يصر النظام المصري، على حرمان الآلاف من أهالي شمال
سيناء من
حق العودة لمناطق سكنهم الأساسية قرب الحدود مع قطاع غزة، إلى جانب استمرار حملات اعتقال وحبس ومحاكمة العشرات منهم.
جاء ذلك التوجه بعد قرارات
السيسي، بتهجير آلاف السكان طوال 9 سنوات من بيوتهم ومزارعهم في "رفح" و"الشيخ زويد" بشمال شبه الجزيرة المصرية.
ورغم تكليفه الجيش المصري عام 2018، ببناء مدينة متكاملة على أراضيهم لتسكينهم، ما يثير التساؤلات حول مصير تلك المباني وعن أسباب بناء السيسي لها، ورفضه تسكين الأهالي بها.
"تهجير قسري ولا حق عودة"
ومنذ العام 2014، قام النظام المصري بعمليات تهجير قسري لقبائل "الرميلات" و"السواركة" و"الترابين"، من تلك المنطقة الحدودية المتاخمة لجنوب قطاع غزة، فيما قام الجيش بتسوية مدينة رفح المصرية بالأرض لإقامة منطقة عازلة بمحاذاة قطاع غزة بطول 13 كيلومترا، وبعمق 5 كيلومترات.
عمليات الجيش في تلك المناطق التي شملت هدم 1.548 منزلا بالمرحلتين الأولى والثانية من رفح القديمة، وتجريف آلاف الأفدنة من الزيتون جاءت بدعوى القضاء على الإرهاب.
ولكنه في المقابل هدم أغلب الأنفاق مع قطاع غزة، بإغراق المنطقة بمياه البحر بدعوى منع التهريب، في إجراءات فسرها مراقبون أنها لحماية الاحتلال الإسرائيلي وفق ترتيبات أمنية مع نظام السيسي.
وأثارت قضية التهجير جدلا حقوقيا عالميا، ففي آذار/ مارس 2021، اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" هدم المنازل والإخلاء القسري بالعريش والشيخ زويد ورفح التي تم هدمها كليا، انتهاكا للقانون الدولي الإنساني، مبينة أنه بين أواخر 2013 وتموز/ يوليو 2020، دمر الجيش نحو 12.350 مبنى، وجرف نحو 14.300 فدانا منزرعا، وهجر 100 ألف شخص، (ربع سكان شمال سيناء).
اظهار أخبار متعلقة
ورغم انتهاء الحرب على تنظيم "ولاية سيناء" رسميا بإعلان السيسي في كانون الثاني/ يناير الماضي، أن مصر أصبحت خالية من الإرهاب، بعد 10 سنوات من محاربته؛ بقيت وعود الجيش المصري وحكومة السيسي، للمهجرين بالعودة بلا تنفيذ، رغم مرور 9 سنوات على التهجير.
لكن الأهالي الذين رأوا بأعينهم بناء مدينتي "رفح الجديدة" و"بئر العبد الجديدة" المقامتين على أنقاض بيوتهم ومزارعهم، وبقائهما خاليتين من السكان رغم تكلفتهما مليارات الجنيهات، طالبوا بحق العودة والسكن بالمدينتين في مسيرات سلمية قابلها الجيش المصري بالفض واعتقال 48 من الأهالي.
آخر تفاصيل تلك الأزمة فإن السلطات القضائية المصرية جددت السبت الماضي، حبس 10 من المتهمين من قبائل سيناء، على خلفية تظاهرات "حق العودة"، بعد مطالبتهم بالعودة لمناطق سكنهم في رفح والشيخ زويد.
النيابة العسكرية كانت وجهت لـ48 من أبناء سيناء اتهامات التجمهر واستعراض القوة والتخريب، إثر تظاهرات القبائل الثلاثة في آب/ أغسطس الماضي، وتجمعهم في اعتصام جنوب منطقة الشيخ زويد؛ للمطالبة بالعودة للقرى التي رحلوا عنها منذ 2014، إثر الحرب ضد تنظيم "ولاية سيناء".
"وعود الجيش وأحقية التسكين"
ووعدت القوات المسلحة قبل نحو عام ونصف، ضمن خطتها للحشد القبلي في سبيل القضاء على "ولاية سيناء"، أبناء السواركة والرميلات بالعودة إلى قراهم في رفح والشيخ زويد، مقابل حمل السلاح والمشاركة في الحرب ضد التنظيم.
وفي أغسطس/آب الماضي، وإثر فض الجيش اعتصام المهجرين بالقوة واعتقال العشرات، وعد قائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع شيوخ القبائل بعودة أهالي رفح لمناطقهم في 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهو ما لم يحدث.
