في عالم التسلط والتجبر والبلطجة، يغدو المقاومون لهذا
كله أيقونات ورموزاً، ليس في عصرهم فحسب، وإنما لعصور قادمة، مما يعني إضافتهم
رصيداً وذخيرة للتاريخ المقاوم للهيمنة، والتجبر والوحشية. هذا ما حدثنا عنه
التاريخ، وهذا ما نعيشه حين نستشهد بأولئك المقاومين على مدى التاريخ، الذين
يشحنون أصحاب الهمم العالية في الصمود والتصدي، والصبر والمصابرة، وعدم التخلي عن
المبادئ والقيم، مهما استشرس العدو. فلا زلنا نستذكر الصحابة رضوان الله عليهم،
الذين دكّوا عروش أعظم إمبراطوريتين في التاريخ فارس والروم، وهم لا يملكون شيئاً
مما حازته تلك الإمبراطوريات من إمكانيات وقدرات، لكنها العقيدة والاستمساك
بالمبادئ والقيم التي جعلتهم يتفوقون بها على عدوهم، وهو ما حصل مع مقاومين آخرين على
مدى التاريخ وإن كان بدرجات متفاوتة بكل تأكيد.
اليوم يتكرر هذا الصمود للمقاومة
الفلسطينية مع عجز
الكيان الصهيوني على هزيمة المقاومين في وسطه، والذين تربوا في سجنه. فاليوم تصنع
المقاومة في
غزة بصمودها وثباتها، أيقونات حقيقية ليس لها فحسب، وإنما للمسلمين
والإنسانية والتاريخ، تصنع أيقونات يضافون إلى أيقونات تاريخية في مقاومة البغي
والتسلط والهمجية والاحتلال، أيقونات تثبت كل لحظة قدرتها على التفوق الأخلاقي
والقيمي، وحتى العسكري والأمني على عدوها، وتثبت معه من جديد أن سقف الذكاء ليس ما
يقرره ويمارسه
الاحتلال، وسقف السلاح النوعي ليس سقفاً لهزيمة المقاومين، فلدى
المقاومة سقوفها الخاصة في مواجهة الغزاة والمعتدين.
خروج الملايين من المتظاهرين في الغرب تنديداً بجرائم
الكيان الصهيوني ودعماً لأهلنا في غزة يؤكد أن العالم كله، غربيه قبل شرقيه، قد
طفح به الكيل في التغطية والتستر على جرائم الاحتلال الصهيوني المستمرة لعقود،
ويثبت هذا الخروج من جديد تعطش العالم كله إلى أيقونات تقاوم هذا الاحتلال، وتقف
في وجهه وقد كان ذلك، فنحن نسمع عن تحول رموز المقاومة
الفلسطينية لأيقونات من أمثال تشي جيفارا.
خروج الملايين من المتظاهرين في الغرب تنديداً بجرائم الكيان الصهيوني ودعماً لأهلنا في غزة يؤكد أن العالم كله، غربيه قبل شرقيه، قد طفح به الكيل في التغطية والتستر على جرائم الاحتلال الصهيوني المستمرة لعقود
خسر الكيان الصهيوني الكثير من مغامراته، وخسرت معه
القوى الغربية التي راهنت على انتصاره في عدوانه الكثير، وظن هذا الكيان ومن وراءه
أن فلسطين اليوم هي نفسها عام 1973 أو 1967 أو 1948، وظن الاحتلال أن آباءه
المؤسسين لهذا الكيان المجرم هم أنفسهم قادة الاحتلال الصهيوني اليوم، لكن الفرق
كبير وشاسع، والهوة كبيرة بين الزمنين، فلم تعد فلسطين وشبابها هم أنفسهم، بعد أن
اعتمدوا على أنفسهم، ثم على الله، ومعهم دعم أمتهم المسلمة، في هزيمة هذا الكيان
الصهيوني، على الرغم من تواطؤ الجيوش العربية على القضية الفلسطينية.
هذه الرمزيات الفلسطينية التي صنعها صمود غزة ألقت
بتداعياتها المباشرة حتى على صنّاع السياسة في العالم العربي من خلال فرْملة
التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ والذي وصل تطبيعه إلى العظم بزيارات قادة هذا الكيان
إلى السعودية، ليتراجع اليوم السيد عبد الإله بنكيران، رئيس حزب العدالة والتنمية
ورئيس الحكومة المغربية سابقاً، عن خطأ حزبه في دعم التطبيع، وهو الأمر الذي سيعني
تجمد عملية التطبيع لدى متحمسي الليكود العربي ربما لسنوات، ليس لعدم قناعتهم بها،
وإنما لأن الظروف التي صنعتها غزة والمقاومة ستفرض على هؤلاء المطبعين وداعمي
التطبيع الفرملة، فتسونامي غزة سيلقي بتداعياته على الثورات العربية وربيعها، وهو
ما يستلزم تراجع مشروع الثورات المضادة.