لم يحدث في تاريخ البشرية، وأن وقفت دولة، مع كيان، لا يجمعها به، لا دين ولا لغة ولا عرق ولا جغرافيا ولا ثقافة، كما تقف حاليا الولايات المتحدة الأمريكية، مع الكيان الصهيوني، حتى أن
بايدن وبلينكن ولويد أوستن، ذكروا كلمة إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر الماضي، أكثر مما ذكروا كلمة أمريكا، منذ ولادتهم وإلى غاية مماتهم، بل إنها تتراءى لهم أضغاث أحلام وكوابيس، كما لا تتراءى لنتنياهو وغالنت.
لقد قال مرة، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جون بايدن، قبل دخوله البيت الأبيض بسنوات، بأن أهمية إسرائيل لبلاده، لا يمكن أن تطاولها أهمية أي دولة أو كيان في العالم، وصرّح بعبارته الشهيرة: “لو لم تكن إسرائيل، لكونّاها”، وأبان أنتوني بلينكن عن يهوديته كعقيدة، بمجرد أن شاهد دموع الصهاينة في السابع من أكتوبر، ولم تكن زوجته إيفان رايان وهي سكريتيرة مجلس الوزراء في البيت الأبيض، تعلم بأن زوجها وزير خارجية أمريكا، يهودي، بالرغم من أن زواجهما يعود إلى سنة 2002، وحتى وزير الدفاع لويد أوستن الأسمر، الذي شرّفوه ليكون أول وزير دفاع أمريكي، من أصول إفريقية، اختلطت عليه القارات والألوان والتاريخ، فقال بأن ما يجمع بلاده بإسرائيل عميق جدا، ولا أحد فهم معنى العمق من وزير يقال أنه للدفاع في أمريكا، وليس في غيرها، وعندما سمع بانسحاب لواء غولاني من الحرب، بسبب ضربات المقاومة في غزة، كان أول المعزين والمصرحين بأن أمريكا بالكامل “غولاني”، لأجل عيون الكيان.
أمريكا لا تعيش لإسرائيل في بلادها وبلاد فلسطين فقط، بل انتقلت إلى بلاد العالم بأسره، فهي تغرد ضد قضية الصحراء الغربية ليس للمغرب، وإنما لفرض التطبيع مع إسرائيل، وتخترع كتلة عالمية في البحر الأحمر، ليس لأجل سلامة الملاحة الدولية، وإنما لأجل عيون الكيان.
عاش العالم الحروب والنزاعات عبر تاريخه الطويل، وفي مختلف القارات، وتميزت جميعها بالتحالفات والدفاع المشترك، لكن ما حدث هذه المرة من “حب أعمى”، على أرض فلسطين بين نار الصهيونية وحديد الولايات المتحدة الأمريكية، هو سابقة، خرجت عن نطاق الحرب الوجودية، لهذا الطرف أو ذاك أو مجتمعين معا.
تابعنا الأعمال الفنية الأمريكية الهوليودية الشهيرة، من حركة وغرام وخيال وجرائم وملاحم وويسترن، من روائع “الحي الصيني ولورنس العرب وساموراي السبعة والمخطوفة”، وتابعنا مسلسلات الدراما من “الهارب ودالاس والغني والفقير” وأفلام الكارتون الطفولية، ولم نلمس عاطفة حب ووفاء أبدا، لدى الأمريكيين، الذين قدّموا أنفسهم صورة طبق الأصل لأدوار “كلين إستوود ولي فان كليف وشارل برونسن”، يحبون قليلا جدا ويحقدون كثيرا جدا، ولكنهم مع إسرائيل قدموا “حبا” جديدا وعنيفا، مبنيا على بغض كل ما هو عربي وإسلامي من عبق التاريخ.
(الشروق الجزائرية)