تحدث خبير عسكري إسرائيلي عن معايير تكشف عجزا أمام التعامل مع زيادة عمليات المقاومة
الفلسطينية في
الضفة الغربية.
رون بن يشاي الخبير العسكري لصحيفة
يديعوت أحرونوت، ذكر أنه "من أجل اتخاذ قرار جوهري بشأن العمل المستقبلي في شمال الضفة الغربية، يجب على القادة السياسيين والعسكريين لدولة
الاحتلال مراعاة سبعة من المعايير الأساسية، أولها الاعتراف بحقيقة أن نمط العمل الحالي قد استنفد نفسه، وسيكون من الصعب الاستمرار فيه لفترة طويلة بسبب حجم القوات المطلوبة في الميدان، خاصة على محاور الحركة لمنع الهجمات الفلسطينية، وثانيها التأثير على الساحة الفلسطينية بمنع الانخراط الجماعي للفلسطينيين من باقي المناطق في الضفة الغربية في العمليات الفدائية، لأنه قد يؤدي لانتفاضة ثالثة يسقط فيها الكثير من القتلى والجرحى".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "المعيار الثالث يتمثل في ضرورة أن تعرف إسرائيل أن حماس تحاول الآن السيطرة على الضفة الغربية، مما يتطلب تجنب إضعاف السلطة الفلسطينية قدر الإمكان، ومنع الفوضى الكاملة بمجرد تنحي أبو مازن عن المنصة، ورابعها ضرورة دراسة عدد من طرق وأساليب العمليات العسكرية والاستخباراتية البديلة، التي ستعطي نتائج أفضل من النمط الحالي للعملية الذي استنفد بحد ذاته، مع الأخذ بعين الاعتبار الإنجاز المتوقع مقابل الثمن الدموي والتكلفة المالية التي سيتم دفعها مقابل هذا الإنجاز".
وأشار إلى أن "المعيار الخامس يتعلق بالقوات العسكرية للعمل دون المساس بشكل قاتل باستعدادها لحرب متعددة المجالات، خشية تكرار الأضرار اللاحقة بجهوزية القوات البرية للتعامل مع التحدي الأمني، وهذا خطأ لن يتكرر، رغم أن تغيير نمط العمليات في شمال الضفة الغربية، يتطلب كثافة وعدوانية، وزيادة استخدام القوات البرية النظامية والوحدات الخاصة، وحشد الاحتياط، دون التخلي عن باقي التدريبات استعدادًا لحرب إقليمية".
وأكد أن "المعيار السادس يتطلب من الجيش والشاباك تنفيذ عملية كبرى لتحسين نوعية وكمية المعلومات الاستخباراتية التي ستعمل على أساسها القوات في الميدان، رغم احتمال أن العديد من العمليات الواسعة ستهزّ المنطقة، ويستعد الشاباك لاستقبال العديد من المحققين في مراكز الاستجواب، وتعيين عدد كبير من المحققين لانتزاع المزيد من المعلومات الأمنية".
وأوضح أن "المعيار السابع يتعلق بمواجهة الاحتلال للمقاومة بالتزامن مع الانقسام السياسي والاجتماعي الذي يمزق الإسرائيليين حالياً مما قد يزيد قيمة الثمن الذي ستدفعه الدولة لتقليص العمليات الفدائية، لأن الحل الحقيقي لها لن يتحقق إلا بالفصل السياسي والمادي بين اليهود والفلسطينيين في الضفة الغربية، مما سيوصل الهجمات المميتة إلى الحد الأدنى، وتحقيق الردع، وانتهاءً بالمعيار الثامن المرتبط بنظرة الشرعية الدولية لأنشطة قوات الاحتلال من خلال رأب الصدع مع الإدارة الأمريكية".
اظهار أخبار متعلقة
قلق على مستقبل السلطة
في سياق متصل، يسود قلق إسرائيلي من مستقبل وجود السلطة الفلسطينية، وتداعيات ذلك على أمن الاحتلال.
مايكل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بجامعة تل أبيب، والباحث بمعهد السياسة والاستراتيجية بجامعة رايخمان، أكد أن "أحداث الأيام القليلة الماضية شحذت اتجاهًا مستمرًا منذ عدة سنوات، مفاده أن منطقة جنين تعتبر بؤرة التهديدات الأمنية للسلطة الفلسطينية، وتتحول تدريجياً إلى منطقة تسيطر عليها الخلايا المسلحة، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، مع تلاشي نفوذ السلطة، ووجودها فيها".
وأضاف في
مقال نشره موقع القناة 12، وترجمته "عربي21" أن "التهديدات الجديدة تتمثل باستمرار استهداف المستوطنات، واستخدام القناصة ومحاولات تصنيع الصواريخ، وإطلاقها، مما يزيد الأسباب التي تجعل جنين في طليعة التوترات الأمنية المستمرة لإسرائيل منذ سنوات، وآخرها التعاون الطويل الأمد والمكثف بين الأجنحة العسكرية، وانخراطها على أساس نفس العشيرة؛ والتركيبة الاجتماعية للمنطقة، على رأسها مخيم للاجئين نابض بالحياة يضم 11 ألف نسمة، ثاني أكبر مخيم بالضفة، وبيئة ريفية يصعب على السلطة فرضها".
