خلال الفترة
الماضية تنامى إلى علمنا خبر حزين، وهو رحيل المخرج أستاذ التمثيل المعروف والمهم
د. نبيل منيب. وأمام هذا الخبر الذي أحزننا كثيرا، نجد خبرا آخر أكثر حزنا، وهو اتهام
غادة والي للمرة الثانية بسرقة جهد وإبداع فنان روسي واستخدامه لإعلانات شركة
بيبسي.. وكلا الخبرين على طرفي نقيض فالأول يدفع لحزن وأسى عميقين لأستاذ حقيقي،
لم يأخذ حقه كما يليق بجهده، والثاني مصممة تغتصب جهد وإبداع الآخرين لتنسبه بكل
صفاقة لنفسها.. ما هذه اللحظة البائسة التي نعيشها؟
فنبيل منيب قدم للمسرح
القومي رائعته "القصة المزدوجة" للدكتور بالمي تحت عنوان مُمصّر (نسبة
إلى
مصر) "دماء على الملابس الرسمية"، لتوفيق الدقن وعزت العلايلي
ومحسنة توفيق، وقدم لمسرح القطاع الخاص مسرحية "حاول تفهم يا ذكي" تأليف
لينين الرملي، وفوق كل هذا هو أول من اهتم بعلم إعداد الممثل إعدادا علميا حقيقيا
مستنبطا من مدارس ومناهج التمثيل في العالم، وقد كان كاتب هذه السطور أحد مريديها.
ودعم نبيل منيب كثيرا
من المواهب بالصقل العلمي الدقيق لتدريب وإعداد الممثل، بل لم يقف جهده عند هذا
الحد، بل استعان به المعهد العالي للفنون
المسرحية لكي يقدم خبرته وعلمه لطلاب قسم
التمثيل والإخراج. وبالفعل تخرجت على يديه أجيال متلاحقة من المعهد العالي للفنون
المسرحية تدين له بالولاء والوفاء لأستاذيته التي دعمت مواهبهم ونظمت استخدامهم
لمواهبهم، وقد أصبحوا هؤلاء الطلاب نجوما في سماء التمثيل فيما بعد، ويرجع الفضل
لأستاذية نبيل منيب الذي اكتشف المجهول من إمكاناتهم وصقَلها ووجهها بالطريق
الصحيح.
ولقد كان نبيل
منيب شخصية لا تقبل بأنصاف الحلول، وكان يبحث عن الكمال والمثالية التي تعد ضربا
من ضروب الجنون في عصرنا هذا، ولهذا أصبح نبيل منيب كالدون كيشوت؛ يحارب طواحين
الهواء بسيفه وحيدا. وقد جلب نُبله هذا وجموحه نحو الكمال كثيرا من الصدامات
والمرارات، ونال ما نال من الغمز واللمز الذي يصل لحد مؤامرات تحاك له بليل.
وكعادة الطيبين الحقيقيين تتكالب عليه الأمراض كما لو كان هناك تحالف كاثوليكي بين
أمراض الجسد وأمراض المجتمع الرافض لما هو حقيقي ويعمل لصالحه مخلصا، ولكنه لا يجد
سوى الجحود ونكران الجميل والتجاهل والسخرية.. هكذا رحل نبيل بكل نُبله وحيدا
ملوما محسورا.
وفي نفس اللحظة نرى
من يطلق عليها مصممة الإعلانات تسجل فضيحة على كل المستويات بسرقة لوحة فنية
ونسبها إلى نفسها لتوضع في إحدىى محطات مترو الأنفاق، ولكن المسألة لم تقف عند هذا
الحد، بل فوجئنا جميعا من أيام قليلة بفنان روسي يتهم ذات المصممة بسرقة
إبداعه واستخدامه
بإعلانات شركة بيبسي، وأنه سيتخذ الإجراءات القانونية التي تحفظ له حقه القانوني
التعويضي عن هذه السرقة المشينة.
ولكن المأساة إلى
حد المرارة والأسى ليس بسبب اتهام تلك المصممة بالسرقة وانكشاف أمرها، وإنما
المفجع في استمراريتها واستمرار دعمها بدون قيد ولا شرط وبدون حسيب ولا رقيب لكي
تتشجع أكثر وأكثر، وتمعن في غيّها وتسطو على إبداعات الغير، في محاولات مفضوحة تضر
بسمعة مصر وفن مصر.
وأنا لست من
أنصار البكاء على اللبن المسكوب، ولكنني بلا شك غيور على سمعة مصرنا الحبيبة من
السرقات الفنية المراهقة واستمرارية دعمها المريب.
وأخيرا وليس آخرا،
لا يسعني إلا تأمل ذاك المقطع الغنائي لمحمد عبد الوهاب "ياللي بدعتوا الفنون
وإنتو أزهارها.. دنيا الفنون الجميلة وإنتو أزهارها".. وما أحوجنا إلى الفن
والجمال.