قرية مهجرة لا تزال بعض بيوتها القديمة ومقاماتها تحفر في ذاكرة
التاريخ القديم لتؤكد أن هذا المكان وغيره من القرى التي هجرت بعد عام 1948 لا
تزال تقاوم الاندثار .
قرية كفر سابا التي تقع جنوبي طولكرم على حدود قضاء يافا، كانت
قرية تتربع في السهل الساحلي الأوسط، وتمر سكة الحديد الممتدة بين حيفا واللد على
جزء صغير من حدودها الملاصقة لقرية جلجولية، كما يمر من أراضيها الطريق العام
الواصل بين يافا وطولكرم.
وتقول الرواية الشفوية إن اسم كفر سابا هو الاسم الموروث عن الآباء
والأجداد، وهذا ما تؤكده الوثائق العثمانية القديمة في بداية القرن السادس عشر
التي ذكرتها باسمها كفر سابا الحالي، وفي فترة الحكم الصليبي سميت القرية باسم
"كفر سبت".
وتقول مصادر إن سابا كلمة سريانية تعني الشيخ الجليل والمقدم في
قومه، وهو اسم علم لقديس.
أما الرواية الشعبية، فتقول إن بلقيس ملكة سبأ مرت بالقرية، وصارت
ملكا لها، فأخذت اسم سبأ ومع مرور الوقت صار اسمها كفر سابا.
بقايا مزرعة بيزنطية في كفر سابا
يبدو أن سكانها القدماء كانوا يعملون في دباغة الجلود، أو في صناعة
الخمر، لأن معنى سبأ الجلد كشطه، وسبأ الخمر مزجها فهي سبيئة.
ومن المعروف أن كفر سابا منذ بداية الحكم العثماني كانت من قرى ناحية
بني صعب التابعة لنابلس.
في عام 1596 بلغ عدد سكان قرية كفر سابا 210 نسمات، وفي عام 1893 بلغ
800 نسمة، وانخفض عددهم في عام 1922 إلى 546 نسمة، وفي عام 1931 بلغوا 765 نسمة،
ويدخل ضمن هذا التعداد عرب العبيدات. وفي عام 1945 قدر عدد سكانها بنحو 1270 عربيا
بينهم شتيت من عرب السواركة، ويقدر عددهم في عام 1948 بنحو 1473 نسمة.
ولقرية كفر سابا أراض مساحتها 9688 دونما، ويحدها من الشمال قرية
مسكة ومن الغرب كفار سابا، ومن الجنوب والجنوب الغربي قرية بيار عدس، ومن الجنوب
الشرقي قرية جلجولية، ومن الشرق مدينة قلقيلية.
وكان في كفر سابا مسجد قديم واسع بني من الحجر وله ساحة واسعة وفيه
مكان للوضوء وكانت تقام فيه صلوات الجماعة والجمعة والعيدين، وكان الإمام والمؤذن
يعملون حسبة لله تعالى بدون أجر، وكان في القرية زاويتان للصوفية (الدراويش ) وهما
زاوية آل النجار وزاوية آل البلاسمة، وفي القرية عدد من المقامات.
وقد ساعدت خصوبة وطبيعة أرض
فلسطين في إعطاء منزلة خاصة لمن جاء إليها،
وكانت قرية كفر سابا هي من الساحل الفلسطيني الخصب.
وللقرية تاريخ قديم منذ الفراعنة والكنعانيين مرورا بالرومان والفتح
الإسلامي، ووصفها الرحالة بأنها قرية كبيرة ولها مسجد، وجاء في رواية الرحالة ناصر
خسروا عام 1047 أن كفر سابا بلدة غنية بالتين والزيتون.
مقام في كفر سابا
وتشير المصادر العبرية إلى أن شراء اليهود لأراض في كفر سابا بدأ عام
1892، وأن إدارة المستوطنات التابعة للبارون روتشيلد سيطرت على تلك الأراضي عام
1896، وباعتها عام 1903 لفلاحين من مستعمرة "بتاح تكفا" ليقيموا عليها
مستعمرة، ولما عارضت السلطات العثمانية بناء مساكن فإنهم سكنوا في براكيات وأخشاش حتى
عام 1912 حيث بنوا لهم بيوتا ثابتة.
وفي عام 1918 كانت المستعمرة في خط المواجهة بين القوات التركية
والقوات البريطانية ما أدى إلى خرابها. وفي عام 1919 تجدد الاستيطان، لكن في هبة
عام 1921 دمرت المستعمرة، ثم عادت وازدهرت بفضل زراعة الحمضيات.
