أعلنت
مصر انطلاق جولة جديدة من المفاوضات الثلاثية (مصر،
السودان، إثيوبيا) بشأن
سد النهضة، بالقاهرة، بعد أكثر من عامين من إعلان الفشل في
التوصل لاتفاق ملزم بين دولتي المصب ودولة المنبع في نيسان/ أبريل 2021.
وأكد وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم في بيان
صحفي، الأحد، أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة،
يراعي مصالح وشواغل الدول الثلاث، مشددا على أهمية التوقف عن أي خطوات أحادية في هذا
الشأن.
الجولة الجديدة من المفاوضات تأتي بعد مضي أكثر من ثلثي المدة
التي اتفق عليها رئيس النظام عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، للتوصل
إلى اتفاق نهائي في غضون 4 شهور، على هامش قمة اجتماع دول جوار السودان في 13 تموز/
يوليو 2023.
واتفق السيسي وآبي على بدء مفاوضات عاجلة للتوصل إلى اتفاق
بين البلدين، بالإضافة إلى السودان بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي.
تتزامن الجولة الجديدة مع استمرار عملية الملء الرابعة، التي
من المتوقع أن تمتد حتى أيلول/ سبتمبر المقبل، بشكل لا يضر بدولتي المصب بحسب تصريحات
آبي، الذي أكد أنها لم تؤثر بالسلب على أي من الدولتين.
وتقول إثيوبيا؛ إن ملء خزان السد الواقع على النيل الأزرق
هو أفضل ضمان للجميع في حالات الجفاف الصعبة، وأنها لا تهدف إلى الإضرار بأي دولة،
وأن الهدف الرئيسي هو توليد الكهرباء لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، واستغلال مياه
نهر النيل.
وحتى الآن، استطاعت إثيوبيا جمع 15 مليار متر مكعب من التخزين
الرابع خلف السد، وارتفع إجمالي التخزين حوالي 32 مليار متر مكعب، ووصل منسوب بحيرة
سد النهضة إلى 617 م فوق سطح البحر .
وتوقع بعض الخبراء أن تزيد هذه الكمية إلى قرابة نصف المستهدف
من عمليات الملء البالغة 74 مليار متر مكعب، ومن المتوقع أن يواصل منسوب المياه ارتفاعه
عند مستوى 621 مترا، أو 625 مترا، بعد تخزين ما يتراوح بين 20 - 24 مليار متر مكعب.
وتتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل إلى اتفاق ملزم مع إثيوبيا
على ملء السد وتشغيله، لضمان استمرار تدفق حصتيهما السنوية من المياه، المقدرة بـ55.5
مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب على التوالي.
إظهار أخبار متعلقة
لماذا عادت إثيوبيا وبماذا قبلت مصر؟
على المستوى الفني، يقول خبير هندسة المياه والسدود الدكتور
محمد حافظ: "في اعتقادي الخاص، أن الاتفاق الملزم الذي طالب به السيسي دولة إثيوبيا، قد تم الوصول إليه (فعلا) يوم صرح في منتصف شهر حزيران/ يونيو الماضي أنه موافق على
الحل الوسط، دون أن يحدد ماذا يقصد بالحل الوسط، منذ تلك اللحظة وإثيوبيا في تناغم شديد
وسعادة بالغة بعلاقتها مع الدولة المصرية، وكأن كل الخلافات بين البلدين لم تكن، وبدأ
فصل جديد سعيد للعلاقات الإثيوبية المصرية".
وأضاف لـ"عربي21": "لا أحد تساءل ما سبب كتابة
رئيس وزراء إثيوبيا خطاب "حب" للشعب المصري عقب مغادرته لمصر شهر حزيران/
يوليو الماضي، متعهدا بأنه لن يضر الدولة المصرية، وأنه يأمل في مشاركة الدولة المصرية
في العديد من المشاريع الاقتصادية المستقبلية. الأمر ببساطة هو أن تصريحات السيسي
بموافقته على (الحل الوسط)، تم ترجمتها بأنها موافقة مصر على حصول إثيوبيا على حصة مائية
خاصة بها، من إجمالي تدفقات النيل الأزرق السنوية ذات الــ ( 48.5 مليار متر مكعب)".
