لم تعد لعملية طباعة ونشر
الكتاب وقراءته في غالبية الدول
العربية
أهمية تذكر، ولم يعد الكتاب خير جليس، فثمة
عوامل عديدة أدت إلى تدني مستوى نشاط دور النشر العربية وكذلك انخفاض طباعة
الكتب بشكل ماثل، ناهيك عن
تراجع نشاط
الترجمة التي يعتبر وسيلة التواصل مع الدول والحضارات والشعوب والاطلاع على
ثقافاتها .
معطيات وحقائق مثيرة
هناك عوامل كثيرة أدت بمجملها إلى تراجع دور الكتاب العربي وتالياً
ارتفاع منسوب الجهل بالثقافة بمفهومها الواسع، ولا أقصد هنا مستوى التعليم، ومن
العوامل التي دفعت بهذا الاتجاه خلال العقود الثلاثة الأخيرة الثورة المعرفية
المتسارعة والانتشار الكبير والواسع لوسائل التواصل الحديثة من الهاتف المحمول
وفيسبوك وتيوتر ويوتيوب وتيكتوك وغيرها، وقد استأثرت بنسبة كبيرة من الوقت للتواصل
والتعلم أحياناً، لكن عملية الترفيه (حسب متابعاتنا اليومية) كانت الحاضر الاكبر
عند غالبية الشرائح الاجتماعية في الوطن بغض النظر عن مستويات التعليم .
من المؤكد تحسن معدلات ونسب السكان العرب الذين يستخدمون أجهزة
الحاسوب وشبكة الأنترنت العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك أجهزة الاتصالات
الحديثة؛ وتشير الحقائق والدراسات إلى أن الكتاب العربي بات يواجه أزمات حقيقية في
مستويات النشر والقراءة والترجمة على حد سواء، وكل الدلائل تؤكد أنه على الرغم من
الارتفاع الكبير في مجموع سكان الوطن العربي الذي وصل إلى (423) مليون نسمة خلال
العام الحالي 2023، إلا أن بلداً مثل هولندا أو البرتغال، يطبع في كل منها كتباً
أكاديمية وأدبية وعلمية أكثر من ما يطبع في الدول العربية مجتمعة، وبذلك يعتبر
الوطن العربي من أقل الأقاليم في العالم المنتجة للكتب بصنوفها المختلفة مقارنة
بعدد السكان. وتكون الصورة أكثر سوداوية عند الإشارة إلى مجموع الكتب المترجمة إلى
لغات عديدة على مدار العام مقارنة ببعض الدول الأوروبية، ودول أمريكا اللاتينية
أيضاً.
لم تعد لعملية طباعة ونشر الكتاب وقراءته في غالبية الدول العربية أهمية تذكر، ولم يعد الكتاب خير جليس، فثمة عوامل عديدة أدت إلى تدني مستوى نشاط دور النشر العربية وكذلك انخفاض طباعة الكتب بشكل ماثل
أشارت دراسات متخصصة إلى أن الدول العربية مجتمعةً أنتجت خمسين ألف
كتاب خلال العقد الأخير، بواقع خمسة آلاف كتاب سنويا؛ أي بمعدل (11،5) كتاب لكل
مليون مواطن عربي خلال العام. في مقابل ذلك استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية
التي يصل مجموع سكانها إلى (300) مليون نسمة إصدار أكثر من (300) ألف كتاب؛ أي أن
كل مليون مواطن أمريكي يصدرون (1017) كتاباً، إضافة إلى ذلك يعتبر الطفل العربي أقل مستوى من نظرائه في
العالم في مجال القراءة، حيث أكدت دراسات أن
الطفل العربي يقرأ لمدة سبع دقائق خلال العام، في حين يقرأ الطفل الأمريكي لمدة ست
دقائق يومياً، وقد تكون المستويات أعلى من ذلك في دول العالم التي تبوأت مراتب
متقدمة في تقارير التنمية البشرية الصادر خلال العقد الاخير ، مثل اليابان وكندا
والدول الاسكندنافية .
سبل الارتقاء بالكتاب العربي
من خلال المعطيات السابقة، تعتبر الدول العربية من أقل الدول انتاجاً
للكتب؛ إذ يشكل العرب حوالي خمسة في المائة من مجموع سكان العالم؛ في حين لا
تتجاوز نسبة إنتاجهم من الكتب واحد في المائة من مجموع الإنتاج العالمي للكتب، وتشير
معطيات إلى أن النسبة تختلف مع الكتب الدينية والتراثية، حيث تبلغ نسبتها 17 في
المائة من مجموع الإنتاج العربي. وتعتبر نسبة الكتب في ميادين العلوم الاجتماعية
والأدب والفن ضئيلة جداً.
