تتحدث
تحليلات عدة منذ أسابيع، عن أن سبب تأجيل السلطات
المصرية اتخاذ قرارات اقتصادية
"مؤلمة"، يعود إلى رغبتها في تمرير
الانتخابات الرئاسية لوضع جميع
الأطراف، الداخلية والخارجية، أمام الأمر الواقع. تتعلق معظم هذه القرارات
المنتظرة بالمجال الاقتصادي، الذي يشهد تدهورا كبيرا منذ سنوات بعد خروج الأموال
الساخنة من البلاد، جراء الحرب الروسية الأوكرانية. وهي أموال أدمنتها الحكومة
المصرية وكانت تعتمد عليها بصورة كبيرة في تمويل مشروعات البنية التحتية التي لم
تحقق أي عوائد إنتاجية تساهم في تسديد الديون المترتبة على إنشائها، وخاصة العاصمة
الإدارية الجديدة، فضلا عن عشرات المشروعات الأخرى.
يتوقع
الخبراء والمحللون أن يكون تخفيض قيمة الجنيه أبرز تلك القرارات المتوقعة على
الإطلاق، نظرا لشح الدولار وانخفاض الاحتياطي النقدي حتى أصبح معظمه عبارة عن
ودائع خليجية في البنك المركزي، وبالتالي أصبح الجنيه مقوما بأعلى من قيمته
الحقيقية، ولم يعد بمقدور الحكومة توفير حصيلة دولارية تمكنها من الدفاع عن العملة
المحلية.
و الأجواء لا تقل ضبابية وغموضا، فموعد الانتخابات الرئاسية قد أُعلن، وسط دعوات من سياسيين تدعو لترشيح شخصيات قوية، مثل وزير الخارجية والمرشح الرئاسي السابق عمرو موسى، وحتى رئيس الأركان السابق محمود حجازي، وهو لا بد أن يكون مصدر قلق لدى النظام، من أن تكون تلك الدعوات متصلة بتفاهمات مع المؤسسة العسكرية
وتتفاوت
تقديرات المؤسسات الدولية والخبراء في تقدير حجم التخفيض المنتظر، والذي يُطلق
عليه اسم "تعويم" تخفيفا من وقع الكلمة، إذ تتفاوت تلك التقديرات، حتى
وصلت إلى 46 جنيها مقابل الدولار الأمريكي الواحد، بينما يبلغ السعر الرسمي الحالي
31 جنيها تقريبا أمام الدولار؛ وهو سعر لا يتعامل به أحد، حتى البنوك نفسها، نظرا
لعدم تعبيره عن الحقيقة.
وأضحى
توفير الدولار يتم من خلال السوق السوداء، وطالبت المؤسسات الرسمية نفسها المواطنين بأن يودعوا أموالهم من العملات الأجنبية في شهادات استثمار جديدة، مؤكدة
لهم أنها لن تسألهم عن مصدرها أيا كان! وهو مؤشر ذو دلالة لا تخطئها عين، ويعكس
أوضح مؤشر للمأزق الاقتصادي الصعب الذي أدت إليه سياسات النظام الحالي العشوائية
وغير المدروسة.
على
المستوى السياسي، تبدو الأجواء لا تقل ضبابية وغموضا،
فموعد الانتخابات الرئاسية قد أُعلن، وسط دعوات من سياسيين تدعو لترشيح شخصيات قوية، مثل وزير
الخارجية والمرشح الرئاسي السابق عمرو موسى، وحتى رئيس الأركان السابق محمود
حجازي، وهو لا بد أن يكون مصدر قلق لدى النظام، من أن تكون تلك الدعوات متصلة
بتفاهمات مع المؤسسة العسكرية. لكل هذه العوامل، يبدو الاستعجال في إجراء
الانتخابات واضحا.
حتى
الآن، تبدو خطة النظام قائمة على الانتهاء من الانتخابات، لاكتساب شرعية تمكن من
اتخاذ الإجراءات الاقتصادية التي ستؤدي إلى تداعيات وخيمة، على صعيد ارتفاع
الأسعار والتضخم وتدهور معيشة المواطنين، وكذلك توصيل رسالة إلى الأطراف الداخلية
والخارجية بأن عليهم التعامل مع النظام الحالي الذي من المنتظر أن يستمر لمدة 6
سنوات وفقا للدستور.
على المستوى الاقتصادي، فلن تمنع شرعية الانتخابات المفترضة الشعب من الانتفاض والاحتجاج إذا تدهورت الأوضاع بدرجة يصعب معها توفير الاحتياجات الأساسية، فالجائع لن يتراجع عن النزول للشارع إذا قيل له إن النظام يتمتع بشرعية انتخابية! كما لم يأبه النظام نفسه عندما عزل الرئيس الراحل محمد مرسي بعد مرور عام واحد فقط على توليه الرئاسة
لكن
خطة النظام تواجه تحديات عدة، وعقبات ربما تحول دون نجاحها. ففي الغابون، انقلب
الجيش على الرئيس علي بونغو، رغم أن الأخير كان قد أعلن لتوه فوزه بفترة رئاسية
ثالثة بعد انتخابات مشكوك في صحتها، أي أن هذه "الشرعية" المفترضة،
المستمدة من الانتخابات، لم تمنع من قلب الطاولة عليه. ومن المؤكد أن الانتخابات
الرئاسية في مصر ستجري في أجواء لا تقل عبثية عن مثيلتها في الغابون، وبالتالي فإن
التعويل على هذا الجانب ربما لن ينجح، ومن البديهي كذلك أن النظام في مصر قد التقط
رسالة انقلاب الغابون واستوعبها ويفكر حاليا في طريقة لتفادي نفس المصير.
أما
على المستوى الاقتصادي، فلن تمنع شرعية الانتخابات المفترضة الشعب من الانتفاض
والاحتجاج إذا تدهورت الأوضاع بدرجة يصعب معها توفير الاحتياجات الأساسية، فالجائع
لن يتراجع عن النزول للشارع إذا قيل له إن النظام يتمتع بشرعية انتخابية! كما لم
يأبه النظام نفسه عندما عزل الرئيس الراحل محمد مرسي بعد مرور عام واحد فقط على
توليه
الرئاسة. وفي المحصلة، ربما يحتاج النظام إلى خطة أكثر منطقية وقابلية
للتنفيذ، فهل ينجح؟