قال كاتب وباحث
فلسطيني إن موقف السلطة
الفلسطينية من
العدوان الذي يشنه
الاحتلال الإسرائيلي على قطاع
غزة تماهى مع
الموقف الرسمي العربي، الذي تغلب عليه النظرة السلبية للمقاومة العسكرية
الفلسطينية، وللتيارات الإسلامية الحركية الإصلاحية؛ والذي يرغب في حلول سلطة رام
الله مكان "حماس" في إدارة قطاع غزة.
وسجّل الكاتب والباحث الفلسطيني عاطف
الجولاني في تقرير له اليوم نشره مركز الزيتونة للدراسات في لبنان، أنه على الرغم
من أن "
مواقف السلطة المعارضة للعدوان على القطاع، وتقديم نفسها كممثل للشعب
الفلسطيني، وكمعبِّر عن معاناته وتطلعاته؛ إلا أن السلوك الميداني على الأرض في
الضفة الغربية، خصوصاً من خلال متابعة التنسيق الأمني مع العدو، ومنع الحراكات
الشعبية وقطع الطريق على أي تصعيد للانتفاضة والعصيان المدني والمقاومة المسلحة،
أوجد بيئة "مريحة" للاحتلال، وحَيَّد عملياً أكثر من ثلاثة ملايين
فلسطيني في الضفة الغربية عن الفعل النضالي المقاوم، إلا ما يمكن لاتجاهات
المقاومة أن تفعله في ظروف قاهرة؛ بالإضافة إلى عدم تجاوز الخطوط الحمراء للاحتلال.
ورأى الجولاني أن "قيادة السلطة بدت
كما لو أنها تُفضّل سياسة التَّرقب، بانتظار ما سيسفر عنه العدوان على غزة، مع
تعامل عدد من قياداتها وكأن هزيمة المقاومة وسيطرة الاحتلال هي مسألة وقت".
وقال: "السلطة هي المرشحة لاستلام
إدارة غزة، غير أنها ترفض أن يظهر ذلك، وكأنه يأتي على ظهر دبابة إسرائيلية، مما
سيتسبب في مزيد من تدهور شعبيتها المتدهورة أصلاً؛ وفقدان مصداقيتها. وستفضل وجود
مرحلة انتقالية قبل استلامها مقاليد الأمور، وأن يكون ذلك ما أمكن ضمن حالة توافق
وطني، وضمن رؤية أشمل للتقدم الجاد في مسار التسوية".
وأكد الجولاني أنه "من غير المرجح
خلال الأيام القادمة أن يطرأ تَغيّرٌ جوهري على موقف السلطة من العدوان الإسرائيلي
على قطاع غزة، بانتظار انجلاء نتائج المعركة".
وحول موقف السلطة من طوفان الأقصى، قال
الجولاني: "تفاجأت السلطة الفلسطينية في رام الله بعملية طوفان الأقصى في 7
تشرين الأول/ أكتوبر 2023، التي أعقبها عدوان إسرائيلي واسع على قطاع غزة،
واقتحامات متواصلة لمختلف مناطق الضفة الغربية".
وأضاف: "لقد ظهر موقف السلطة
مرتبكاً ومتردداً وعاجزاً وضعيفاً في التفاعل مع تطورات المواجهة، وفي القيام بدور
عملي للتصدي للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، الأمر الذي
يطرح التساؤلات حول العوامل المؤثرة في موقف السلطة وطريقة تعاملها مع العدوان".
وأرجع الجولاني سبب ارتباك السلطة في
موقفها من الحرب الدائرة ضد قطاع غزة إلى عدة عوامل، منها: خشية السلطة على وجودها
ودورها، في ظلّ تهديدات الحكومة الإسرائيلية اليمينية بتقويض السلطة، وتحجيم دورها
ومعاقبتها بتهمة تمويل الإرهاب، وعدم إدانة هجوم حماس في السابع من أكتوبر.
وأشار إلى الانقسام الحاصل داخل السلطة
في التعامل مع العدوان على قطاع غزة، حيث برز موقفان متعارضان؛ الأول يدعو إلى
الحياد والتريث وانتظار ما تؤول إليه نتائج المواجهة بين حماس وقوات الاحتلال.