واللافت أنه في نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي لم تنشر الدول
العربية مجتمعة ً إلا (1945) كتاباً أدبياً وفنياً؛ كما أن الناشرين يعتمدون سياسة
التنويع في إصداراتهم، وقلما توجد دور نشر متخصصة في مجال معين، كما تصل نسبة
النشر الموزعة على أنواع الكتب: أدب (20) في المائة، إسلاميات (15) في المائة، كتب
أطفال (3)في المائة، ثقافة عامة (8) في المائة، سياسة (6) في المائة شعر (8) في
المائة، علوم اجتماعية (5) في المائة.
تعتبر الدول العربية من أقل الدول انتاجاً للكتب؛ إذ يشكل العرب حوالي خمسة في المائة من مجموع سكان العالم؛ في حين لا تتجاوز نسبة إنتاجهم من الكتب واحد في المائة من مجموع الإنتاج العالمي للكتب،
وجميع النسب لا يمكن الاعتماد عليها كثيرا؛ حيث يجب أن ترصد مؤسسات
الجامعة العربية ذات الصلة بالبحث والدراسة اتجاهات تطور صناعة الكتاب في الدول
العربية وتوصيف معوقاته ، وفي ظل شلل دور الجامعة العربية ؛يمكن أن يقوم بهذا
الدور مراكز بحث عربية أخرى وصولاً الى تسجيل توصيات من شأنها الارتقاء بانتاج
الكتب العربية والترجمة أيضاً.
ثمة معوقات يمكن أن يلمسها أي متابع تحول دون عدم تطور طباعة الكتب
والنشر والترجمة في الدول العربية، من أهمها، عدم إيلاء النظم العربية أهمية خاصة
لدور الكتاب في نشر الوعي بين أفراد المجتمع والقدرة على رفع الأداء في المستوى
الاجتماعي والاقتصادي للمساهمة في بناء الحضارة الإنسانية؛ واللافت أن هناك
تراجعاً حقيقياً قد حصل في أداء دور النشر في الدول العربية منذ مطلع التسعينيات
من القرن العشرين، بسبب انخفاض الطلب على الكتاب من قبل أفراد المجتمع، حيث بات
الاعتماد الكبير على شبكة الانترنت ومحركات البحث للحصول على أية معلومة في الأدب
والسياسة والاقتصاد والعلوم والتاريخ والثقافة ، وذلك على الرغم من صدقية الكتاب
الذي يصدر عن دار نشر أو مراكز بحث علمية وفق أصول ومنهجية معينة، في حين تشير
الحقائق إلى وجود قرصنة كبيرة في المواقع الإلكترونية دون الرجوع إلى صاحب الدراسة
أو البحث أو الكتاب أو المقالة.
كما إنه مع تزايد انتشار الفضائيات وتطور أدائها وتنوعها، ازداد
اهتمام المواطن العربي بالشاشة الصغيرة، وباتت مصدره الملهم في الثقافة والسياسة
والاقتصاد والعلوم والرياضة والفن والتاريخ وحتى الفكر. ولهذا أصبحت الشاشة
الصغيرة بمثابة مصدر المصادر للمواطنين العرب في شرائحهم الاجتماعية والاقتصادية
المختلفة، الأمر الذي أدى إلى تراجع دور المكتبات وريادة التجمعات والأندية
الثقافية التي كانت سائدة في الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم في دول عربية
عديدة، وبات الشح في اقتناء الكتب سيد الموقف، بيد أن ذلك لم يمنع من ظهور مثقفين
كبار وعلماء في مجالات الكيمياء والطب والهندسة والأدب ايضاً، واستطاعوا الحصول
على جوائز دولية قيمة ولها مكانة استثنائية.
يمكن الجزم بأن أزمات مستعصية باتت تواجه الكتاب العربي في ظل ثورة
المعلومات والبث الفضائي وانسيابهما بشكل سريع، وقد تركزت تلك الأزمات في النشر
بفعل غياب برامج الدول والموازنات الخاصة للثقافة ونشرها من خلال المساعدة في نشر
الكتاب وتوزيعه بأقل الأسعار حتى يصل إلى كل مواطن عربي للإفادة منه.
وقد رافق ذلك تردي واضح في عملية الترجمة والتواصل مع دول العالم لإيصال
صورة العرب الحقيقية ودورهم في بناء
الحضارة الإنسانية على كافة الصعد. ولايمكن تعزيز انطلاقة جادة للكتاب العربي
وتعميمه في ظل قبضة النظم العربية الشمولية، ولهذا فإن هدف الثورات العربية لم
ينحصر فقط في تحقيق العدالة والكرامة للمواطن العربي، بل تعدى ذلك لتحقيق مساهمة
نوعية في بناء الأوطان ولعب دور جوهري في صناعة الحضارة البشرية وتطورها؛ وهنا
نستحضر أهمية تنشيط دور النشر في صناعة الكتب وترجمة البعض منها بهدف التواصل
الحضاري.
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا