تتزايد يوما بعد يوم
أزمة نواقص
الأدوية في السوق
المصرية، ولم يعد الأمر قاصرا على الأدوية ذات الأسماء التجارية المعروفة، وإنما امتد إلى البدائل التي لجأ الأطباء إلى وصفها للمرضى، الذين لا يمكنهم النجاة من دون الحصول عليها، خصوصا ممن يعانون من أمراض القلب والغدة الدرقية والضغط والسكر وأمراض الجهاز التنفسى.
هذه الأزمة بدأت تطل برأسها منذ شهور عدة، ما دفع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى عقد اجتماعين منفصلين في شهر أيار/مايو الماضي مع وزراء ومسؤولين وممثلين عن قطاع الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث وجه بتوفير 250 مليون دولار للإفراج عن المواد الخام لمصانع الأدوية والمستلزمات الطبية.
وقتها، توقع الجميع حدوث انفراجة حقيقية في هذا الملف، إلا أنه على أرض الواقع لم يحدث أي حل جذري، بل استمرت الأزمة، ولم يعد الكثير من أصحاب الأمراض لا يجدون الدواء الأساسي فقط، بل أيضا يعانون في الحصول على الأدوية البديلة التي نفدت كذلك من السوق.
الصعوبة البالغة في إيجاد الدواء أو بديله، والشكاوى المتزايدة من المرضى الذين يشعرون بأن حياتهم على المحك، دفعت الكثير من نواب البرلمان إلى تقديم طلبات إحاطة عاجلة لإيجاد حل لهذه الأزمة، ومنهم سميرة الجزار، عضو مجلس النواب، التي تقدمت بطلب إحاطة، بشأن مواجهة ظاهرة اختفاء الأدوية وارتفاع أسعارها، مما يعرض الأطفال والكبار أصحاب الأمراض المزمنة للموت. وتساءلت النائبة في طلبها عن «المتحكم في تحديد أسعار الأدوية؟ وعلى أي أساس يتم تحديدها؟ وهل مصانع الدواء والمستوردون هم المتحكمون في الأسعار دون تدخل الوزارة؟ وهل سياسة التعويم وارتفاع سعر الدولار هي السبب في الزيادة؟».
كذلك النائب إيهاب منصور، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ووكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، تقدم بطلب إحاطة بشأن نقص الأدوية التي يتم استخدامها في علاج ضيق التنفس الناتج عن مشاكل الجهاز التنفسي والانسداد الرئوي المزمن، مشيرا إلى أنه «لو الحكومة عندها مشكلة، فأين يتم البحث عن بدائل؟ وماذا يفعل المرضى؟».
أيضا النائب هشام حسين، أمين سر لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب، تقدم بطلب إحاطة بشأن نقص دواء التروكسين من الصيدليات، وما يترتب عليه من تداعيات سلبية خاصة بمرضى الغدة الدرقية، مطالبا بضرورة أن «تعلن الحكومة عن خطواتها وإجراءاتها لمواجهة تلك المشكلة، إما بتوفير الدواء المستورد أو البديل المحلي المناسب».
بلاشك أن أزمة نواقص الأدوية في السوق المصرية هي انعكاس طبيعي للوضع الاقتصادي المتأزم، وتراكم فواتير الديون التي تعانى من وطأتها البلاد، جراء عمليات الاقتراض الواسعة التي تمت خلال السنوات الماضية، وهو ما دفع الحكومة إلى محاولة تقليل فاتورة الاستيراد إلى أبعد حد، وعدم تدبير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج في الكثير من القطاعات، ومنها القطاع الطبي، مما تسبب في عدم توافر بعض الأدوية التجارية المعروفة أو حتى بدائلها، وذلك من أجل تسديد أقساط الديون في مواعيدها.
ووفقا للبنك المركزي المصري، فإن إجمالي الفوائد والأقساط المستحق سدادها خلال النصف الثاني من عام 2023 يُقدر بـ11.327 مليار دولار. وبحسب تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك قبل أيام، فإن قيمة الفوائد المستحق سدادها خلال النصف الثاني من العام الحالي، تبلغ 2.96 مليار دولار، بالإضافة إلى 8.367 مليار دولار قيمة أقساط مستحقة من الديون.
كما أوضح التقرير أن قيمة الفوائد والأقساط المستحق سدادها في عام 2024 تبلغ نحو 28.049 مليار دولار، من بينها فوائد بقيمة 5.47 مليار دولار، وأقساط ديون بقيمة 22.577 مليار دولار.
هذه الأرقام تؤشر إلى عمق الأزمة الاقتصادية، التي تتطلب عملا هائلا لمعالجتها عبر تقليل فواتير الاستيراد غير الضروري، والتوقف عن استدراج قروض جديدة للمشاريع التي يمكن تأجيلها إلى حين تحسن الأوضاع، لكن في الوقت نفسه، ينبغي العمل على تلبية وتوفير الاحتياجات الضرورية للمواطنين، خصوصا من الأدوية أو بدائلها؛ لأنها تعتبر بحق مسألة حياة أو موت.