قُدر
لي أن أتابع في ليلتين متتاليتين الأسبوع الماضي مباراة الختام لبطولتين قاريتين، الأولى
كانت
نهائي بطولة أوروبا للأندية بين فريقي مانشستر سيتي الإنجليزي وفريق إنتر
ميلان الإيطالي، وذلك في ضيافة وتنظيم مدينة إسطنبول الرائعة، والثانية لنهائي
بطولة
أفريقيا لأبطال الدوري بين فريقي الأهلي
المصري والوداد المغربي في ضيافة استاد مركب
محمد الخامس في الدار البيضاء..
ولخلفيتي
المتلازمة في شخصيتي حينما أتابع أي مبارة للكرة، لا أنشغل وفقط بمتعة الأداء أو التنافسية
الشديدة بين الفريقين المتباريين، بل أجِدُني أدقق في كل شاردة وواردة تتعلق
بمجريات اللعب وسير المباراة، ما بين استرسال المُعلّق طوال
90 دقيقة، إلى طبيعة التجهيزات الخاصة بالحدث الرياضي داخل الاستاد وخارجه، إلى معالم
المدينة المنظِّمة صاحبة الضيافة، إلى الإمكانيات التي رُصدت لاستقبال ما يزيد عن
60 ألف مشجع وضيافتهم لو تعلق الأمر بمبارة واحدة، بخلاف البطولات المُجمَعة كما
في نهائيات كأس العالم، وهو ما شاهده الملايين الذين تابعوا ما قدمته "قطر"
من إبداع في تنظيم النسخة الأخيرة لكأس العالم 2022، وكذلك أتابع ما يصدر عن جماهير
الفريقين من
سلوكيات وأفعال مبهجة وأخرى مؤسفة! وأدقق في ردود فعل اللاعبين تجاه
أقرانهم وتجاه جماهير الفريق المنافس..
ومن
متابعتي للدوريات الأوروبية، والإنجليزية بشكل خاص من أجل المصري "محمد صلاح"،
لاحظت وبشكل دائم مقدار الاتزان النفسي والعقلي -كذلك- لجميع العناصر الممثلة للعبة
داخل المستطيل الأخضر؛ من لاعبين ومدربين وإداريين بل وجمهور يشجع بطريقة مثالية في
حضور مُكثّف -لا نراه في بلادنا- ليس في مباراة واحدة بل في جميع المباريات، حتى
ينتابك الإحساس بأن هؤلاء منقطعون لمشاهدة المباريات! وهو غير صحيح بالطبع.
وكذلك
اللاعبون وحماستهم ولياقتهم البدنية المرتفعة منذ بداية المباراة وحتى صافرة
النهاية، مقارنة بقدرات لاعبينا المسنين!.. ويقع ناظرك -للمتابعة- على مقدار الرقي
وكمّ الاحترام في ردود الفعل مع حكم المباراة ومع نظرائهم من لاعبي الفريق المنافس،
حتى إذا انتهت الجولة تسارع كل من في الملعب إلى المصافحة وأحيانا العناق بين
المدربين واللاعبين، والجمهور يصفق لفريقه الفائز، وجمهور الفريق الخاسر يحيّي
فريقه تقديراً على ما بذله من جهد طوال البطولة، دون عصبية أو تشنج، وينسحب ذلك
على المباريات النهائية للبطولات والتي يجري فيها تسليم الكأس للفائز كما حدث في مبارة
مانشستر والإنتر الإيطالي؛ لا فرق بين هذا وذاك.
ولننتقل
إلى ملاعب الكرة في بلادنا العربية، وسنأخذ مبارة الأهلي والوداد الأخيرة نموذجا لا
سيما وهي ختام أكبر بطولة في قارتنا (
أفريقيا)، وسنرى -وللأسف- أن لا وجه للمقارنة
مع مثيلاتها في
أوروبا! لا من حيث المستوى الفني والبدني، ولا من حيث المستوى
التنظيمي، بل وحتى سلوكيات اللاعبين وكافة المتواجدين داخل أرضية الملعب، لا وجه
للمقارنة مع ما نراه في الملاعب الأوروبية.. فالبون شاسع والمسافة كبيرة والفروقات
الحضارية أكبر من أن تُحصى!..
ومباراة
النهائي الأفريقي خالية من أي متعة أو إثارة، ولا يوجد فيها سوى التوتر الشديد والانفعال
المبالغ فيه، وبعض اللاعبين في حالة استنفار غريب واستعداد كبير؛ ليس لبذل الجهد وإمتاع
الجمهور بل للاشتباك مع زملائهم ومع الحكم ومع جمهور الفريق المنافس.. عيونهم
محدقة مشتعلة بالثورة في مواجهة حكم الساحة ورافعي الراية، وأيديهم مرفوعة دائما
بالاعتراض وبإشارات الغضب المكتوم، وجمهورهم حاضر بصيحات الاستهجان وصافرات الاعتراض
طالما أن الكرة بين أقدام الفريق المنافس!..
وحدّث
ولا حرج عن الشماريخ النارية التي تُحيّل الملعب إلى سُحب من الدخان الأبيض، وكذلك
أقلام الليزر المسلّطة على أوجه لاعبي الفريق المنافس خاصة حارس المرمى! وزجاجات
المياه وعلب العصير الجاهزة لعقاب المنافسين!..
ولا
تدري كيف سمح القائمون على مثل تلك المباريات بتكرار حدوث مثل هذه المخالفات وتلك
الأفعال المشينة! وأين مجالس الإدارات لتلك الأندية؟ بل وأين وزارات الشباب
والرياضة في بلاد العرب؟!..
وللأسف
الشديد فذلك مما استعرضناه آنفا لا نراه في
نهائيات البطولات القارية وحدها بل وفي مسابقات الدوري العام داخل بلادنا، وتعرفون
كيف تحولت لعبة الكرة في بلادي إلى وسيلة للنيل من الخصوم وتصفية الحسابات مع
المعارضين واستخدام الفضائيات المملوكة للأندية من أجل الغمز واللمز بمعارضي السلطة وللمغضوب عليهم داخل
الدوائر المختلفة، وأعرف رئيساً لأحد أكبر الأندية المصرية لا يبارى في استخدام كل
الأدوات غير المشروعة في نهش معارضيه ومعارضي السلطة ابتداء، وفي الكيد السياسي
لهم من خلال وصلات الردح والسباب. ولك أن تتخيل مستوى الأداء السلوكي والأخلاقي للمنظومة
الرياضة وكيف وصلنا إلى وصلنا إليه على كافة الأصعدة وليس الرياضة وحدها!