في إطار جولته في محافظات البحيرة
والإسكندرية شمال غرب القاهرة في منتصف شهر حزيران (يونيو) الجاري، أعلن السيسي عن
الوصول إلى علاج نحو 2 مليون مريض من خلال مبادرة حل مشكلة قوائم الانتظار، رغم أن
المخطط له كان علاج 12 ألف حالة فقط منذ بداية المبادرة قبل أربع سنوات.
وأضاف بأن منظمات المجتمع المدني والهيئات
قد تقدمت بتبرعات بلغت قيمتها 4 مليار جنيه، وأن المبادرة الرئاسية تعتبر فكرة
جاءت لمواجهة إحدى التحديات الصعبة من منظور صحي.
تراكم الحالات المرضية على قوائم الانتظار مشكلة
حقيقية ظهرت واضحة في بداية عام 2016
تراكم الحالات المرضية على قوائم الانتظار
في العلاج على نفقة الدولة أصبحت مشكلة
حقيقية ظهرت بوادرها بنهاية عام 2015؛ وذلك بعد مصادرة عدد كبير من
المستشفيات
والمراكز الصحية التابعة للجمعيات الخيرية الإسلامية؛ مثل مؤسسات الجمعية الطبية الاسلامية وكان
يتبعها 32 مستشفى ومركز طبي منتشرة في 7 محافظات، وتخدم قرابة 3.5 مليون مريض
مصري
سنويا بالمجان أو بأسعار رمزية خيرية، ومستشفيات ومراكز الجمعية الشرعية، وجمعية
الشبان المسلمين ، وجمعية أنصار السنة المحمدية بالقاهرة والمحافظات، وبذلك أصبحت
مستشفيات
الصحة الحكومية وحدها في الساحة الصحية وبإمكانياتها المحدودة عاجزة عن
مواجهة المشكلة ، والتي تزايدت حدتها مع مرور الوقت .
وأعلنت وزارة الصحة في شهر تموز (يوليو)
2018، عن وجود ستة أسباب أثرت بقوة على تفاقم مشكلة قوائم الانتظار بمستشفيات
الصحة، تعود في جملتها إلى نقص التمويل الحكومي مع وجود فجوة تشغيلية من القوى
البشرية؛ وتلك الأسباب هي: نقص في المستلزمات والأدوية، وسوء توزيع المرضى بين
المستشفيات، ونقص القوى البشرية من الأطباء والهيئات التمريضية، والعجز في غرف العمليات
وأسرة الرعاية المركزة كما وكيفا، وغياب الميكنة لقوائم الانتظار، وضعف التعاون
والتنسيق بين المستشفيات الجامعية ووزارة الصحة.
الإعلان عن بدء تنفيذ المبادرة وتدخل مفاجئ
من مستشفيات القوات المسلحة باعتبارها المنقذ الوحيد المتاح
في يوم 18 تموز (يوليو) 2018، تم الإعلان
الرسمي عن إطلاق المبادرة، في ظل التوجيهات الرئاسية بسرعة إنهاء قوائم الانتظار،
وبرغم إعلان وزارة الصحة عن خطة لتطوير مستشفيات الصحة ودعمها لمواجهة المشكلة
مرحليا؛ إلا أن
الواقع كان
مغايرا تماما، فما لبثت القوات المسلحة المصرية أن أصدرت بتاريخ 8 آب (أغسطس)
2018؛ البيان التالي:
“في إطار توجيهات رئيس
الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، بإنهاء قوائم الانتظار للمرضى خلال ستة
أشهر، أصدر القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، أوامره
بقيام المستشفيات العسكرية باستقبال الحالات الحرجة المقرر لها إجراء جراحات بصفة
عاجلة بالتنسيق مع وزارة الصحة". وبعدها أعلن وزير التعليم العالي عن مشاركة
المستشفيات الجامعية لإنهاء قوائم الانتظار في إطار تنفيذ تكليفات رئاسية، وكان
هذا يعنى وقتها أن جميع الاعتمادات المالية الخاصة بالعلاج على نفقة الدولة قد تم
ضخها لصالح مستشفيات الجيش والمستشفيات الجامعية، في حين بدأت عملية تطوير للمتاح
من مستشفيات الصحة للدخول تدريجيا في تنفيذ المبادرة الرئاسية، إضافة إلى عدد من
المستشفيات الخاصة .
ضم مبادرة حل مشكلة قوائم الانتظار والعلاج
على نفقة الدولة إلى صندوق الطوارئ الطبية بسبب قصور موازنة الصحة
وكان موقع مشروعات مصر التابع لرئاسة
الجمهورية قد نشر في شهر مايو 2019 بعض المعلومات منها: وبأنه في ظل توجيهات السيد
رئيس الجمهورية بسرعة إنهاء مشكلة قوائم انتظار خلال فترة زمنية 6 أشهر، وأن
التكلفة المتوقعة تبلغ أكثر من مليار جنيه، وأن مدة المبادرة هي ثلاث سنوات، وانه
يوجد تمويل ومساهمات: لمشروع قوائم الانتظارمن خلال ثلاثة مصادر تشمل: مخصصات من الدولة من هيئة
التأمين الصحي ويغطى جزءًا من تكاليف العمليات، والبنك المركزي الذي فتح حسابًا
لضخ الأموال بهدف تغطية فرق التمويل بين قرارات نفقة الدولة والتأمين الصحي.
