قالت صحيفة "
فايننشال تايمز" في افتتاحية لها إن
فرنسا، بعد إخماد النيران المشتعلة منذ أسبوع في مدنها، بحاجة لمهمة اجتماعية جديدة،
يقوم من خلالها الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته بمعالجة جذور الإحساس بالظلم.
ووصفت أعمال الشغب التي تشهدها المدن الفرنسية بأنه
"شغب بلا معنى" جلب الفوضى للمدن والبلدات في فرنسا ولم يظهر أي إشارة عن
التوقف، وربما اشتعل مرة أخرى.
وكانت الشرارة التي أشعلته هي مقتل الفتى
نائل مرزوقي، 17
عاما عندما كان يحاول سياقة سيارة بسرعة مثيرة للخوف، وأثارته منصات التواصل الاجتماعي
ولكنه كشف عن التوترات الاجتماعية العميقة والتي لا يمكن أن تبرر وكذا الاستقطاب السياسي.
وتحتاج المشكلة إلى رد مستدام وشامل من الرئيس ماكرون وحكومته،
وإلا فستظل الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها سكان من أعراق متعددة بمثابة برميل بارود
قابل للاشتعال.
وقالت إن ماكرون يحتاج لبعض الثناء بشأن الطريقة التي تعامل
فيها مع الأزمة، فقد أظهر بداية تعاطفا مع الشاب ووصف مقتله بغير المبرر ولا يغتفر،
لكن معارضي الرئيس واتحادات الشرطة شجبوا كلامه باعتباره خرقا لبراءة رجل الشرطة الذي
قتل الشاب حتى تثبت إدانته وخيانة من الرئيس لقوى الأمن. وكان من المهم محاولة إخماد
النيران، فالحكومة بمن فيها وزير الداخلية جيرالد درمانين، اتبعت مسار الرئيس وتجنبت
اللغة المستفزة. كما قاوم ماكرون الدعوات لفرض قوانين الطوارئ التي كانت ستزيد من الأمور
سوءا مع حشد قوى الشرطة لاحتواء الأزمة.
وأوضحت أن نهج ماكرون في الحكم، المعروف بنهج المشتري لم يزد
النيران إلا اشتعالا وسط الرأي العام. فهو وعلى مدى ستة أعوام تبنى نظرية تقوم على
أن الرئيس هو الزعيم الأعلى وليس لديه وقت للإدارة المصغرة والتي هي من واجب الحكومة.
كما أن معارضيه على اليمين المتطرف واليسار المتطرف هم من استغلوا الأزمة لمواصلة حروبهم
الثقافية، فقد رفض زعيم اليسار المتطرف جان لوك ميلنشون الدعوة للنظام والقانون، مما
أظهر أن الجمهورية لا تواجه المخاطر من تيار متطرف واحد. بل وأظهرت عائلة الضحية وفريق
كرة القدم الوطني والنجوم الآخرون مسؤولية أعلى بالدعوة إلى الهدوء.
ولا يبرر أي نوع من التظلمات قيام الرعاع المشاركين بالعنف
الأحمق بالنهب ودفع سيارة محترقة إلى بيت عمدة في جنوب باريس الذي كان عملا إجراميا
حقيقيا. ويجب على المشاركين في عمليات النهب مواجهة العدالة، وتتحمل العائلات المسؤولية
لسماحها للشبان الباحثين عن الإثارة بالمشاركة في النهب. لكن على فرنسا معالجة الأسباب
التي تؤدي إلى الشعور بالظلم والتجاهل من الدولة للعديد من المجتمعات، وفي جزء منها
من صناعة ماكرون.
وقالت الصحيفة إن فرنسا ليست البلد الوحيد الذي يعاني من
وحشية الشرطة ضد السود أو الأقليات العرقية والتي أثارت اضطرابات. فقد شهدت الولايات
المتحدة وبريطانيا حوادث مماثلة، إلا أن فرنسا مترددة بمواجهة مشاكل الشرطة وأساليبها
العنيفة أثناء
الاحتجاجات وسوء التدريب والتمييز العنصري المنظم والتعاطف في داخلها
مع اليمين المتطرف.
اظهار أخبار متعلقة
وتم تخفيف القوانين المتعلقة باستخدام السلاح الناري عام
2017 ويجب التشديد عليه من جديد. وأدى تردد ماكرون في معالجة هذه المشاكل خوفا من ظهوره
بمظهر اللين في مسألة النظام والقانون إلى نتائج عكسية، ذلك أن اليمين المتطرف هو من
سيستفيد من الاضطرابات هذه.
وأقرت الصحيفة بفشل ماكرون والنخبة السياسية الفرنسية لمنح
الفقر الانتباه المناسب وتوفير المصادر إلى جانب معالجة الجريمة والتمييز والفشل التعليمي
الذي ينتشر في الضواحي.
لكن الصحيفة في ذات الوقت تدرك صعوبة المهمة وتقول إنه لا
توجد حلول سهلة، فنظام الرقابة والشرطة لا يمكنه حلها، وتم إنفاق المليارات على تحسين
النقل والإسكان، في وقت تم فيه إهمال رأسمال البشر. فالسكان المحليون الذين يحققون
نجاحات يخرجون من الضواحي ليحل محلهم مهاجرون جدد مما يزيد من الفصل.
وبعد فوزه في انتخابات 2017 كلف الرئيس لجنة لإعداد تقرير
حول التطوير الحضري ثم وضعه على الرف، وفي العام الماضي أعلن عن خطة جديدة لم تتشكل
بعد، وباتت ملحة الآن.
وربما شعر المستثمرون الوافدون بالفزع، وفي العام المقبل
ستستضيف فرنسا دورة الألعاب الأوليمبية التي باتت عرضة للخطر من الاضطرابات الحضرية.
وتختم الصحيفة افتتاحيتها بالقول إن فرنسا تحتاج، بعد
إطفاء الحريق، إلى مهمة وطنية جديدة قائمة على الشمول والمجتمعات المنسجمة، وربما حاول
اليمين المتطرف الصاعد وضع العثرات في طريقها، ولو أراد ماكرون إرثا سياسيا، فهذا هو
المكان المناسب لتركيز طاقته فيه.