وأكد أن "ما تشهده منطقة جنين تتطلب اهتمام صناع القرار الإسرائيلي لعدة أسباب، أولها الضعف المتزايد للسلطة، التي ما زالت تسيطر على غالبية الضفة الغربية، لكن صورتها العامة رديئة، ويصاحبها علامات استفهام حول مستقبلها بعد عهد أبو مازن، وثانيها تقوية حماس التي تستغل الفراغ السلطوي في شمال الضفة لترسيخ قوتها، مع إثبات قدرتها على تعزيز المقاومة المسلحة في الساحات التي تناسبها، وثالثها المحنة العميقة للشباب الفلسطيني، المعرضين لتحريض هائج، وينضمون بحماس للبنى التحتية العسكرية، التي تقوض السلطة، وتعمق الفوضى في جميع أنحائها".
وأوضح أن "التوترات الميدانية في جنين لا تتطلب تحليلًا أمنيًا فحسب، بل استراتيجيًا، لأن الأحداث تعكس مشاكل جوهرية خطيرة على شكل فراغ سلطوي، وزيادة التهديدات المسلحة، وتعزيز موقف حماس، مما يقوض مكانة السلطة، ويخلق واقعًا مشبعًا بالتهديدات لإسرائيل في وقت قصير نسبيًا، مما يعد تحدّياً استراتيجيا، يجب تحليله بطريقة متعددة الأبعاد، لأن التهديد المتنامي في جنين يستلزم تحركًا عسكريًا أكثر شمولاً، خاصة التي ستركز على البنى التحتية العسكرية الراسخة النامية في المنطقة، لا سيما التابعة لحماس والجهاد الإسلامي".
واستدرك بالقول إنه "بالاعتماد على سوابق الماضي، يجب أن نكون مستعدين لحقيقة أن مثل هذه الخطوة قد تكون معقدة، وتستغرق وقتًا أطول مما هو مخطط له، سعيا للتأثير السلبي على القطاعات الأخرى، بما فيها المزيد من بؤر الاشتعال في الضفة الغربية، ثم مناقشتها على المستوى الاستراتيجي، لا سيما وأن الاستقرار الأمني في الضفة الغربية يتم تعريفه اليوم بأنه محفوف بالمخاطر ومهدّد للغاية، ضمن نطاق استراتيجي لإسرائيل المنغمسة في أزمة داخلية حادة، مطلوب تركيز انتباهها على التهديدات الخارجية الثقيلة".
وزعم أن "نفس الاستقرار النسبي يستلزم الحفاظ على وجود السلطة، ورغم عيوبها العديدة، لكنها لا تزال الأقل شرًا بالنظر لبدائل تشكيل فوضى واسعة النطاق في جميع أنحاء الضفة الغربية بأكملها، خاصة وأن حماس تسعى للاستيلاء عليها، بالتزامن مع اتساع رقعة سيناريوهات التهديدات التي ستغرق إسرائيل فيها ضمن فراغ حكومي، صحيح أن تقوية السلطة مصطلح سائد في الخطابات الإسرائيلية، لكن ترجمتها العملية معقدة، لأنها لا تعتمد فقط على سلوك إسرائيل، بل أيضًا على سلوك القيادة الفلسطينية التي لم يتم استبدالها منذ عدة عقود".
وتابع أن "إسرائيل قادرة على المساهمة باستقرار السلطة في الوقت الحاضر بعدة خطوات: أولاها تجنب العقاب المالي الذي من شأنه الإضرار بعملها وصورتها العامة، وثانيها استمرار وتسريع التحركات الاقتصادية التي تساهم بإخراج غالبية الجمهور الفلسطيني من دائرة الانخراط في المقاومة، وصولا لدمج الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي، وثالثها تجميد البناء الاستيطاني في الوقت الحاضر، لأنه يؤدي لأزمة مع المجتمع الدولي، فضلاً عن رد فعل حاد من السلطة، ورابعها تكثيف الجهود ضد حماس للحد من نشاطها، دون تحركات مماثلة لعملية السور الواقي خشية أن تؤدي لإنهاء وجود السلطة".
تكشف هذه التخوفات الإسرائيلية أن تصاعد المقاومة في الضفة الغربية لا يهدد الاحتلال فقط، وإنما قد يصل إلى حدّ وجود السلطة الفلسطينية باعتبارها مصلحة إسرائيلية، مما يستدعي منها مزيدا من اليقظة الاستراتيجية، ليس فقط من التهديدات الأمنية التي قد تتفاقم، ولكن من التغيير الدراماتيكي المتوقع ترك تأثيراته على المنظومة الفلسطينية بأسرها، مع ما سيتركه على الواقع الداخلي لدولة الاحتلال، وعلى هويتها الأساسية، مما يستدعي صياغة استراتيجية متعمقة وطويلة المدى بشأن هذا التهديد الوجودي.