نشرت مجلة "
فورين بوليسي" الأمريكية مادة تحدّثت فيها حول الموقف الذي يعيشه الأردن بسبب الحرب الإسرائيلية الوحشية على
غزة وتصاعد الانتهاكات في الضفة الغربية المحتلة.
ووصفت المجلّة في المادة التي ترجمتها "عربي 21" مأزق الأردن الرسمي بالقول "النظام على حبل مشدود، وسيكون من الصعب الهبوط بسلام"
بين متناقضات
ويقع الأردن الرسمي بين عدد من المتناقضات، فبالوقت الذي يخشى من موجة لجوء جديدة من الضفة الغربية وحل للقضية الفلسطينية على حساب الأمن القومي الأردني،فإنه حليف رئيسي للولايات المتحدة، وهو ثاني أكبر متلق للمساعدات الأمريكية بعد إسرائيل، حيث يتلقى 1.45 مليار دولار سنوياً.
ويفتح اعتماد المملكة الهاشمية على واشنطن بهذا الشكل تحديات داخلية متصاعدة، وتفتح أسئلة محرجة حول ما يفعله الأردن كنظام ملكي موالي للغرب في مثل هكذا ظرف .
خاصة مع خطاب قومي شعبي متماسك في الأردن حاليا إزاء ما يحدث في غزة قادر على التغلب على "الانقسام" الذي يلعب عليه النظام عادة، ووفقاً لذلك، تقول المجلة إن استمرار السلطات في العمل دون أخذ الرأي العام في الاعتبار "قد يشكل خطرا على النظام الحالي".
وتعبر جيليان شويدلر، عالمة السياسة في كلية هانتر بجامعة مدينة نيويورك في حديثها للمجلة عن التحرك الأردني بالقول "سوف يعبرون عن غضبهم لكنهم لن يعرضوا العلاقة للخطر".
فيما يقول المحلل السياسي حسن أبو هنية لـ "عربي 21" أن الموقف الأردني ينتظر ما ستؤول له الأمور في غزة وهو يعيش مخاوف حقيقية بعد تصاعد خطاب التهجير وإلغاء حل الدولتين .
ويضيف : "إذا تحقق الطموحات الأمركية والإسرائيلية في تفكيك حماس وهذا السيناريو غير المرجح فإنه ستعود العلاقات
الاردنية وتتعمّق أما صمود المقاومة وهو المرجح فهذا سيدفع الأردن الرسمي لإعادة حساباته" مشيراً بالقول " من جهة لا يمكن الاستهانة بالتصريحات الأردنية ومن جهة أخرى لا نستطيع أن نركن لخطابات لا تتحول لأفعال
خوف من التهجير
ومع نزوح 1.7 مليون فلسطيني – أكثر من نصف سكان غزة – داخل القطاع المحاصر، وتصاعد هجمات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، تتزايد المخاوف من موجة أخرى من اللاجئين نحو الأردن.
وأمام ذلك قال العاهل الأردني عبدالله الثاني إن طرد الفلسطينيين سيكون "خطا أحمر".
وحذر رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة من أن النزوح سيكون بمثابة "إعلان حرب"، وأعلن أن الجيش الأردني يعزز وجوده على طول حدوده.
ضغوطات شعبية
وما زاد من الضغط على النظام الأردني، -بحسب المجلة- ، هو الموقف الشعبي القوي الذي تجلى في تظاهرات أسبوعية وشبه يومية منددة بالعلاقات الأردنية مع الاحتلال ومطالبة بقطعها وقد حاول المتظاهرون اقتحام سفارة الاحتلال واقتربوا من سفارات أوروبية والولايات المتحدة، لكن السلطات قمعتهم ونفذت حملات اعتقالات.
ووفقاً للمجلة فإن استمرار التظاهرات لأكثر من شهر أجبر النظام على اتخاذ قرار قوي لتهدئة الغضب الشعبي، مثل سحب سفير البلاد من تل أبيب والطلب من سفير الاحتلال عدم العودة لعمان كما ألغى الملك عبدالله لقاء مع الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد قصف المستشفى الأهلي المعمداني في غزة.
