الأداء السياسي والأخلاقي المنحطّ للرئيس الأمريكي الحالي، والذي سبقه، جعل أشدّ الناس عشقا للولايات المتحدة الأمريكية، يراجع مشاعره العمياء، ويوافق النظريات التي تتحدث عن بداية نهاية الإمبراطورية الأمريكية، التي صارت تُرعد وتُبرق، في الأجواء التي تريدها، من دون أن يرفع أي كان، مطاريته، في عالم صار لا يرى إلا ما ترى الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن ما تقوم به نخبة الولايات المتحدة وشبابها من طلبة جامعيين في الفترة الأخيرة، قد ينقذ هذا الكيان الأعمى، من الظلمات التي ارتضاها لنفسه، منذ أن جعل القضية الصهيونية، قضيته الأولى والوحيدة.
لم تلتفت، إدارة بايدن، إلى ذاك الشاب الأمريكي العسكري الذي انتحر حرقا، غضبا من السياسة الأمريكية الداعمة بجنون للكيان الإرهابي القائد لإبادة كل ما هو
فلسطيني، بل إن بعض الأوساط الأمريكية، حاولت وصف الشاب المنتحر هروبا من جحيم بلاده، بـ”المختل عقليا”، قبل أن تقود حراكَ الغضب، النخبة الأمريكية في العديد من
الجامعات والكليات، وعلى مدار أيام، وهو ما يُحرج بايدن وبلينكن وعصابتيهما أمام الشعب الأمريكي قبل شعوب العالم، التي ما عادت ترى من جدوى لتمثال الحرية، المنتصب هناك في نيويورك.
الطلبة المحتجون، ارتقوا بحراكهم إلى اعتصامات وتخييم ومقاومة لرجال الشرطة، والإدارة الأمريكية انحدرت إلى الاعتقالات وفضّ الاعتصام، ودسّ صهاينة بين المتظاهرين، في محاولات لتغليطهم وردّهم عن قناعاتهم، وهو تصعيد قد نرى مثيلا له في البلدان التي وقفت بطريقة رهيبة مع الكيان الصهيوني، مثل ألمانيا وفرنسا، ودول أخرى، من التي سلمت “روحها” منذ عقود للكيان الأمريكي.
لقد حاولت الولايات المتحدة الأمريكية، دائما أن توهم العالم بأنها مع حرية الشعوب وحقهم في الممارسة الديمقراطية، فقلبت العديد من الأنظمة، وأدخلت بلدانا في فتن وحروب أهلية فتاكة، وكانت في كل مرة تكذب ويصدِّقها بعض الناس، في خرافة أسلحة الدمار الشامل في بغداد وإرهاب كابول، ولكنها هذه المرة انكشفت تحت ردم غزة وصيحات أطفالها وجوع ثكلاها، فما بقي لها ما تخفيه، وانتهت كل ألوان الكذب، التي تفنّن بوش وأبوه وغيرهما، في إطلاقها على مسامع العالم.
تسيطر الولايات المتحدة الأمريكية على المشهد العلمي والتكنولوجي العالمي، فقد فاز جامعيوها وعلماؤها بـ363 جائزة نوبل في كل العلوم، وهو ما لم تحققه أيّ أمة في العالم، وكل هذه الجوائز العالمية، كانت من عصارة هذه الجامعات، التي قرر طلبتها تقويم عوج الإدارة الأمريكية.
في سنة 1895 ترك العالم السويدي ألفريد نوبل، وصيته للبشرية لأجل أن تمنح جائزة باسمه، لكل من ينتفع الناس باختراعاته وعبقريته، في الطب والفيزياء والكيمياء والآداب والسلام، واجتهد الجامعيون الأمريكيون أكثر من غيرهم، من أجل خدمة البشرية والتتويج بهذه الجائزة الكبيرة، التي كفّرت عن ذنوب مخترع “الديناميت” الذي قتل النساء والأطفال في مختلف الحروب، قبل أن يقتل السلاح الأمريكي أبناء غزة منذ قرابة السبعة أشهر، أمام أنظار ما لا يقل عن مائة حاصل على جائزة نوبل من الأمريكيين الذين مازالوا على قيد الحياة، وإدارة بلادهم تسعى لإخراج الفلسطينيين من الحياة!
(الشروق الجزائرية)