والثاني يرى ضرورة القيام بدور عملي تجاه ما يجري، حفاظاً على صورة السلطة
ومكانتها، ولتجنب إدانتها واتهامها بالتواطؤ والخذلان. وتشير المعطيات إلى أن
محمود عباس وحسين الشيخ وماجد فرج يتبنون الرأي الأول الذي رجحت كفته، وهو ما
يعبر عن قرار السلطة وموقفها الحالي من العدوان.
ووفق الجولاني فإن ما يفرض هذا الموقف
هو استحقاقات اتفاقية أوسلو الأمنية التي تفرض على السلطة التنسيق الأمني مع
الاحتلال والقيام بمهماتها في ضبط الأوضاع الأمنية وفي منع أنشطة وعمليات
المقاومة. وقال: "خلافاً للعديد من الحالات السابقة التي لوحت السلطة خلالها
بتجميد التنسيق الأمني مع الاحتلال، فإن الملفت للانتباه أن السلطة لم تصدر عنها
أيّ إشارة بهذا الخصوص في مواجهة العدوان الحالي على القطاع".
كما أن السلطة تجاوبت مع المطالب
الأمريكية وأبدت استعداداً لإدارة القطاع بعد انتهاء المواجهة، على أن يتم ذلك ضمن
تصور سياسي يشمل الضفة والقطاع، هذا بالإضافة إلى التنافس السياسي مع حركة حماس،
والرغبة بإضعافها كخصم سياسي قوي، وتقدير أوساط نافذة في السلطة الفلسطينية بأن
المواجهة الحالية بين حماس وقوات الاحتلال تشكّل فرصة مهمة لحسم التنافس مع خصمها
السياسي الأبرز، وللعودة إلى حكم قطاع غزة.
كما أن السلطة تأخذ بعين الاعتبار مواقف
الأطراف العربية المؤثرة في توجهاتها، والتي ترغب هي الأخرى بإنهاء حكم حماس في
قطاع غزة، وترغب بإضعافها وبتعزيز دور السلطة في الضفة والقطاع، وبوقف تصاعد أنشطة
المقاومة في الضفة الغربية التي تهدد نفوذ السلطة.
وأكد الجولاني أن كل هذه الاعتبارات
كان لها أثرها في مواقف السلطة من العدوان، والتي اكتفت بإعلان رفض العدوان
الإسرائيلي وإدانته، دون القيام بأدوار عملية فاعلة ومؤثرة للتصدي له، والتخلي عن
دورها في حماية الشعب الفلسطيني، أو على الأقل الاعتراف بعجزها الضمني عن القيام
بذلك.
ولفت الانتباه إلى أن السلطة وفي الوقت
الذي سعت فيه إلى المشاركة في اجتماعات مؤسسات العمل
العربي والإسلامي المشترك، وفي عضوية اللجان المنبثقة عنها لمتابعة القرارات
الصادرة عن تلك الاجتماعات، فإنها حالت دون انخراط أفراد الأجهزة الأمنية في
مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية، والاستمرار في ملاحقة
مجموعات المقاومة، وشن عمليات الاعتقال في صفوف الناشطين الفلسطينيين.
كما أنها كبحت جماح الفعاليات الشعبية
في الضفة المؤيدة للمقاومة والرافضة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتضييق
مساحات التحرك الشعبي، ومنع الاحتكاك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وشدد على أنه وفي الوقت الذي كان فيه أداء جيد للبعثة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة وبعض السفراء الفلسطينيين في توضيح
الموقف الفلسطيني ومواجهة الرواية الإسرائيلية، والتحرك لاستصدار قرارات بوقف
إطلاق النار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومواجهة مشاريع القرارات الأمريكية
لإدانة المقاومة، فإن السلطة تجنّبت الدعوة لعقد أي لقاءات وطنية
مشتركة لتعزيز الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، والانشغال بتأكيد أن
السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وليس أيّ طرف
آخر.
وخلفت الحرب
الإسرائيلية على القطاع منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، 18 ألفا و800 شهيد و51
ألف جريح معظمهم أطفال ونساء بحسب آخر إحصائية أعلنت مساء الجمعة، ودمارا هائلا في
البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، وفق مصادر فلسطينية
وأممية.
إقرأ أيضا: هجوم لاذع على أمين سر "فتح" لتصريحاته المطالبة بمحاسبة "حماس" (شاهد)