وبعد يوم من غارة جوية إسرائيلية أدت إلى إصابة سبعة موظفين في مستشفى ميداني أردني في غزة يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن الصفدي أن الأردن لن يوقع صفقة لتوفير الطاقة الشمسية للاحتلال مقابل المياه المحلاة.
وضغط المتظاهرون الأردنيون على حكومتهم لإلغاء صفقة المياه مقابل الطاقة منذ الإعلان عنها في عام 2021. وقد حثت حملة شعبية تسمى "مش دافع" الأردنيين على مقاطعة فواتير الكهرباء والماء احتجاجًا على الصفقات مع إسرائيل، بما في ذلك اتفاق عام 2016 الذي وافقت بموجبه الحكومة الأردنية - بعيداً عن التدقيق البرلماني أو العام - على دفع 10 مليارات دولارللاحتلال مقابل إمدادات الغاز على مدى 15 عاماً.
ولكن مع قيام "إسرائيل" بقطع المياه والوقود والكهرباء عن غزة، زاد قلق العديد من الأردنيين بشأن مخاطر منح الاحتلال السيطرة على قطاع رئيسي. وظهر المثل العربي "الدم ما بصير ماء" - على غرار عبارة "الدم أكثر سمكا من الماء" باللغة الإنجليزية - على اللافتات والملصقات في جميع أنحاء عمان للتنديد بالصفقة باعتبارها خيانة للقضية الفلسطينية.
العلاقات
وتقول المجلة إن الأردن أقام علاقات مع دولة الاحتلال بعد اتفاق وادي عربة في عام 1994.
ومنذ ذلك الحين، وقع البلدان على العديد من اتفاقيات التعاون التجاري والاقتصادي، بما في ذلك صفقة عام 2016 التي تقضي بأن يستورد الأردن الغاز من الاحتلال.
وكانت العلاقات متوترة دائما، لكنها ساءت في السنوات الأخيرة وسط استمرار "إسرائيل" في انتهاك حقوق الفلسطينيين واقتحام المسجد الأقصى في القدس، والذي يديره الأردن.
ولا تحظى علاقة النظام الملكي بإسرائيل بشعبية كبيرة بين الأردنيين، حيث يشعر الكثير منهم أن الشراكة تخدم النخبة الأردنية في المقام الأول.
ويرى العديد من الأردنيين أن التطبيع مع إسرائيل وسياسة النظام الملكي المتحالفة مع الولايات المتحدة مرتبطان بالإصلاحات الاقتصادية النيوليبرالية وسياسات التقشف التي أضعفت الحماية الاجتماعية.
التواجد الأمريكي في الأردن
وبينما ترسل واشنطن سفنا حربية وطائرات مقاتلة إلى الشرق الأوسط لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة، يطالب العديد من المتظاهرين بإنهاء التعاون العسكري الأردني مع الولايات المتحدة التي يعتبرونها شريكة .
وفي عام 2021، سمحت اتفاقية الدفاع الأمريكية الأردنية للقوات والطائرات والمركبات الأمريكية بالدخول المجاني إلى الأراضي الأردنية، ومنحت ما يقدر بنحو 3000 جندي أمريكي متمركزين في قواعد في البلاد حصانة من المحاكم الأردنية.
وترى جيليان شويدلر، عالمة السياسة في كلية هانتر بجامعة مدينة نيويورك في حديثها للمجلة، أن اعتماد الملكية الأردنية على الأموال الأمريكية يعني أنه من غير المرجح أن تخاطر بالعلاقات الثنائية حيث سيعبروا عن غضبهم دون تعريض العلاقات للخطر
وتقول المجلة في ختام المادة بأن هناك خطاب قومي شعبي متماسك في الأردن حاليا إزاء ما يحدث في غزة قادر على التغلب على الانقسام الطائفي الذي يلعب عليه النظام عادة، ووفقا لذلك، فإن استمرار السلطات في العمل دون أخذ الرأي العام في الاعتبار "قد يشكل خطرا على النظام الحالي".