وخلال ثورة فلسطين الكبرى ما بين عامي 1936 و1939 هوجمت المستعمرة
عدة مرات، وفي حرب 1948 كانت المستعمرة في خط المواجهة بين العرب والصهاينة.
وقد دعم أهالي كفر سابا الثورة بالمال والمؤن، واستشهد عدد من
مواطنيها.
وجاء في تقرير لمنظمة الهاغاناه أن مشاركة كفر سابا في الثورة كانت
ضئيلة، وأنه لم يكن فيها من ينشئ فصيلا ثوريا ويقوده.
ودخلت وحدة من جيش الإنقاذ القرية بقيادة السوري محمد أفندي، وراحت
تحث الأهالي على شراء أسلحة للدفاع عن بلدهم، بينما صمم الصهاينة على اجتياح
القرية لأنها كانت شوكة في قلب المستعمرات اليهودية مثل: كفار سابا، مجدئيل، بيت
بيرل، رامات هاشوفيط..
منذ بداية شهر أيار/ مايو عام 1948
اشتدت المناوشات بين الطرفين.
مدينة إسرائيلية تم بناؤها على أراضي قرية كفر سابا
وقامت "كتيبة 33"
و"كتبية 32" التابعتان للواء "إلكسندروني" الصهيوني بالهجوم
على قرية كفر سابا العربية وسد الطرق المؤدية إليها من الشرق لمنع وصول نجدات من
قلقيلية، ولإفشال أي هجوم مضاد.
وتشير المصادر إلى أن من قام بالهجوم المضاد كان الجيش الأردني الذي
وصلت طلائعه إلى طولكرم، وأرسل جنودا مع بعض المدرعات إلى قلقيلية لصد الهجوم
الصهيوني، وأوقع خسائر فادحة في صفوف الأعداء.
وبلغ عدد قتلى الصهاينة في المعركة 29 عسكريا، أما الجرحى فكانوا
بالعشرات، معظمهم في المناطق الواقعة إلى الشرق من كفر سابا.
وكانت القوات الصهيونية المهاجمة أضعافا مضاعفة من القوات العربية.
واستقر غالبية المهجرين من كفر سابا في قلقيلية لقربها من بلدهم،
وبنوا فيها حيا أسموه حي كفر سابا تخليدا لاسم بلدهم، وأقاموا فيه ديوانا يجمعهم.
قسم آخر منهم موجود اليوم في مخيم بلاطة، ومخيم الفارعة، وعزون وذنابة، أما من
غادر إلى الأردن فاستقروا في مدينة عمان، حيث إن لهم فيها ديوانا، وفي صويلح والزرقاء
وعين الباشا وجرش وإربد.
وأقيمت مستعمرة كفار سابا اليهودية على بعد 2.5 كيلومتر من قرية كفر
سابا العربية في الموقع المسمى سبية أو سابيه حيث توجد آثار لقرية رومانية. وبعد
تهجير سكان كفر سابا العربية تمددت المستعمرة وأصبحت اليوم مدينة كبيرة يبلغ عدد
سكانها نحو مائة ألف نسمة.
واستخدم موقع القرية لبناء أحياء سكنية جديدة داخل منطقة صناعية باتت
جزءا من مستعمرة كفار سابا. وقد سلم بعض منازل القرية القديمة من التدمير، وتقع
اليوم داخل المستعمرة ويستعمل عدد من هذه المنازل لأغراض تجارية. وقد بقي المقامان
والمدرسة وحطام مقبرة القرية قائمة تشير إلى عراقة تاريخ هذه القرية المبادة
والمهجرة والتي محيت عن الخريطة.
المصادر:
ـ محمد بدر عبد الرحيم، الدكتور أمين أبو
بكر، "طولكرم وجوارها من عام 1864-1918 ".
ـ د. محمد عقل، قرية كفر سابا العربية
المهجرة، موقع عرب48، 1/5/2017.
ـ وليد الخالدي وآخرون، كي لا ننسى: قرى
فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 1948 وأسماء شهدائها، ترجمة حسني زينة، بيروت:
مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2001.
ـ د. مصطفى كبها، دفاتر النكبة، موقع عرب
48.
ـ كفار سابا ـ قضاء طولكرم ـ (قرية
مزالة)، موسوعة القرى الفلسطينية.
ـ كفر سابا، الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية.