ملفات وتقارير

حرب غزة.. تقييم إسرائيلي للمواقف الدولية والعربية والإقليمية

لا تواجه غزة تحالفا إسرائيليا دوليا فقط؛ وإنما للأسف الشديد هناك بعض الدول العربية تتبنى بصورة سافرة أو على استحياء الموقف الإسرائيلي ضد غزة.
لا تواجه غزة تحالفا إسرائيليا دوليا فقط؛ وإنما للأسف الشديد هناك بعض الدول العربية تتبنى بصورة سافرة أو على استحياء الموقف الإسرائيلي ضد غزة.
الحرب الدائرة الآن في غزة هي حرب تتشابك فيها المصالح والرؤى والأهداف بين طرفي الصراع والقوى الداعمة لكل منهما أو التي تتشابك مصالحها مع أي من الطرفين، سواء كانت هذه القوى دولية أو عربية أو إقليمية. ولذلك، فإن فهم المواقف والمصالح والقدرات لكل دولة لها صلة بالصراع من قريب أو بعيد، له أهمية كبيرة في قراءة الصراع وأبعاده الاستراتيجية واحتمالات تطوره. وقد نشر مركز ميفتيم على موقعه دراسة مهمة حول هذا الموضوع، أعدها مجموعة من الخبراء والباحثين البارزين بالمركز.

التعريف بالمعهد

ميفتيم: "المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية": مركز أبحاث مختص بتحسين السياسة الخارجية الإسرائيلية، وتعزيز الانتماء الإقليمي لإسرائيل في الشرق الأوسط وأوروبا والبحر الأبيض المتوسط، وتعزيز السلام الإسرائيلي الفلسطيني.

تقديم الملف

في صباح 7 أكتوبر، انهارت فكرة نتنياهو عن عدم ربط التطبيع مع الدول العربية مع حل القضية الفلسطينية. إذ أن غياب الحل يهدد الاستقرار الإقليمي والقدرة على تشكيل معسكر واسع تحت المظلة الأمريكية لتحقيق الاستقرار ومحاربة الإسلام السياسي المتطرف. ولهذا التصعيد نتائج سلبية خطيرة:

ـ يشكل تهديدا وجوديا محتملا للأردن.

ـ يقوي تضامن الشارع العربي مع القضية الفلسطينية، مما يمثل تحديا للقيادة في مصر والمغرب والإمارات والبحرين والدول الأخرى المهتمة بتعزيز التعاون مع إسرائيل كالسعودية.

ـ تدخل حزب الله في الصراع، وهو آخر ما يحتاجه لبنان من أجل تعافيه.

ـ عدم الاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط وما له من عواقب محتملة.

ـ يتشابك الصراع مع الصراع العالمي بين القوى الغربية والمحور الروسي الصيني الإيراني.

إذا كان لدى إسرائيل حكومة فاعلة، واختارت طريق حل الدولتين، ستكون هناك فرصة لتوحيد القوى تحت قيادة الولايات المتحدة مع أولئك الذين يعارضون الإسلام السياسي المتطرف الذي يعتبرونه عدوًا مشتركًا، وحشد القوى في القتال ضد حماس وحزب الله وإيران. وهذا يشمل أيضًا القيادة الفلسطينية التي تعترف بإسرائيل.

إن غياب القرار الإسرائيلي بشأن حل الدولتين يمثل فرصة استراتيجية ضائعة، ويشير إلى أن إسرائيل تنظر إلى حماس باعتبارها قوة، وتفضل التضحية بالكيبوتسات المحيطة بغزة من أجل المستوطنين بالضفة وازدهار المستوطنات فيها، ومواصلة الصلاة عند قبر  النبي يوسف.

الأبعاد الاستراتيجية للحرب الحالية

أثبتت الأحداث أن حماس وجدت في إيران وحزب الله فرصة استراتيجية لتوجيه ضربة لإسرائيل والاستيلاء على السلطة في الضفة مرة واحدة وإلى الأبد، وتوحيد الفلسطينيين تحت حكم إسلامي متطرف.

ليست الحملة على غزة صراعا محليا محصورا في منطقة جغرافية محدودة، إذ قد يتحول الصراع إلى حرب إقليمية تشارك فيها وفي تحمل عواقبها الولايات المتحدة وحلفاؤها. ويتزايد هذا الاحتمال لوقوع القتال العنيف قريبا جدًا من الحدود المصرية وليس بعيدًا عن الحدود السعودية والأردنية، وينعكس سلباً على كافة دول المنطقة.

الهدف النهائي لإستراتيجية الحرب الحالية هو إسقاط نظام حماس، ويجب تحقيقه بأي ثمن، كي يتم التعامل على حل القضية الفلسطينية، وتحديد من سيسيطر على قطاع غزة.

تقدم الحرب لإسرائيل فرصة تاريخية للانضمام إلى المعسكر العربي المعتدل ضد منافستها اللدود إيران، إلى جانب قطر وتركيا التي تستضيف كل منهما قادة حماس ويقدمون الدعم لها.

القوى الدولية

الموقف الأمريكي

انحازت الحكومة الأمريكية بشكل غير مسبوق إلى جانب إسرائيل، وأظهرت التزامها الثابت بأمن إسرائيل. وتبذل جهودًا كبيرة لمنع تصعيد الصراع إلى أزمة إقليمية أو عالمية. وتهدف هذه الجهود إلى:

ـ كبح محاولات الصين وروسيا استغلال الوضع لتعزيز نفوذهما في المنطقة.

ـ حماية استقرار حلفاء أمريكا في المنطقة، والاستقرار الداخلي في مصر والأردن والسعودية والإمارات والبحرين.

ـ حماية المواطنين الأمريكيين، وتسهيل إطلاق سراح الرهائن.

ـ ضمان التزام إسرائيل بالمنظور السياسي الدولي والإقليمي لحملة غزة.

ـ حث الدول العربية على المشاركة في الجهود المبذولة لاحتواء صراع عسكري، والانخراط في الجهود الدبلوماسية التي ستتبعه.

ـ منع انتشار العنف في الضفة الغربية.

ـ ممارسة النفوذ على تركيا وقطر ومصر لتكثيف الضغوط على حماس. 

ـ بناء وتعزيز الكيان الفلسطيني الذي سيتولى المسؤولية عن غزة في المستقبل.

الموقف الأوروبي

منذ بداية الحرب، وقفت الحكومات الأوروبية مع إسرائيل، وأعربت عن دعمها الكامل في سلسلة زيارات قام بها مسؤولوها إلى إسرائيل. وأرسلت بريطانيا بارجتين للانضمام إلى حاملتي الطائرات اللتين نشرتهما أمريكا. ولم تشهد أوروبا مثل هذا التضامن مع إسرائيل منذ عقود.

تنظر الدول الأوروبية إلى إسرائيل على أنها موقع أمامي للغرب في مواجهة التهديدات الإقليمية التي يواجهها من محور روسيا وإيران والصين. كما ترى أوروبا أن تخفيف منع تصعيد الصراع بين إسرائيل وحماس وحزب الله وإيران يساعد على وقف موجة أخرى من هجرة اللاجئين إلى أوروبا. لذا، يحافظ الأوربيون على إسرائيل كذخر بدلا من تحويلها إلى عبء، والتصعيد من شأنه أن يجهد قدرات الولايات المتحدة مما قد يصرف انتباهها عن أوكرانيا.

الدول العربية

الموقف المصري

تختبر الحرب الحالية قوة العلاقات الإسرائيلية المصرية مرة أخرى. بشكل عام، لدى النظام المصري مصلحة واضحة مع إسرائيل، وهي تدمير حماس والجهاد الإسلامي، وإعادة حكم السلطة الفلسطينية إلى غزة. ويدعم هذا الهدف عدد لا بأس به من الدول السنية في المنطقة، ولو بهدوء.

سحق نظام السيسي حركة الإخوان المسلمين التي خرجت منها حماس. ولم يتدخل في عملية الرصاص المصبوب عام 2014، لأن له مصلحة في القضاء على حماس. وقام أيضا بسد أنفاق غزة، وإن لم يكن ذلك بشكل محكم على ما يبدو. ومع ذلك، فإن الحرب الحالية تضع مصر أمام ثلاثة تحديات، بعضها لم تواجهه من قبل، وبالتأكيد ليس بهذه الشدة:

ـ التحدي الأول: الخوف من فرار سكان غزة وعددهم 2.2 مليون نسمة إلى سيناء عبر معبر رفح.

ـ ويتعلق التحدي الثاني بمكانة مصر ودورها التاريخي. إذ ترى نفسها وسيطا بين إسرائيل وحماس. وتواجه الآن احتمال تحول دور الوساطة إلى قطر وتركيا وربما دول الخليج الأخرى مما يوجه ضربة إضافية لصورة القيادة المصرية المتضائلة في العالم العربي.

ـ أما التحدي الثالث فيتعلق بضرورة تهدئة الرأي العام الداعم للفلسطينيين. ومن شأن تدهور الوضع الإنساني في غزة أن يولد ضغطاً شعبياً على النظام لاتخاذ خطوات ضد إسرائيل.

 ـ إن تدهور العلاقات الإسرائيلية المصرية يهدد العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية المعتدلة الأخرى، ويمكن أن يحد بشكل كبير من حرية إسرائيل في التصرف ضد حماس في غزة.

الموقف السعودي

يطمح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى وضع نفسه كزعيم دولة إقليمية تلعب دورا بناء على الساحة الدولية. لذا، فالأزمة الحالية هي فرصة لقيام السعودية بدور أكبر تجاه غزة وحماس.

يوجد بين السعودية وإسرائيل العديد من المصالح المشتركة، وعلى رأسها الصراع ضد الإسلام الراديكالي الذي تنشره جماعة الإخوان المسلمين. ويتوافق هذا النضال مع رغبة المملكة في تعزيز صورتها كدولة صديقة للسياحة والاستثمار والأعمال. ولم تشارك المملكة من قبل في جهود الوساطة السابقة بين إسرائيل وحماس، ولم تتخذ أي قرار أو دور كبير في الجهود المبذولة للقضاء على حماس.

إن اعتماد روح مبادرة السلام السعودية 2002 لتجديد المفاوضات برعاية أمريكية وسعودية من شأنه أن يخدم الأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي في إبعاد السعودية عن المحور الصيني الروسي الإيراني.

إن التطبيع مع السعودية وتجنيدها في النضال المشترك ضد الإسلام الراديكالي سوف يتضاءل مع تجنب إسرائيل تعزيز حل الدولتين. ومن شأن ذلك إلحاق أضرار جسيمة بشرعية إسرائيل الدولية، والحد من قدرتها على محاربة حماس، وتفويت فرصة تاريخية لتشكيل معسكر إقليمي مشترك ضد إيران ووكلائها.

الموقف الخليجي

الرأي العام في الخليج داعم بقوة للقضية الفلسطينية. وتربط المشاعر السائدة بين تصاعد الغضب الفلسطيني واستفزازات الوزراء والمستوطنين في الأقصى والضفة الغربية. وهذا يعني أنهم يعتبرون هجوم 7 أكتوبر رد فعل على هذه الاستفزازات. وعلى مستوى القيادة، تعارض الإمارات والبحرين بشدة حماس. أما قطر فهي الداعم الرئيسي لها. ويعكس الصراع في غزة صراعا أوسع نطاقا تقوده الإمارات والبحرين على مدى العقد الماضي لمكافحة الإرهاب والتطرف والدعوة إلى إزالة الإخوان المسلمين بما في ذلك حماس.

الموقف المغربي

يتسم الموقف الرسمي للمغرب بالحياد والحذر. وأصدرت وزارة الخارجية بيانا يوم 7 أكتوبر، أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء تدهور الوضع واندلاع القتال، وأدان الأضرار التي لحقت بالمدنيين، ودعا إلى الوقف الفوري للعنف، وشدد على دعم الحوار والمفاوضات للوصول إلى حل دائم للقضية الفلسطينية.

ونظرا للبعد الديني للصراع، ودور المغرب كرئيس للجنة القدس، ومكانة الملك محمد السادس كأمير المؤمنين: زعيم المؤمنين من مختلف الأديان – مسلمين ومسيحيين ويهود -، فإن الصراع الحالي بمثابة اختبار حقيقي للصداقة الوثيقة التي تطورت مع إسرائيل منذ العلاقات الرسمية، ويحمل الدعم المغربي قيمة رمزية للجمهور الإسرائيلي، وخاصة الإسرائيليين من أصل مغربي والجالية اليهودية بالمغرب.

ينظر العديد من المغاربة إلى الحرب على أنها جزء من الصراع الأوسع ضد الإسلام والمسجد الأقصى والقدس. وقد جرت مظاهرات عديدة في جميع أنحاء المغرب منذ بداية الصراع شارك فيها مئات الألوف.

القوى الإقليمية

الموقف الإيراني

تقود إيران سياسة "توحيد الساحات" في غزة والضفة الغربية وحزب الله في لبنان وسوريا، مع إمكانية تعبئة الحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق. وليس واضحا ما إذا كانت إيران متورطة في التخطيط لهجوم 7 أكتوبر. لكن في الوقت الراهن، ليس من مصلحة إيران تصعيد الحرب وتحويلها إلى صراع إقليمي، إذ قد يؤدي إلى تعريض حزب الله وحماس للخطر، وتهديد المصالح الإيرانية في المفاوضات مع أمريكا حول تخصيب اليورانيوم، وتعريض تقاربها الأخير مع دول الخليج للخطر.

