"إن
عدد المواليد في
مصر يجب ألا يتجاوز 400 ألف مولود سنويا لتعويض العجز الموجود في
الموارد"، وأضاف
عبد الفتاح السيسي خلال المؤتمر العالمي الأول للسكان والصحة
والتنمية؛ المنعقد في العاصمة الإدارية من 5 إلى 8 أيلول/ سبتمبر 2023: "أنا
ضد الحرية المطلقة في
الإنجاب لأن الحرية دي ممكن تمثل كارثة للبلد والمجتمع كله"، وأعلن عن منح صلاحيات أوسع للمجلس القومي
للسكان.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء قد أعلن في تقريره الرسمي عن تراجع معدل المواليد في البلاد بنسبة 30 في المائة منذ عام 2015، ليصبح 21.2 لكل ألف نسمة سنة
2021، في حين أن تصريحات
السيسي تعني أن معدل المواليد يجب أن يكون في حدود 4 أطفال
فقط لكل ألف نسمة سنويا خلال السنوات العشرين القادمة.
معدل
الخصوبة والذي شهد تراجعا ملحوظا في مصر في السنوات الماضية، وأهميته في متابعة
الحالة الديموغرافية:
معدل الخصوبة هو نسبة عدد الأطفال المولودين خلال عام إلى
عدد النساء في سن الحمل والإنجاب (15 إلى 49 سنة) عند منتصف نفس العام، وهي هنا
عملية حسابية حسب معادلات رياضية ديموغرافية معتمدة عالميا، وبالتالي فإن معدل
الخصوبة يتأثر بعدد المواليد خلال السنة، أيضا بعدد السيدات القادرات على الإنجاب (وهو
عدد التراكمي حصيلة سنوات سابقة). ويعتبر استخدام وسائل منع الحمل هو المساهم الرئيس في انخفاض الخصوبة.
يوجد تراجع واضح لمعدل الخصوبة في مصر، من 6.8 أطفال لكل سيدة عام 1960، ليصبح 3.4 أطفال لكل سيدة عام 2015، ثم تراجع آخر ليصبح 2.8 طفل لكل سيدة عام 2021. وهذا التراجع الواضح في معدل الخصوبة يتناسب طرديا مع التراجع الواضح أيضا في معدل المواليد؛ والذي كان 35 في الألف عام 1985 عند بدء إنشاء المجلس القومي للسكان، وأصبح 21.2 في الألف فقط عام 2021
ويوجد تراجع واضح لمعدل الخصوبة في مصر، من 6.8 أطفال لكل سيدة
عام 1960، ليصبح 3.4 أطفال لكل سيدة عام 2015، ثم تراجع آخر ليصبح 2.8 طفل لكل سيدة
عام 2021. وهذا التراجع الواضح في معدل الخصوبة يتناسب طرديا مع التراجع الواضح
أيضا في معدل المواليد؛ والذي كان 35 في الألف عام 1985 عند بدء إنشاء المجلس
القومي للسكان، وأصبح 21.2 في الألف فقط عام 2021.
مستهدفات المجلس القومي للسكان واستحالة التنفيذ بوحدات
ومستشفيات وزارة الصحة:
في عام 1990؛ كان المجلس القومي للسكان تتم الاجتماعات فيه بحضور رئيس
الجمهورية حسني مبارك، وكان للمجلس مقرر نشيط جدا وينوب عن الرئيس غالبا، هو
الدكتور ماهر مهران، أستاذ النساء والتوليد والخبير
السكاني، ويتبعه في كل محافظة
مكتب للسكان وتنظيم الأسرة ويتم عقد اجتماعات دورية برئاسة المحافظ تحت اسم "المجلس
الإقليمي للسكان"، وبحضور جميع رؤساء المصالح الحكومية، لبحث الخطط ودراسة المشاكل
والمعوقات وعرض الإنجازات.
وقد تم إنشاء المجلس
القومي للسكان عام 1985 برئاسة رئيس الجمهورية، وبتمويل أساسي من الوكالة
الأمريكية للتنمية الدولية أو هيئة المعونة الأمريكية (USAID_EGYPT)؛
ويهدف إلى مواجهة المشكلة السكانية من خلال ثلاثة محاور: الأول هو المسح السكاني الصحي،
والثاني يشمل تنمية مهارات القائمين على العمل السكاني، في حين يختص المحور الثالث
بتمويل وإجراء البحوث في مجال السكان وتنظيم الأسرة. وتم تعديل التبعية عام 1996
ليصبح المجلس برئاسة رئيس الوزراء، ثم عدلت التبعية مرة أخرى عام 2002 ليصبح تابعا
لوزارة الصحة والسكان، باعتباره أحد قطاعات الوزارة وله مدير مختص.
