مع نشوب حرب
السابع من تشرين الأول/ أكتوبر توقع
البعض عدم مساندة الدول
العربية لحركة المقاومة في
غزة، مثلما حدث خلال الحروب
السابقة التي خاضتها غزة ضد الكيان الصهيوني منذ عام 2006 وحتى 2021، والتي تكررت
كل عامين على الأرجح، لكن آخرين انخدعوا بما تردده وسائل الدول العربية عن التعاطف
مع سكان غزة، وجاءت القمة العربية الإسلامية لتؤكد صحة البرهان على خذلان تلك
الدول لسكان غزة؛ بداية من تأخر انعقادها إلى ما بعد 35 يوما من الحرب، مما رسخ الاعتقاد
بأن تأجيل انعقادها كان بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية والدول الغربية، لإتاحة
الفرصة للحكومة الإسرائيلية لتحقيق هدفها بالقضاء على المقاومة. وها هي أكثر من
عشرين يوما قد انقضت بعد صدور قرارات القمة ولم يتحقق منها شيء، حيث توقف مسعى
اللجنة التي تم تشكيلها للسعي لوقف إطلاق النار، ولم يتم فتح معبر رفح كما قررت
القمة.
وليت الأمر يقتصر
على التخاذل في نصرة غزة والتخفيف من معاناتها وحصارها، بل إننا نؤكد استمرار دور
عدد من تلك الدول في التنسيق مع إسرائيل والدول الغربية للقضاء على المقاومة، وحصار
سكان غزة وتنفيذ مخططاتها لتهجير سكانها، كما يسعى الكونجرس الأمريكي إلى الضغط على مصر وتركيا والعراق واليمن، من خلال ربط
المساعدات الأمريكية لتلك الدول بمخطط التهجير.
ليت الأمر يقتصر على التخاذل في نصرة غزة والتخفيف من معاناتها وحصارها، بل إننا نؤكد استمرار دور عدد من تلك الدول في التنسيق مع إسرائيل والدول الغربية للقضاء على المقاومة، وحصار سكان غزة وتنفيذ مخططاتها لتهجير سكانها
وها هي الأحداث تكشف عن سعي السعودية لدى إيران
للكف عن مساندة المقاومة مقابل استثمارات تقوم بها هناك، إضافة إلى استمرار مصر في
حصار غزة، واستقبال الإمارات للرئيس الإسرائيلى رغم استمرار القصف الإجرامي على
أطفال ونساء غزة، واكتفاء دول عديدة بالمساندة الكلامية سواء من جانب إندونسيا أو
ماليزيا أو باكستان أو تركيا أو إيران، رغم أن الهدف الرئيس لحرب غزة هو استمرار
إضعاف الدول الإسلامية لتواصل دورها كدول خانعة تابعة مستوردة، وليس فقط القضاء
على حماس كما يدعون.
كيانات شعبية بديلة للحكومية
ومن هنا يبقى
الرهان على
الشعوب الإسلامية والعودة إلى مفهوم الأمة الإسلامية العابر للدول
القومية، سواء لمناصرة غزة أو لغيرها؛ بداية من الأقلية المضطهدة في الصين أو في ميانمار
أو غيرهما، وهو ما يتطلب الحاجة لإيجاد كيانات معبرة عن الشعوب بديلا عن الكيانات
المعبرة عن الحكومات، مثل جامعة الدول العربية أو ما يسمى بالبرلمان العربي أو
منظمة التعاون الإسلامي وغيرها من التنظيمات الواقعة تحت هيمنة الحكومات.
لتكن هناك كيانات
شعبية في مجالات حقوق الإنسان والإعلام والمساعدات الإنسانية وغير ذلك، سواء
بتقوية الكيانات القائمة أو دمجها أو إيجاد كيانات جديدة حيثما يرى المتخصصون في
المجالات المختلفة، المهم أن يرى الشخص المسلم في أنحاء العالم الإسلامي أن هناك
كيانات تمثل طموحاته وأوجاعه، والتي ستكسب الخبرة والمكانة والتأثير مع الوقت، والتي
ستجد معوقات من حيث التمويل والكوادر المؤهلة ومحاولات الاختراق، ومكان تأسيسها في
ظل التضييق الغربي على كل ما هو إسلامي، وصعوبة تأسيسها في أي بلد عربي أو إسلامي في
ظل التضييق على الحريات وحسابات المصالح لقيادات تلك الدول.
ولتكن قضية غزة
بداية للحركة الشعبية ببلدان العالم الإسلامي، والتواصل مع العناصر المناصرة
للحقوق
الفلسطينية في بلدان الغرب، وعدم الانخداع بما تروجه البلدان الغربية من
دعوات لحقوق الإنسان والمرأة وغيرها مما ثبت أنه مقصور على مواطنيها فقط، وفي ظل ازدواجية
المعايير التي ظهرت بالمقارنة بين موقف الغرب من الغزو الروسي لأوكرانيا، وحرب
الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على سكان فلسطين سواء في غزة أو بالضفة
الغربية، رغم ضخامة عدد الضحايا.
لتكن قضية غزة بداية للحركة الشعبية ببلدان العالم الإسلامي، والتواصل مع العناصر المناصرة للحقوق الفلسطينية في بلدان الغرب، وعدم الانخداع بما تروجه البلدان الغربية من دعوات لحقوق الإنسان والمرأة وغيرها مما ثبت أنه مقصور على مواطنيها فقط، وفي ظل ازدواجية المعايير التي ظهرت بالمقارنة بين موقف الغرب من الغزو الروسي لأوكرانيا، وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على سكان فلسطين سواء في غزة أو بالضفة الغربية، رغم ضخامة عدد الضحايا
الثقة بالقدرات الذاتية والأمل
كما لا يجب
التعويل على مواقف كل من الصين أو روسيا، فكل منهما مصالحهما الخاصة، بل إن
العداوة للإسلام تجمعهما مع الدول الغربية، كما أنهما استفادتا من حرب غزة في
تخفيف التركيز الغربي على حرب روسيا في أوكرانيا، أو في صور العداء الأمريكية
المختلفة تجاه الصين.
