تمّ اختيارها هي أسماء جديدة ذلك أنّ الرئيس كان قد دفع بأبرز شخصيات
الحكومة
السابقة للترشّح للانتخابات البرلمانية وحصلوا على مقاعد في البرلمان الجديد.
ولأنّه لا يمكن للنائب أن يجمع بين النيابة والوزارة، فقد تمّ الدفع بأسماء جديدة.
وزير الصحّة فخر الدين قوجة وهو رجل متخصص ومحترف ويتمتع بسمعة
ممتازة وكان قد حقّق إنجازات جبّارة خلال جائحة كورونا بقي في منصبه في الحكومة الجديدة،
وكذلك الأمر بالنسبة إلى وزير الثقافة والسياحة محمد نوري إرسوي الذي نجح في تأمين
عملات صعبة لخزينة الدولة من خلال قطاع السياحة.
المتابع للتشكيلة الحكومية الجديدة سيلاحظ أنّها تضم عدداً كبيراً من
الوزراء من أصول كردية أو مناطق كردية شرق البلاد (شمال ووسط وجنوب)، من بينهم
بطبيعة الحال وزير الخزانة والمالية محمد شمشك، واحد من أبرز الوزراء ممّن يعوّل
عليهم في احتواء الوضع المالي ووقف تدهور الليرة لاحقاً. من اللافت أيضاً في
التشكيلة الجديدة التي ضمّت 17 وزيراً ونائباً لرئيس الجمهورية، أنّ 4 وزراء من أصل
17 هم من محافظة قونيا وسط الأناضول.
أمّا بالنسبة إلى العاصمة أنقرة، فقد حظيت بوزير واحد وهو وزير
الخارجية الجديد أو من يمكن تسميته بنجم التشكيلة، رئيس جهاز الاستخبارات السابق،
هاكان فيدان. وخلت التشكيلة الحكومية من أي وزير من غرب البلاد في حين شغل وزير من أنطاليا الساحلية حقيبة وزارة الثقافة والسياحة. واحد من التعيينات المهمّة التي
لا تدخل في الإطار الوزاري هو تعيين إبراهيم كالين، الناطق باسم رئاسة الجمهورية
سابقا ومستشار الرئيس في منصب رئيس جهاز الاستخبارات بدلاً من هاكان فيدان، ما
يعني أنّ الرئيس يثق به وبالتنسيق الذي سيتم بينه وبين باقي المؤسسات المعنيّة.
أمام الحكومة تحديات كبيرة على الصعيد الداخلي والخارجي، وتحظى
السياسة الاقتصادية إلى جانب السياسة الخارجية والدفاعية والأمنيّة بجل الاهتمام
في المرحلة المقبلة. وبالرغم من أنّ المراقبين سارعوا إلى القول بأنّه سيكون هناك
انقلاب 180 درجة في السياسة الاقتصادية والمالية مع تولي محمد شمشك حقيبة الخزانة
والمالية، إلاّ أنّني لا أعتقد أنّ هناك انقلابا سيجري، على الأقل خلال المرحلة
القصيرة المقبلة.
صحيح أنّ شمشك رجل اقتصادي تقليدي وله سمعة ممتازة وباع كبير وخبرة
في السوق كما في الإدارة والوزارة على حدٍّ سواء، لكن أردوغان كان واضحاً في
مقابلته لـ سي أن أن الأمريكية قبل أيام من إعادة انتخابه. في تلك المقابلة، أكّد
أردوغان أنّه لن يغيّر سياساته غير التقليدية والمثيرة للجدل في ما يتعلق بالفائدة
والتضخم. كيف نفسّر إذن في هذه الحالة
اختيار شمشك؟
أمام الحكومة تحديات كبيرة على الصعيد الداخلي والخارجي، وتحظى السياسة الاقتصادية إلى جانب السياسة الخارجية والدفاعية والأمنيّة بجل الاهتمام في المرحلة المقبلة.
الأرجح أنّ أردوغان يريد أن يحتوي الوضع بدلاً من تغييره على المدى
القصير على الأقل، ولذلك فهو يأمل أن يرسل تعيين شمشك رسائل إيجابية إلى السوق، وأن
تجذب سمعة شمشك المستثمرين، ويحقّق تعيين شمشك وخبرته استقراراّ مقبولاً في سعر
العملة إلى أن تنتهي الأزمة. هل سينجح في ذلك؟ سؤال صعب لا نملك إجابة عليه، لكن
هناك تفاؤل في أنّه سينجح في مهمّته إذا ما تمّ تأمين البيئة المناسبة له للعمل
على هذا الهدف.
وفي ما يتعلق بهاكان فيدان، فهو سيحتاج إلى قليل من الوقت ليتأقلم مع
الحياة العامة ووسائل الإعلام بعد أن قضى وقتاً طويلاً في الظل في رئاسة جهاز
الاستخبارات. لكن بالنظر إلى أنّه ترأّس هذا الجهاز طول هذه المدة، فهذا يعني أنه
كان يمتلك إمكانية الوصول إلى معلومات موثوقة وحسّاسة حول الموضوعات والقضايا
الهامة المتعلقة بالتطورات المحلية والإقليمية والدولية، ما سيضعه في وضع فريد
لتعزيز مصالح
تركيا كوزير للخارجية.
علاوةً على ذلك، فإن مشاركة فيدان في دبلوماسية الأبواب الخلفية
لتحقيق التقارب والتطبيع مع العديد من الدول الإقليمية خلال المرحلة الماضية يعني
أنه سيبني على إرثه ويعزز علاقات تركيا مع اللاعبين الإقليميين والدوليين. وسواءً
كان المطلوب دبلوماسية ناعمة أو صلبة في بعض القضايا الإقليمية أو الدولية، فهو في
وضع جيد للعب هذا الدور.
خلال المرحلة المقبلة، من المتوقع أن يستمر العمل على
تحقيق التقارب والتطبيع مع الدول الإقليمية وإزالة التوتر والتشنج في علاقات تركيا
مع الولايات المتّحدة وأوروبا، لكن تحقيق نتائج في هذا الصدد لا يعتمد فقط على
هاكان فيدان أو سياسات تركيا الخارجية وإنما على التفاعلات الأخرى الإقليمية
والدولية.
على الصعيد الخارجي هناك أهمّية للتوصل إلى تسوية مع أمريكا، وإلى
تحقيق تهدئة مع أوروبا، وإلى الاستفادة من الاستقرار مع دول الشرق الأوسط، وإلى
تحقيق تقدّم في ملف شرق المتوسط ولا سيما مصر وليبيا واليونان ربما، كما أن هناك ضرورة
للتوصل إلى حل للأزمة السورية حيث من المنتظر أن يكون الملف السوري واحداً من أصعب
الملفات المنتظرة. إذا رفض الأسد التعاون، فسيكون هناك عملية عسكرية على الأرجح
خلال المرحلة المقبلة.