من المتوقع أن تشارك إيران في الحرب الحالية عبر حزب الله والميليشيات التابعة لها في سوريا والعراق عند حدوث أحد السيناريوهين:

ـ عملية برية إسرائيلية واسعة النطاق تهدد بقاء نظام حماس. وفي هذه الحالة يمكن لإيران استغلال الغضب الشعبي في العالم العربي لتصوير نفسها كمدافع عن المصالح الفلسطينية.

ـ تصعيد غير مقصود يؤدي إلى تكثيف الردود الإسرائيلية وخلق ديناميكية متصاعدة من الإجراءات والإجراءات المضادة التي تبلغ ذروتها في حرب شاملة.

ولذلك، يتعين على إسرائيل أن تضع إيران في معضلة مزدوجة: سياسية وعسكرية، من خلال الآليات التالية:

ـ أن تدرك إيران العواقب المدمرة للتصعيد على مستقبل حزب الله ونظام الأسد.

ـ تشكيل أوسع تحالف ممكن من القوى الغربية لردع إيران ومنعها من التصعيد.

ـ منع الشركاء الإقليميين من التقرب من المحور الإيراني.      

الموقف التركي

أحداث غزة لها تأثير كبير على العلاقات بين تركيا وإسرائيل. ولم تستطع تركيا في الجولات السابقة أن تساعد في وقف إطلاق النار لعلاقتها الوثيقة مع حماس، مما جعلها في نظر إسرائيل غير مؤهلة للقيام بدور في الوساطة. وأدت أزمة العلاقات التركية المصرية إلى حرمان أنقرة من القيام بدور في نظر القاهرة.       

الآن، تركيا في وضع مختلف، فاستعادت العلاقات مع إسرائيل، وتم حل التوترات مع مصر. لذا، أصبحت الظروف مهيأة لتركيا للقيام بدور في الحرب الحالية. وقد أعربت تركيا عن رغبتها في المساعدة في حل أزمة الرهائن. ولكن مع اشتداد الهجوم على غزة واتساع حجم الأضرار، يتبنى أردوغان لهجة قاسية ضد إسرائيل. وقد يؤدي ذلك إلى أزمة أخرى في العلاقات؛ إلا أنه من مصلحة الدولتين احتواء الأزمة، ومساهمة تركيا في حل حقيقي للقضية الفلسطينية. وتشير الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية التركي إلى القاهرة إلى محاولة مصر وتركيا تنسيق التحركات. لذا، ينبغي أن يتضمن التخطيط لليوم التالي للحرب حوارا ثلاثيا بين مصر وتركيا وإسرائيل للتعاون والاستقرار، وهذا يعتمد على الخيارات التي سيتخذها أردوغان.

موقف اليونان وقبرص

وقفت اليونان وقبرص إلى جانب إسرائيل، وأضاء البرلمان اليوناني نفسه بالعلم الإسرائيلي. ويشكل التحالف الإسرائيلي اليوناني القبرصي تهديدا مهما لأنقرة. لكن في الوقت نفسه، تسعى أثينا إلى تعزيز التقارب مع أنقرة، وتراقب قبرص الوضع، ويشكل تفاقم الأزمة، وتحولها إلى حرب إقليمية مصدر قلق كبير لهما سواء موجات الهجرة والتداعيات الاستراتيجية والاقتصادية الكبيرة.

التعليق

من خلال هذا التقرير المهم، نقرأ مجموعة من الحقائق تتعلق بحقيقة الصراع ومآلاته، نوجزها فيما يلي:

ـ لا تواجه غزة تحالفا إسرائيليا دوليا فقط؛ وإنما للأسف الشديد هناك بعض الدول العربية تتبنى بصورة سافرة أو على استحياء الموقف الإسرائيلي ضد غزة.

ـ إسرائيل كيان هش، فقد هزت المقاومة أركانها، واستطاعت تغيير الكثير من معادلات الصراع.

ـ ما يحدث في غزة لا يبقى فيها، بل يمتد كموجات التسونامي إقليميا ودوليا.

ـ هناك خصام نكد بين الأنظمة العربية وشعوبها، وتناقض صارخ في المواقف بين الطرفين.

ـ الحل السلمي وهم وسراب تتخذ من خلاله السلطة تبريرا لانهزاميتها وتقصيرها.

ـ المقاومة بكافة أشكالها هي السبيل لفرض الإرادة العربية على العدو.
التعليقات (0)