تهفو النفوس لمن يبث الأمل في أنحائها خاصة في مثل هذه الأجواء المريرة
التي تلف الأمة كلها لا
مصر فحسب، ولكن أن تستمر مأساة مصر قلب الأمة لقرون، وتتصاعد
خلال نحو عشر سنوات مريرة من حيث كان من المتوقع أن تنفرج عقب محاولة الثورة في 25
يناير، فهذا هو الأكثر إيلاماً خاصة في أجواء من الآمال المزيفة، فإن إهدار الفرصة
وتعمد تفويتها -بحسن نية أو بدون- أدى للواقع الحالي المتأزم:
1- الرغبة في
التخلص من النظام العسكري الأسوأ على الأقل خلال القرون القليلة التي مرت بمصر،
رغم أن بعض العقود السابقة لم تكن حسنة لكنها كانت أقل سوءاً.. هذه الرغبة في
الخلاص لا ينبغي أن تصدر عن تعلق بأمور أقرب للأوهام، أو تعمد قراءة كل تفصيلة
كبيرة أو بالغة الصغر على أنها المفصلة الكبرى والحل النهائي للواقع المضني، فما
يمثل هذا سوى نوع متردٍ من الأوهام للأسف الأكثر مرارة، إذ سرعان ما تفيق نفوس المتأملين
على يأس أكبر، ونحن ندور في حيز مرير منذ بدايات تموز/ يوليو 2013م حتى اليوم؛ من
"شائعات" وحروب نفسية بدأت بموت الجنرال بيد أحد أتباعه، ووجود
"راقص" مشابه في الشكل يقوم بدوره، ومن قبل تمرد الجيش الثاني الميداني،
ورفض أمريكا المزعوم للانقلاب استناداً لادعاء ما نشرته "نيويورك تايمز"
.. وكلها والآلاف غيرها من المقولات والصفحات والمقالات ما تزال تتوافد في نفس
الاتجاه حتى اليوم.
الإصرار على انتهاج نفس النهج السابق وتأخر المراجعات الحقيقية التي تؤدي لتغيير إيجابي في صفوف المقاومين السلميين يجب أن يُنتبه إليه؛ فإنما يصب هذا الأمر في صالح الخصوم لا الأصدقاء أو المضارين من الوضع الحالي
2- ليس من علوم السياسة أو الاجتماعيات أو حتى التراكمات الإنسانية أن كل
ما تهواه الأنفس حتى لو كان صواباً خالصاً أو حقاً سائغاً؛ يجب أن يكون على أرض
الواقع، فليس من تلك العلوم أننا "يجب" أن ننتصر على أعدائنا لإننا
أصحاب شرعية أو ديمقراطية أو حق، فإن حقاً لا تحميه قوة أولى به أن يُراجع أصحابه
مواقفهم ويعيدوا ترتيب حساباتهم ليوم يستطيعون فيه حماية ذواتهم أولاً، أو يقوم
المجتمع بوعي مناسب بحمايتهم، أو بكل من الأمرين معاً!
3- عدم تعامل
القوى الوطنية مع الموقف بما يستحقه يساوي تفاقمه لا قرب انفراجه كما يظنون، فإن
ردد وقال أبرزها إن الله ناصرهم فإنما يفوتهم أنه تعالى لم يكن لينصر دون أخذ
بالأسباب؛ وإلا لنصر الأنبياء والمرسلين وعلى رأسهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
في كل المواقف.
4- الإصرار
على انتهاج نفس النهج السابق وتأخر المراجعات الحقيقية التي تؤدي لتغيير إيجابي في
صفوف المقاومين السلميين يجب أن يُنتبه إليه؛ فإنما يصب هذا الأمر في صالح الخصوم
لا الأصدقاء أو المضارين من الوضع الحالي، فإن كان في استمرار الأوضاع على ما هي
عليه راحة لطبقة معينة تنشط في مثل هذه الأجواء، فيجب أن يتذكروا عقاب الله لمن
يؤخر فرج دولة مركزية في الأمة، أيضاً مقولة الراحل مصطفى السباعي -رحمه الله -:
"إن أسوأ الناس الذين اغتنوا في محنة وقت أمتهم".
5- الإصرار
على المقولات التي تشبه الفروض المنطقية، وهي ليست كذلك، لا تُفسر وفق علم السياسة
ومقتضيات الشريعة وأفق التعامل البشري؛ فالعبارات من مثل: الشعب المصري مصرٌّ على
عودة الشرعية، والعشرية السوداء توشك على الانقضاء، يعطل نشرها انطلاق مسيرة
متوقفة أساساً للأسف؛ فليست هناك إحصاءات -على أي نحو- تقول بالمقولة الأولى خاصة
مع ما يعانيه غير الموالين للجنرال من المصريين إما من متاعب أو سوء حال اقتصادي.
هل تُعِدُّ القوى الخارجية والولايات المتحدة لتخفيف قبضة الجنرال على مصر؟ وهل سوء الأوضاع الاقتصادية الداخلية يؤذن بتغيير وشيك؛ بوادره وجود المرشح المحتمل الرئاسي أحمد طنطاوي و"تجاسره" على التواجد أمام مقار عدد قليل من "الشهر العقاري" تمهيداً لانفراجة مفترضة تجعله قادرا على جمع التوكيلات اللازمة للترشح، وبالتالي إيذاناً بتغيير يلف المشهد المصري؟
6- أما ترديد
مقولة أن الفترة (2013-2023م) تمثل "عشرية سوداء" مصرية فإنما هو قمة
ترديد لمقولات غير علمية في صورة تبدو منطقية، فما يحدث في مصر في هذه السنوات
الصعبة لا يقارن بعشرية الجزائر الشقيق السوداء بحال، أيضاً حدوثها بمصر أمر لا
نحبه أو نقرّه أو نتمناه لها ولأهلها الطيبين، وليس معنى أننا مضارون أن نتمنى
العنت أو المزيد منه للأبرياء، ويكفينا وجود الذين يعانون بقسوة من مرارة هذه
الفترة والذين نالوا من الأموال والمكانة ما لم يكونوا مؤهلين له أو حتى يحلموا به
معاً.
7- هل تُعِدُّ
القوى الخارجية والولايات المتحدة لتخفيف قبضة الجنرال على مصر؟ وهل سوء الأوضاع
الاقتصادية الداخلية يؤذن بتغيير وشيك؛ بوادره وجود المرشح المحتمل الرئاسي أحمد
طنطاوي و"تجاسره" على التواجد أمام مقار عدد قليل من "الشهر
العقاري" تمهيداً لانفراجة مفترضة تجعله قادرا على جمع التوكيلات اللازمة
للترشح، وبالتالي إيذاناً بتغيير يلف المشهد المصري؟ ذلك ما تسفر عنه الأسابيع
والأشهر المقبلة، وإن كنا لا نتفاءل خيراً للأسف الأشد من مرير، فلا أحوال
المقاومين السلميين في الداخل والخارج لا تشي بخير؛ ولا أحوال الجنرال وخاصته، فهم
لا ينوون تراجعاً يساوي الموت.
8- رحم الله
الراحل الشاعر أحمد مطر لما قال: "إنني أغني للأمل لما يكون وردة طالعة من
رحم الأرض، لكنني أخجل من إيهامكم بالورود المزيفة"، فقد ضعف طالبو الرحمة
لمصر وضعف مطلوبهم فما أفسده الجنرال في ظل غفلتهم كثير ويحتاج لقرون لإصلاحه.
أخلف الله الظنون!