حتى والمظاهرات تنطلق من رحاب واحدة من أرقى وأعرق
جامعات العالم وجدنا من المتصهينين العرب من يشكك بها وبدوافعها وأهدافها، فقط لأنها من أجل التضامن مع غزة والتنديد بالإبادة الجماعية.
وحتى والعالم كله يشهد تلك المظاهرات على الهواء مباشرة، ويعرف كيف بدأت، وكيف تطورت الأمور داخل وخارج الجامعة، في مجتمع مكشوف إعلاميا، نجد من المتصهينين العرب من يصف ما حدث بالمؤامرة ضد أمريكا ونظامها التعليمي!
وحتى وغزة تقاوم لما يزيد على ستة أشهر أعتى آلة عسكرية، وتدفع ضريبة الصمود من دماء أبنائها، نجد من المتصهينين العرب من يتهمها بأنها عقبة في طريق السلام، وأنها هي من بدأت شرارة العدوان وعليها وحدها أن تنهي ما حدث! أحد هؤلاء المتصهينين العرب الذين لم يعودوا يخجلون مما يقولون، كتب في حسابه على منصة إكس أن جماعة
الإخوان المسلمين هي المسؤولة عن المظاهرات الطلابية العارمة في جامعة كولومبيا الأمريكية! وهذا يعني وفقاً لمنطقه الأعمى أن جماعة الإخوان المسلمين بلغت من قوة التأثير العالمي حد أنها تستطيع تجييش نخبة الطلاب الأمريكيين الدارسين في هذه الجامعة المرموقة، وتحشيدهم والتأثير عليهم وتوجيههم لتنظيم هذه المظاهرات في الجامعة! ولا يعلم هذا الكاتب المتصهين، وهو بالمناسبة كاتب صحفي وروائي معروف، أنه يقدم لهذه الجماعة بمثل هذا الاتهام الساذج دعاية مجانية لا تنطبق عليها خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها الجماعة على أكثر من صعيد في أكثر بلدان العالم منذ سنوات! فماذا يمكنها أن تفعل لو أتيحت لها الفرصة الطبيعية لأن تكون حزبا نظامياً معلناً في أي بلد في العالم.. وليكن على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية؟
ثم من قال إن قضية
فلسطين تخص جماعة الإخوان المسلمين وحدهم، حتى يكونوا هم المسؤولين عنها الساعين لإثارتها سواء كانوا داخل فلسطين أم خارجها؟ هذا إجحاف بحق كل الفصائل والأحزاب والتيارات والتوجهات والقوى الفلسطينية والعربية والعالمية الأخرى في كل مكان.
وكتب كاتب آخر لا شك أنه ينتمي لطائفة المتصهينين العرب أيضا أن الهدف هو رأس رئيسة الجامعة نعمات شفيق لأنهم يعتقدون أنها مسيحية وليست مسلمة.. تخيلوا أنه كتب هذا الكلام المرسل فعلا، وكأن طلبة جامعة كولومبيا وما يقرب من أربعين جامعة أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا، وهي الجامعات التي انتقلت إليها شرارة المظاهرات الطلابية من أجل غزة حتى الآن، كلهم أو أغلبهم من المسلمين! وهذا بالتأكيد غير صحيح! ولا يمكن أن يكون صحيحا بأي حال من الأحوال، وحتى لو كان صحيحا، جدلا، فلا يمكن لطلبة جامعة من جامعة كولومبيا أن ينطلق من ذلك المنطلق الديني البحت. ونظرة سريعة لطبيعة المظاهرات وشكلها العام ونوعية الأنشطة والخطابات فيها تدل هذا الكاتب على خطل ما يقول، لو كان فعلا يؤمن بما قاله أو كتبه!
وكتب ثالث ينتمي للطائفة نفسها، أن تلك المظاهرات ليست سوى مؤامرة! مؤامرة ضد من؟ من حماس التي جيرت الموضوع لمصالح حزبية! ولا أدري كيف خرج لنا هذا المتصهين، وهو بالمناسبة أستاذ جامعي، بهذه النتيجة العجيبة! المهم لديه أن حماس هي المسؤولة وأنها هي من تسيطر على طلاب جامعات أمريكا وهي التي تحركهم كيف ما تشاء لمصلحتها فقط!
أختم بتفسير متصهين رابع للمظاهرات التي رأى أن الطللاب المشاركين فيها ليسوا سوى مجموعة من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة الأمريكية متناسيا أن كولومبيا وهارفارد وجورج واشنطن وغيرها من الجامعات التي انطلقت منها المظاهرات في البداية هي من أرقى وأعرق بل وأغلى الجامعات العالمية على صعيد تكاليف الدراسة فيها، ولا ندري كيف يمكن أن يكون أغلبية طلبتها من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين. وحتى وإن كان الأمر كذلك فهذا لا يقلل أصلا من أهمية تلك المظاهرات ولا قيمتها في معادلات الرأي العام في أمريكا والعالم كله.
ولكنهم... يعمهون!
(الشرق القطرية)