وبصفتي كنت مديرا لإدارة السكان وتنظيم الأسرة بالصحة في محافظة دمياط
بشمال الدلتا وقتها؛ فقد وصلتني الخطة السنوية من المجلس القومي للسكان في القاهرة،
وفيها المستهدفات السكانية مثل عدد المستخدمات لوسائل منع الحمل، وأعداد ونوعيات
الوسائل المستهدف توزيعها، إضافة إلى عدد من المؤشرات المستهدفة، مثل خفض معدل
المواليد وزيادة عدد سنوات الحماية (وتعني فترة فعالية كل وسيلة في منع الإنجاب)،
إضافة إلى معدلات الخصوبة والزيادة السكانية.
من غير المنطقي أن يعلن السيسي عن توجيهاته بخفض عدد المواليد من 2.2 مليون مولود سنويا هذا العام ليصبح 400 ألف مولود فقط سنويا، بما يعني خفض معدل المواليد من 21 في الألف حاليا ليصبح 4 في الألف فقط سنويا، بقرار سيادي وبجرة قلم، وذلك لأن التحول الديموغرافي في المؤشرات السكانية يخضع لعوامل مختلفة تماما عن عالم إنشاء الطرق والكباري
وكانت آلية وضع الخطط وتحديد مستهدفات النشاط في مشروع السكان وتنظيم
الأسرة في الصحة تتم تحت إشراف وتمويل هيئة المعونة الأمريكية، وكانت ترتكز على عدد
الوسائل المقدمة فعليا للسيدات بالوحدات ولهن سجلات ومتابعات، ويتم فيها تحديد
نوعية وسيلة منع الحمل كمّا وكيفا حسب الظروف المجتمعية في كل محافظة، مع تفاوت
الظروف بين الريف والحضر وبصورة واقعية ميدانيا، لتحقيق المستهدف القومي لتنظيم
الأسرة وهو خفض عدد المواليد بنسبة واحد في الألف سنويا، وهي نسبة ممكنة التنفيذ واقعيا.
وذلك بخلاف آليات النشاط في المراكز والجمعيات الأهلية التابعة للمجلس
القومي للسكان أو لوزارة الشؤون الاجتماعية؛ والتي كانت تعتمد على التسويق أو
التوزيع المجتمعي للوسائل وحملات طرق الأبواب، دون تسجيل حقيقي للسيدات المنتفعات
مثلما يحدث بوحدات الصحة، لهذا فقد كان من المستحيل عمليا تحقيق المستهدفات
الواردة إلينا والتي كانت تعني خفض المواليد بنسبة تصل إلى عشرة في الألف سنويا!!
واجتمعتُ فورا مع فريق العمل في مديرية الصحة، وتم إعداد دراسة ميدانية
تشمل رفع الواقع وتحديد نقاط القوة والضعف، وعرض الفرص المتاحة والتهديدات
المحيطة، مع المطالبة بتعديل الخطة المركزية بحيث تكون واضحة المعالم ومحددة الأهداف وقابلة للتنفيذ. وتم عرض دراسة المديرية خلال اجتماع المجلس الإقليمي
للسكان برئاسة الدكتور أحمد جويلي، محافظ دمياط والخبير في الاقتصاد الزراعي، وله
علاقات علمية بالكثير من الهيئات والمنظمات العالمية، وكان شديد الاهتمام بالأرقام
والإحصائيات والنسب والمعدلات، فتناول الأمر بمنتهى الجدية، وبعد مناقشات علمية وإحصائية؛
اقتنع د. جويلي بمحتوى الدراسة، وقرر الاتصال فورا بصديقه الدكتور ماهر مهران،
مقرر المجلس القومي للسكان في القاهرة، والذي اهتم بدوره بتقرير مديرية الصحة في دمياط.
