هناك
دولة تملك ترسانة نووية وتملك عتادا يعد عالميا آخر صرعة في القتل والتدمير؛ منذ
49 يوما تخوض حربا ضروسا في قطاع ضيّق لا يكاد يسع ساكنيه، وتستهدف فيما تستهدف "المفاعلات
النووية" ومصانع "أسلحة الدمار الشامل" التي يمتلكها هذا القطاع.
والخلل الكبير في هذه الحرب الضروس، هو في حرب المصطلحات، حيث يطلق الناس في هذا
القطاع على هذه المفاعلات النووية مصطلحا غريبا: المستشفى، ويطلقون على عناصر
التخصيب للمواد المشعّة: الجرحى والمرضى، وكذلك يطلقون على الطاقة النووية مصطلح
الشهداء، ويقولون؛ إن لدماء هؤلاء الشهداء إشعاعا حضاريا وقوّة خارقة تصنع لهم
المستقبل الزاهر، وتضيء هذه الطاقة المخصّبة إضاءة خارقة تسع حاضرهم ومستقبلهم
القريب والبعيد إلى يوم الدين.
لذلك، كان لهذه الدولة القويّة العتيدة أن تأتي بقضّها وقضيضها وبكل ما تملك من أسلحة
دمار شامل، وكان عليها أن تقصف محيط هذه المفاعلات النووية جوّا وبرّا وبحرا، وأن تُسقط
عليها ما يزيد عن ثلاث قنابل نووية لتحقّق هذا الهدف العظيم، وهو بسط السيطرة
الكاملة على هذه المفاعلات النووية، وأن تضع حدّا لهذا التخصيب العظيم كي تحمي
نفسها من الخطر القادم والماحق لوجودها. فقد كان عليها أن تبادر بكلّ ما تملك من
إمكانيّات القوة والجبروت لتوقف هذا الفعل الشنيع، كان عليها أن تضرب بقوّة غرف
العمليات العاملة ليل نهار على ضخّ الحياة لهذه العناصر الفتّاكة، قبل أن تدركها
الوفاة المُخصّبة لحركة التاريخ، وهذه من شأنها أن ترتدّ عليهم بكلّ قوّة لتنهي
كلّ تاريخ مزيّف يحاول المساس بها أو الاقتراب منها.
في
غرف العمليات هذه، يجري تخصيب العناصر المشعّة الخطرة، التي يطلقون عليها حسب
مصطلحاتهم: الإنسان المقاوم أو الفلسطيني الحرّ أو القوم الجبّارين. هنا لا تعنينا
مصطلحاتهم كثيرا على قدر ما يعنينا جوهر هذه العناصر، حيث إنها مشّعة مشحونة
بالطاقة النووية العالية، التي من شأنها لو ترك لها العنان، أن تدمّر دولة الحرب
والعدوان، فالحلّ الوحيد لا يكون إلا في القصف المُدمّر قبل فوات الأوان، وقبل أن
تتمّ عملية التخصيب بالكمال والتمام.
وللوصول
إلى هذه المفاعلات، كان لا بدّ من الاشتباك مع حُماتها، فقامت الطائرات المقاتلة
الساحقة الماحقة بقصف جويّ؛ ليمهّد الطريق للدبّابات المجنزرة والجرافات الكاسحة
لكلّ شيء يقف أمامها من حجر وشجر وبنيان، ولمّا ترصّدتها أسود بشرية وأوقعت فيها
من الخسائر في الأرواح والمعدّات ما لا يطاق؛ أخذت تبحث عن أهداف سهلة، غضّ لحمها
طريّ عظمها، فلم تجد لها هدفا سوى الأطفال والنساء.
هربت
من مواجهة الأسود وصبّت جام حقدها، فألقت بأحمالها المتفجّرة على شكل صواريخ مزلزلة
على البيوت الوادعة الآمنة، وجدت ضالّتها في المزيد من سفك الدماء المسالمة، أعملت
نارها وحديدها في أجساد الأطفال البريئة، لتمهّد طريقها نحو المفاعلات النووية
الصامدة، قصفت بروح متوحّشة ووصلت مشارف هذه "المفاعلات"، حاصرتها
وأعملت الذبح والقتل والحرق فيها، دخلتها محتلّة كاسرة لتجد كوارث ما ارتكبت أيدي
إجرامها، دخلت مفاعلا نوويا يسمونه أصحابه بمصطلحاتهم مستشفى مجمّع الشفاء، كان
مجمّعا لعدة مفاعلات، إحداها يعالج من السرطان ويعمل على معالجة مصادر الطاقة
النووية من أية أعطاب وأضرار، لتعود إلى عافيتها ولتقوم بدورها خير قيام دون أوجاع
أو سرطانات، فكان لا بدّ من المزيد من القصف والقتل وضربهم بكلّ موبقات
الاحتلال،
وقد تمّ بالفعل السيطرة على هذا المفاعل، لتتمّ بعد ذلك السيطرة على مرافقه وفروعه
كافّة.
لقد
سجل هذا الجيش الهمام نصرا عظيما في السيطرة على المفاعلات النووية التي يسمّونها
مستشفيات (ظلما وزورا) في قطاع
غزة، بعد فشله الذّريع في السيطرة على مراكز تخصيب
الرجولة والفداء، وكان هذا النصر العظيم أيضا بعد أن تمكّن من سحق قرابة الأربعة
عشر ألفا من المدنيّين بغالبية كبيرة من الأطفال والنساء. هذا العدوّ المتغطرس
الجبان، يحتاج إلى سنة ضوئية ليلحق ركب بني الإنسان، وليكون قادرا على التمييز بين
المصطلحات وما بين المفاعلات النووية والمستشفيات.