في هذا الوقت من كل سنة يتسمر مشجعو كرة القدم حول شاشات التلفزيون الرياضية وأعينهم على كل المواقع الكروية لمتابعة آخر التطورات في عالم
انتقالات اللاعبين، وتنتابهم الاثارة كلما رأوا اسم ناديهم المفضل مرتبطاً بضم اسم كبير من نجوم اللعبة، لكن في النهاية لا يحدث شيء، ليندرج الخبر تحت مسمى «الشائعات» أو الاصح «الاشاعات»، لكن كيف تعقد عادة
صفقات انتقالات اللاعبين؟
في البداية ليس كل سعر يذكر عن قيمة صفقة انتقال لاعب في وسائل الإعلام، يكون هو الرقم الحقيقي، في الواقع غالبية الأسعار المذكورة، حتى في أكثر الصحف والمواقع المختصة مصداقية مثل «ترانسفير ماركت»، هي تقديرية وليست بالضرورة حقيقية وواقعية، فإذا لم يعلن أحد الناديين، أن كان النادي الشاري أو البائع، في بيان رسمي عن قيمة الصفقة، فإن كل ما نسمعه هو عبارة عن تخمينات وتقديرات المتابعين والصحافيين، وقد يكون بعضها صحيحاً، لكن ليس بالضرورة في كل مرة، ولهذا يعيش المشجع عالماً يبني فيه نقاطاً جدلية بناء على مجموع ما أنفقه أو أدخله هذا النادي أو ذاك، وقد يكون أبعد ما يكون عن الصحة.
استراتيجيات التفاوض تختلف من ناد الى آخر، ولهذا يتطلب وجود محنكين وخبراء وأصحاب تجربة، كي ينجزوا صفقات بأفضل الشروط والعقود الممكنة لأنديتهم،
وحتى عندما يعتقد المشجع ان هذا النادي أو ذاك بات في خزينته 100 مليون يورو مثلا من بيع لاعبين بهذه القيمة، فانه لا يدرك ان هذا الأمر غير صحيح مطلقاً، لأن 95% من الصفقات تنجز ويتم دفعها على أقساط مريحة، فإذا اتفق ناد على دفع 50 مليوناً لضم لاعب آخر، فان اجراءات المفاوضات والتي قد تمتد أياماً وربما أسابيع طويلة، ستتمحور حول آلية تقسيط المبلغ، فأرسنال مثلاً وافق على دفع 105 ملايين جنيه استرليني إلى وستهام لضم ديكلان رايس، لكن الاعلان الرسمي جاء بعدها بنحو 3 أسابيع، والسبب ان المفاوضين انهمكوا من الطرفين للاتفاق على آلية دفع هذا المبلغ على أقساط لسنوات عدة، بل حتى إن المحامين اضطروا إلى التواصل مع عدد من المسؤولين للتأكد من بعض الحيثيات والتواريخ، لاتمام صفقة انتقال أغلى لاعب انكليزي في تاريخ الدوري.
وعادة تكون الـ5% الأخرى من الصفقات التي يضطر فيها النادي الى دفع كامل المبلغ هي عندما يكون هناك شرط جزائي في عقد اللاعب، فيأتي النادي المهتم او الشاري ويدفع كامل المبلغ من دون حتى التفاوض مع النادي، مثلما فعل باريس سان جيرمان في 2017 لضم النجم البرازيلي نيمار بدفع 222 مليون يورو قيمة الشرط الجزائي، من برشلونة، ومثلما فعل أرسنال بضم توماس بارتي بدفع 50 مليون يورو الى أتلتيكو مدريد قبل عامين، وأيضا مثلما فعل تشلسي بضم انزو فيرنانديز من بنفيكا برقم قياسي انكليزي بلغ 120 مليون يورو.
لكن استراتيجيات التفاوض تختلف من ناد الى آخر، ولهذا يتطلب وجود محنكين وخبراء وأصحاب تجربة، كي ينجزوا صفقات بأفضل
الشروط والعقود الممكنة لأنديتهم، فمثلاً الادارة الأمريكية الجديدة لنادي تشلسي بقيادة تود بويلي، أهدرت نحو 600 مليون يورو على صفقات فاشلة ومتواضعة وعادية، عكستها سوء نتائج الفريق خلال الموسم الماضي، وكله بسبب سوء خبرة هذه الادارة في عالم كرة القدم، فدفعت أكثر من اللازم في صفقات عادية، واخرى على لاعبين لا تتناسب قدراتهم مع متطلبات البريميرليغ، وأيضاً لم يملك بويلي أسلوباً تفاوضياً، بل لبى طلبات النادي البائع بدون عقبات، في حين أن اليوم يبدو ريال مدريد مثلاً واثقاً من ضم النجم الفرنسي كيليان مبابي، رغم أنه غير منهمك أو مكترث لمحاولات ناديه باريس سان جيرمان لبيعه، أو للعرض الخيالي الذي قدمه الهلال السعودي لضمه ووافق عليه النادي الفرنسي، والبالغ 300 مليون يورو، والسبب أنه وضع استراتيجية في الاتفاق مع فريق مبابي، على تلبية شروط النجم الدولي في حال انتقل بالمجان بعد انتهاء عقده الصيف المقبل.
وأيضا يبدو دانيل ليفي هادئاً وصامداً ومتمسكا بشروطه لبيع نجمه هاري كاين، وهو ما وصفه بايرن ميونيخ المهتم بخدمات كاين، بأن ليفي «ثعلب في سوق الانتقالات والحصول على أفضل الشروط قبل التخلي عن نجومه (على غرار بيع مودريتش وبيل)، لكن نحن أيضا لا نتعامل في هذه السوق للمرة الاولى»، كون عقد كاين ينتهي الصيف المقبل، فان ادارة البايرن على استعداد لشراء الوقت، وهي على يقين أن ليفي لن يغامر بانهاء باب الانتقالات الصيفية متعنتاً ومصراً على طلباته. برايتون يريد قلب دفاع تشلسي الواعد ليفي كولويل الذي كان معه معاراً الموسم الماضي، لكن فريقه متمسك به، ولهذا رفض 3 عروض حتى الآن من «البلوز» لشراء نجمه الواعد مويزيس كايسيدو، وآخرها عرض بـ80 مليوناً، وهو جزء من الضغط للحصول على مراده بضم كولويل.
أسلوب التفاوض، وإبرام الاتفاقات، واختيار آلية الدفع والبيع، كلها تؤثر على النادي، وبالتالي على اداء الفريق، والفريق الذي يدار بحنكة، غالباً ما تجده متألقاً وناجحاً على المدى البعيد.