أعرب
مصريون عن ابتهاجهم الشديد من عدم انتقال نجمهم
المحبوب
محمد صلاح إلى فريق اتحاد جدة السعودي، لكن اللافت أن عددا من الأسباب التي قيلت بشأن هذا الابتهاج، تبدو عجيبة وكأنها
قادمة من زمن آخر.
تبدو هذه الردود وكأنها تستنكف انتقال صلاح إلى دوري
عربي، مقابل الفخر بكونه يلعب في الدوري الإنجليزي، أعرق دوريات العالم. ولا شك أن
هذا الأمر يستحق الفخر، لكن البعض أكد أن صلاح "ليس للبيع"، وكأنه يلعب
في فريق
ليفربول مجانا أو لوجه الله، وليس وفقا لعقد يتقاضى بموجبه أموالا.
قبل ليفربول، لعب صلاح في أندية أخرى مثل روما وفيورنتينا
الإيطاليين، وتشيلسي الإنجليزي، وبازل السويسري، والمقاولون العرب في مصر. كل هذه
الأندية "اشترت" صلاح بأموال -قليلة أو كثيرة لا يهم- ولعب معها نجمنا
وحقق معها إنجازات عديدة. فكيف يقال إن صلاح "ليس للبيع" وكأنه ملكية
خاصة بالمصريين وهم من يقررون ما إذا كان بإمكانه الانتقال من ليفربول إلى فريق
آخر أم لا؟! وهذا بغض النظر عن خطط الدوري السعودي في استقطاب نجوم عالميين، وجدوى
إنفاق مئات الملايين خلال هذه الفترة القصيرة، واحتمالات نجاح تلك الخطط من عدمه، فليس
هذا موضوع المقال.
آخرون ربطوا بين عدم انتقال صلاح إلى الدوري السعودي،
وبين مصطلحات رنانة، مثل "الوطنية" و"الكرامة"، مؤكدين أن
صلاح لم يخذلهم في هذا الأمر! وكتب أحدهم مؤكدا بثقة أن صلاح أثبت "أنه مصري
فرعوني أصيل غير قابل للبيع أو الشراء" وأن "القيم والمبادئ أهم من
المال"! ولا ندري ما علاقة الوطنية والكرامة بهذا الموضوع، وكيف ارتبط لعب
صلاح في ليفربول بالقيم والمبادئ؟ وماذا سيفعل هؤلاء إذا انتقل إلى
السعودية في
الموسم المقبل، وهو أمر متوقع وتحدثت عنه تقارير عدة، أكدت أن هذا الانتقال سيكون
منطقيا حينها؟ من المؤكد أنهم سيهيلون عليه التراب حينها ويسبونه ويعتبرونه خائنا
وعميلا! لأن رؤيتهم للقضية كانت مختلة منذ البداية، إذ حملوها ما لا تتحمل،
وأرادوا انتزاع انتصار وهمي في ظل الخيبات المتوالية والعجز والفشل في الملفات
الداخلية والخارجية على حد سواء.
منشور آخر ربط بين عدم انتقال صلاح للسعودية، وبين فشل
مشروع الدوري السعودي بأكمله، في ربط متعسف يتجاهل اللاعبين العالميين الآخرين
الذين يلعبون بالفعل هناك، لكن يبدو أن المنشور يحاول مثل سابقيه انتزاع انتصار
وهمي في ظل أجواء الانتكاسات الحالية.
التعامل مع صلاح وكأنه ملكية خاصة لكل من هب ودب، برز
كذلك من خلال قيام البعض -بصفاقة لا يُحسدون عليها- بدعوته إلى التبرع بمعظم قيمة
تعاقده مع الاتحاد السعودي -إن حدث- للمساهمة في تسديد ديون مصر، وكأن صلاح هو
المسؤول عنها أو المتسبب فيها، وكأنها ليست أمواله الخاصة التي من حقه أن يصرفها
كما يشاء دون وصاية من أحد أو مزايدة على وطنيته.
ويبدو أن صمت صلاح عن هذه الدعوات العبثية أغرى آخرين
بأن يدلوا بدلوهم، إذ اقترح وزير سابق أن يقدم "فخر العرب" المساعدة في
استرداد آثار مصر، وذلك بعدما شاهد صورا لصلاح إلى جانب الآثار المصرية في المتحف
البريطاني! وبهذه الوتيرة ربما نجد من يطالب صلاح بحل مشاكل جميع المصريين،
الشخصية منها والعامة، وأن يرخص الأسعار المرتفعة ويشفي المرضى ويجلب الحبيب ويرد
المطلقة ويزوج العانس!
صلاح يمثل نفسه، وهو نموذج للرياضي الناجح، ومن حقه أن
يتخذ القرار الذي يرى أنه يناسبه، وهو ليس ملكا لأحد حتى يقرر بالنيابة عنه، ولا
علاقة بانتقاله إلى السعودية من عدمه بالوطنية أو الكرامة، وليس مطالبا بأن ينتصر
لأحد أو يعوض انكسارات وطنية في مجالات أخرى. ويجب التوقف عن مثل هذا التفكير الذي
ينتمي لحقبة الستينيات ومرحلة الصراع مع الاستعمار و"الرجعية العربية"
وما إلى هذا الكلام الذي عفا عليه الزمن.