كلمة السر هنا، بحسب حافظ "هي الحصة الإثيوبية؛ تلك
الحصة التي طالبت بها إثيوبيا من قبل أيام مؤتمر ترامب، وأصرت على صرف 31 مليار متر
مكعب للدولة المصرية من النيل الأزرق بدلا
من 40 مليار متر مكعب، ثم غادرت واشنطن عندما ضغط الرئيس ترامب على الوفد الإثيوبي
لزيادة التدفق إلى 37 مليار متر مكعب".
وأشار حافظ إلى وجود دور كبير للإمارات في الوصول إلى الحل
الوسط الذي ينال من حصة مصر المائية، وهو الحل الذي يسمح لإثيوبيا بالحصول على حصة أعلى
من 9 مليار متر مكعب، وأقل من 16 مليار متر مكعب.
وبشأن وضع الملء الآن، أوضح حافظ أنه "من المنتظر أن
يتوقف الملء الرابع عند منسوب 620 مترا، بينما كان من المفترض فنيا أن يتوقف عند منسوب 625 مترا، هذا التخفيض الذي هو ضد مصلحة إثيوبيا، جاء نتيجة تدخل رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد لدى إثيوبيا، مقابل إقناعه للسيسي بضرورة الوصول لحل وسط يمنح إثيوبيا حصة خاصة، وأعتقد أن معظم
مفاوضات اليوم تدور حول الأمور الفنية المتعلقة بكيفية توصيل مياه الحصة الإثيوبية
للكيان الصهيوني، وهل هناك مقابل مادي ستحصل عليه مصر مقابل هذا الأمر".
"سقف طموحات منخفض"
الكاتب الصحفي السوداني والخبير في الشؤون الأفريقية الدكتور
ياسر محجوب الحسين قال: "من يتابع تطورات أزمة سد النهضة منذ بدايتها في 2012
لا يتوقع جديدا، إذ ظلت أديس أبابا تدير عامل الوقت لصالحها ومضت خطة بناء السد كما
تريدها دون أخذ أي اعتبار لدولتي المصب مصر والسودان، واليوم يستأنف التفاوض بعد تجميد
للتفاوض استمر أكثر من 3 أعوام، جرت خلالها مياه كثيرة تحت الجسر".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "ورغم تراجع الموقف
المصري من الرفض الكامل لقيام المشروع، إلى المطالبة بإشراكها في الترتيبات الفنية لعمليات
ملء السد التي بدأت لأول مرة في 2020 دون اتفاق دولتي المصب، وقد رفضت إثيوبيا مطالبهما
بتوقيع اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة. واليوم هي على وشك إتمام
عملية الملء الرابع في أيلول/ سبتمبر القادم، وستمضي على هذه الوتيرة حتى 2027، ليصل
السد إلى سعته البالغة 74 مليار متر مكعب من المياه. ومن المتوقع أن تظل إثيوبيا متحفظة
إزاء التقيد برقم معين لكمية المياه التي يجب مرورها بعد انتهاء مرحلة ملء الخزان وتشغيل
السد بالكامل".
إظهار أخبار متعلقة
من الواضح أن إثيوبيا، بحسب الحسين، تدرك تضاؤل دور مصر في
التأثير الإقليمي، فضلا عن كونها تمثل الطرف الرئيس في دول المنبع، ولذا استطاعت اتخاذ
موقف متشدد ضد المحاولات المصرية لفرض شروط على تشغيل المشروع، طيلة السنوات الماضية.
واستدرك الخبير في الشؤون الأفريقية: "ويبدو أن أمام
مصر خيارات قليلة لإجبار إثيوبيا على التعاون في القضايا الفنية. إن الخوف كله من أن
انصياع مصر للتعنت الإثيوبي في شأن قضايا فنية متعلقة بكيفية ملء السد وتشغيله، يمكن
أن يغري دولا أخرى في حوض نهر النيل، للتحدي بطريقة أكثر عدوانية، وبناء سدود إضافية؛ مما يفاقم مشاكل ندرة المياه التي تحتاجها مصر باستمرار".