السيسي يكرر إشكالية تطبيق نموذج بونجارتس العالمي عند
وضع المستهدفات السكانية في مصر:
وقامت الدنيا ولم تقعد، وجاء الرد حاسما بأن الخطة وضعت حسب "نموذج
بونجارتس" العالمي Bongaarts 1978))، ويشمل عددا من المحددات الديموغرافية لتحديد المستهدفات
السكانية نتيجة بحوث ميدانية في عدد كبير من دول العالم في مختلف القارات، ثم حضر
إلينا مدير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار على رأس وفد من القاهرة لدراسة واقع
المحافظة، وبعد جهود استمرت لفترة طويلة، وشارك فيها خبراء من الوكالة الأمريكية
للتنمية الدولية، تم تعديل المستهدفات لتناسب الواقع المصري بصورة عامة وبالتالي
يمكن تنفيذها بدقة وفعالية لتحقيق المستهدف العام وقتها، وهو خفض معدل المواليد
بنسبة واحد في الألف سنويا. وهذا يؤكد على أهميتها الإحصائية في عملية الاستدلال الإحصائي في الحياة العملية في
جميع مجالات العلوم المختلفة، ونظرا لهذا الدور تحظى دراسة النماذج الإحصائية
بالاهتمام والتطوير المستمر كي تصبح أكثر مصداقية.
وتلك الواقعة توضح أهمية وضع مستهدفات واقعية وقابلة للتنفيذ وتخضع
للحوكمة، لأنه عندما يتم خفض معدل المواليد فعليا من 35 في الألف عام 1985 ليصبح
21 في الألف عام 2021؛ فإن هذا التراجع يعتبر إنجازا حقيقيا ويتناسب إلى حد كبير
مع المستهدف العام بخفض معدل المواليد بنسبة واحد في الألف سنويا خلال تلك الفترة
الطويلة مع مراعاة التذبذب المتوقع في نسبة الإنجاز حسب المتغيرات السياسية
والاقتصادية والمجتمعية التي مرت بها مصر.
اختزال المشكلة السكانية في مصر باعتبارها زيادة سكانية فقط يعد تهوينا للقضية، فقضية السكان يجب النظر لها بصورة أشمل تتضمن أبعادها الثلاثة، وهي تراجع خصائص السكان (والتي تشمل التعليم والصحة والمشاركة في قوة العمل ومتوسط دخل الفرد)، وسوء توزيع السكان وتركزهم في مساحة ضيقة لا تتجاوز 7 في المئة من إجمالي مساحة مصر، بالإضافة إلى عدم التوازن بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي
ولهذا السبب فإن من غير المنطقي أن يعلن السيسي عن توجيهاته بخفض عدد
المواليد من 2.2 مليون مولود سنويا هذا العام ليصبح 400 ألف مولود فقط سنويا، بما
يعني خفض معدل المواليد من 21 في الألف حاليا ليصبح 4 في الألف فقط سنويا، بقرار
سيادي وبجرة قلم، وذلك لأن التحول الديموغرافي في المؤشرات السكانية يخضع لعوامل
مختلفة تماما عن عالم إنشاء الطرق والكباري، من أهمها ظاهرة الزخم السكاني (Population Momentum)، وتعني طبيعة التغير البطيء
والتراكمي ومتعدد التداخلات في التطور السكاني.
واجب الدولة هو فهم قضية السكان
والعمل الجاد في جميع المحاور بالتوازي وبنفس القدر من الاهتمام والجدية
إن اختزال المشكلة السكانية في مصر باعتبارها زيادة سكانية فقط
يعد تهوينا للقضية، فقضية السكان يجب النظر لها بصورة أشمل تتضمن أبعادها الثلاثة،
وهي تراجع خصائص السكان (والتي تشمل التعليم والصحة والمشاركة في قوة العمل ومتوسط
دخل الفرد)، وسوء توزيع السكان وتركزهم في مساحة ضيقة لا تتجاوز 7 في المئة من إجمالي
مساحة مصر، بالإضافة إلى عدم التوازن بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي.
ومن ثم فإن الاستمرار في اعتبار القضية السكانية هي مسؤولية
وزارة الصحة والسكان أو المجلس القومي للسكان الذي يتبع الوزارة منفردين يصل بقضية
السكان إلى طريق مسدود، وبالتالي فإنه من الضروري الاهتمام بجميع محاور المشكلة بالتوازي
وبنفس القدر من الاهتمام، مع التركيز على مواجهة ثلاثية الفقر والجهل والمرض،
وبناء مواطن سليم معافى عنده القدرة على دخول سوق العمل والإنتاج باعتباره ثروة
بشرية قادرة على دفع عجلة النمو الاقتصادي، ومن ثم نشر التنمية على جميع أرجاء أرض
الوطن.