ومن القضايا
المطروحة للاهتمام بها شعبيا قضية التصدي للحرب النفسية التي تشنها إسرائيل والدول
الغربية بقضية فلسطين، والأخبار الكاذبة وأخبار الخسائر المادية وأنواع الأسلحة
الفتاكة التي تمد بها دول الغرب إسرائيل، وهو ما من شأنه العودة بالمسلمين إلى كتاب
الله كمرجع لمواجهة المشاكل وتهدئة النفوس واستعادة اليقين. ومن ذلك قوله تعالى:
"كتب عليكم القتال وهو كُره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن
تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون"، وقوله تعالى: "الذين
قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله
ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء".
وكذلك بث الثقة والأمل من خلال ما قامت به
المقاومة في فلسطين من صمود لأكثر من خمسين يوما، رغم القصف الجوي والبحري والبري
المستمر والحصار الممتد لأكثر من 17 عاما متصلة، ورغم التفاوت الهائل في المعدات
الحربية، وعدم وجود نظام دفاعي ضد الطائرات، وتناول تاريخ نضال الشعوب للتحرير في
فيتنام والجزائر وجنوب أفريقيا والهند وغيرها، والثمن الذي دفعته من آلاف الأرواح
والمصابين، وعرض الأفكار المبتكرة لكيفية مساعدة سكان غزة على الصمود، وطرق إدخال
السلع إليها رغم الحصار.
كذلك الاهتمام
بقضية مقاطعة سلع والخدمات الدول المساندة للعدوان على فلسطين، ليس فقط للإضرار
بمبيعات شركات تلك الدول، وإنما أيضا للتدريب على جهاد النفس واتخاذ مواقف موحدة
عابرة للحدود الوطنية، وكذلك تشجيع المنتجات المحلية لتوفير فرص العمل وتقليل
البطالة، وزيادة الروابط التجارية بين الدول الإسلامية كبديل لمنتجات الدول
الغربية، وهو ما من شأنه زيادة التعارف بين الشعوب الإسلامية كأفراد وشركات ومراكز
بحثية وتجارب نجاح تنمية، وزيادة حركة السياحة فيما بينهما.
تجارب تنموية تواجه جذور المشكلات
لتكن قضية فلسطين ضوءا كاشفا لتعرية واقعنا المتردي، وبدء العمل للأخذ بسبل علاجه بالمجالات المختلفة، وبحلول تراعي الأوضاع المحلية وتتجه لجذور المشاكل وليس إلى أعراضها كما تفعل برامج صندوق النقد الدولي، وتؤكد على قضايا الحريات لإطلاق طاقات الشعوب، مع الإدراك بأن تراكم المشكلات عبر سنوات طويلة يعني حاجة الحلول إلى فترات طويلة أيضا
أيضا قضية الوعي بالانعكاسات
السلبية للسير في فلك الدول الغرب، ومؤسساتها الدولية مثل صندوق النقد الدولي
والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، والتي لم تنجح في علاج مشكلات أية دولة إسلامية
لجأت إليها، بل لقد ازدادت حدة مشاكلها بعد اتباع تلك البرامج المسماة بالإصلاحية وزادت
ديونها وعجز ميزانياتها، وترسيخ الوعي بأن حكام الدول الإسلامية يمثلون سببا
رئيسيا في تراجع مكانتها، واستخدامهم لجيوش بلادهم لقمع شعوبهم وليس الدفاع عن
قضاياهم المشتركة، وتبديدهم موارد تلك الدول، واستمرارهم في التبعية الاقتصادية
والعسكرية بإهمال قضايا الإنتاج والاهتمام بقضايا أخرى فرعية، لا يحل المشاكل الاجتماعية
والاقتصادية والثقافية المزمنة فيها.
لتكن قضية فلسطين
ضوءا كاشفا لتعرية واقعنا المتردي، وبدء العمل للأخذ بسبل علاجه بالمجالات
المختلفة، وبحلول تراعي الأوضاع المحلية وتتجه لجذور المشاكل وليس إلى أعراضها كما
تفعل برامج صندوق النقد الدولي، وتؤكد على قضايا الحريات لإطلاق طاقات الشعوب، مع
الإدراك بأن تراكم المشكلات عبر سنوات طويلة يعني حاجة الحلول إلى فترات طويلة
أيضا، وأنه إذا كانت إسرائيل تحاصر غزة منذ أكثر من 17 عاما وتربطها باقتصادها،
فإن حال الدول الإسلامية لا يختلف كثيرا من حيث صور الحصار الاقتصادي والسياسي
والثقافي.
وكما اعتمدت
المقاومة على نفسها من حيث بناء القدرات العسكرية، والارتباط بالحاضنة الشعبية من
خلال العمل الاجتماعي والاقتصادي، والاعتماد على الكوادر العلمية بمختلف التخصصات
الفنية، حتى بلغت ما وصلت إليه من تجهيزات وتقنيات وكوادر وصمود خلال فترة زمنية
امتدت إلى 35 عاما، فإن الشعوب الإسلامية مدعوة لتكرار مشوار الاعتماد على النفس،
حتى تستغل مزاياها التنافسية وتحل مشاكلها وتكون لها مكانة على الساحة الدولية.
twitter.com/mamdouh_alwaly