ونظرا للقصور في موازنة وزارة الصحة والتي
تتأرجح حول نسبة 1.4% فقط من إجمالي الناتج المحلى خلال السنوات التسع الماضية،
فقد صدر القانون رقم 139 لعام 2021 بشأن إنشاء صندوق الطوارئ الطبية؛ والممول
جزئيا من الحكومة، في حين يعتمد في الأساس
على تمويل من مصادر غير حكومية، تشمل الهبات والتبرعات من البنك المركزي المصري
والبنوك واتحاد البنوك للصندوق، ومن الأفراد أو الهيئات، وضم أرصدة صناديق أخرى،
ونسبة مئوية من سعر بيع مستحضرات التجميل، ونسبة من سعر بيع المبيدات الحشرية المُعدة
للاستخدام في غير الأغراض الزراعية، وفرض رسوم جديدة على المواطنين.
وهذا الصندوق يهدف إلى إيجاد آلية مستدامة
لتمويل الخدمات المقدمة من وزارة الصحة للمواطنين في مجال الوقاية والعلاج
والتأهيل، خاصة العلاج على نفقة الدولة والقضاء على قوائم الانتظار للمرضى وخدمات
الرعاية الصحية الأخرى والتي لا تكفي الاعتمادات المالية المتاحة في موازنة الدولة
لتغطيتها.
مبادرة حل مشكلة قوائم الانتظار يحوطها حالة
من عدم اليقين وضبابية في تحديد الأعداد المستهدفة من المرضى
كانت تلك هي البداية الصادمة من ناحية فشل
وزارة الصحة بإمكانياتها المحدودة في مواجهة المشكلة، ثم القرار الرئاسي بإهمال
خطة الصحة المعلنة، والاعتماد على آليات المبادرة الرئاسية، وكان الأشد غرابة هو
عدم اليقين عن حجم المشكلة، حيث أعلن السيسي بتاريخ السبت 15 آب (أغسطس) 2018 إنه
تم بدء العمل على إنهاء قوائم الانتظار وتشمل 12 ألف حالة مرضية. إلا أن وزارة
الصحة قد أعلنت في شهر سبتمبر 2022، وبعد أربعة سنوات من بدء المبادرة: “أن
القيادة السياسية تولي اهتماما كبيراً بهذه المبادرة وقد تم علاج 1.3 مليون مريض،
وأخيرا ومنذ يومين، جاءت تصريحات السيسى الأخيرة بأنه تم علاج قرابة 2 مليون مريض.
مبادرة القضاء على مشكلة قوائم الانتظار أصبحت هي المسمى الإعلامي للعلاج على نفقة الدولة وأن كل ما تم من فعاليات لحل المشكلة لم يكن سوى مجرد دعاية إعلامية
وعدم اليقين عن مدى حجم المشكلة على المستوى
الرئاسي وقت الإعلان عن المبادرة، مقارنة بآخر الإحصائيات على لسان السيسى نفسه؛
تعنى أحد احتمالين؛ كل احتمال منهما أسوأ من الآخر على المستوى الإداري والتنفيذي
والإعلامي، والصحي:
الاحتمال الأول هو عدم وجود تقدير ميداني
دقيق وغياب قواعد البيانات السليمة عند بدء إطلاق المبادرة عام 2018 ، من حيث عدد
الحالات المرضية المستهدفة ، وقيمة الاعتمادات المالية المطلوبة، وهذا أدى بالتالي
إلى اللجوء لإصدار قانون إنشاء صندوق مواجهة الطوارئ الطبية القائم في أغلبه على تمويل
مؤقت وغير دائم من التبرعات والهبات والمساهمات وغيرها من المصادر المالية غير
الحكومية، وهذا يعنى عدم ضمان الديمومة والاستمرارية، والدليل هو ما أعلنه وزير
الصحة مؤخرا عن فرض نسبة مساهمة مالية على المرضى المنتفعين بخدمات العلاج على
نفقة الدولة ومن ضمنها مرضى مبادرة حل
مشكلة قوائم الانتظار .
الاحتمال الثاني هو أن مبادرة القضاء على
مشكلة قوائم الانتظار أصبحت هي المسمى الإعلامي للعلاج على نفقة الدولة وأن كل ما
تم من فعاليات لحل المشكلة لم يكن سوى مجرد دعاية إعلامية؛ حيث تم ضم جميع حالات
العلاج على نفقة الدولة بصورة كاملة خلال السنوات الماضية تحت مسمى المبادرة
الرئاسية لقوائم الانتظار، وأن تلك الأرقام المليونية للأعداد التراكمية على مدى
أربعة سنوات تعكس الواقع الافتراضي لحجم الإنجازات وتضخيم ما تم تحقيقه من علاج
طبى وجراحي والذى يعتبر من حق جميع المواطنين حسب المواثيق العالمية، وبالتالي فإن
تسويق "قوائم الانتظار" على أنه أزمة مستمرة يعتبر نوعا من المتاجرة
السياسية بآلام المرضى .