وتحت عنوان: "رفح الجديدة".. صرح سكني عملاق على أرض شمال سيناء، كتبت المواقع الصحفية الموالية للنظام، والتي أكدت في تقاريرها أن "أحقية التسكين في المدينة الجديدة لأهالي رفح".
ووفقا لتصريحات محافظ شمال سيناء اللواء محمد عبدالفضيل شوشة، آذار/ مارس 2022، تقع رفح الجديدة غرب رفح القديمة، وعلى بعد 7 كيلومترات من قطاع غزة، و45 كيلومترا عن العريش، و5 كيلومترات عن شاطئ بحر رفح.
مساحة المدينة 2 مليون متر مربع، وبها 626 عمارة سكنية، كل عمارة 4 طوابق، بإجمالي 10 آلاف وحدة سكنية، و400 بيت بدوي، ومنطقة خدمات بها مستشفى ومسجد ودار مناسبات ونقطة شرطة ومطافي وبريد وسنترال ومخبز ومحطة أتوبيسات وسوق تجاري ومجمع مدارس، ومنطقة صناعية، تكلفت حتى ذلك التاريخ بحسب المحافظ مليارين و330 مليون جنيه.
محافظ شمال سيناء أكد مرارا أن التعليمات السياسية تقول بأولوية السكن لأبناء رفح، معلنا بحديث لراديو "شمال سيناء"، افتتاح مدينة رفح الجديدة بعيد سيناء 25 نيسان/ أبريل الماضي، وبمناسبة 6 أكتوبر، مع عودة أهالي بعض القرى لبيوتهم ومزارعهم في رفح والشيخ زويد، وهو ما لم يحدث.
"مخططات غامضة"
وإزاء رفض عودة أهالي سيناء إلى مناطقهم أو تسكينهم بالمدن الجديدة رغم الوعود الحكومية وتلك التي أطلقها الجيش، يثار الحديث عن مخططات غامضة لنظام المصري بتلك المنطقة.
وفي 17 كانون الأول/ يناير 2023، كشفت "مؤسسة سيناء" لحقوق الإنسان عن على خرائط حكومية تُظهر قيام الجيش ببناء جدران عالية على مدن رفح والشيخ زويد الجديدتين بعد الانتهاء من بنائهما لتحيط بالمدن الرئيسية شرق سيناء وتعزلها عن بعضها.
اظهار أخبار متعلقة
وكشفت الخرائط التي عرضتها المنظمة الحقوقية عن إنشاء الجيش جدارا بطول 12 كم، وارتفاع 6 أمتار، يشبه الجدار الحدودي مع غزة، لعزل مدينة رفح عن الشيخ زويد، وجدار آخر بطول 38 كم وارتفاع 6 أمتار يفصل الشيخ زويد عن العريش.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021، خصص السيسي، وفقا للقرار رقم 420 لسنة 2021، ثلاثة آلاف كيلو متر مربع من شمال شرق سيناء، كمناطق حدودية تخضع لقيود صارمة، ما اعتبره الأهالي ومنظمات حقوقية ابتلاع لمزيد من أراضي رفح وضمن مخططات غامضة للجيش لإفراغ المنطقة من سكانها.
"سيناريو التهجير"
ومنذ كانون الثاني/ يناير 2020، وتثار المخاوف من تهجير قسري أو طوعي لأهالي قطاع غزة إلى شمال سيناء وبخاصة منطقة رفح التي جرى تجريفها من السكان وذلك مع إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن مخطط "صفقة القرن".
تلك المخاوف تجددت مع حرب الإبادة الدموية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق أهالي قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ومع القصف الجوي والمدفعي المتواصل للشهر الثالث على التوالي لإجبار سكان القطاع على النزوح إلى الجنوب قرب الحدود المصرية.
وتواصل حكومة السيسي تأكيدها رفض جميع السيناريوهات الإسرائيلية والغربية بتهجير سكان قطاع غزة إلى شمال سيناء وتحديدا في المدينة التي أنشأها السيسي، منذ العام 2018 بنفس المنطقة، حيث أكد السيسي، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، رفض بلاده تهجير أهالي القطاع خارج أراضيهم إلى سيناء.
ولذا فإن إصرار نظام السيسي، على رفض تسكين أهالي سيناء بمدينة رفح الجديدة المقامة على أراضيهم، وفي نفس الوقت تأكيده الدائم على رفض تهجير الغزيين إليها، يدفع للتساؤل حول مصير تلك المدينة، ولمن بناها السيسي؟.
والتساؤل كذلك: لماذا جعل المدينة التي بناها الجيش وأحاطها بأسوار عالية وجعلها منطقة منعزلة وبدت كمجتمع متكامل حيث تشمل محطتي كهرباء ومياه عملاقتين، وأبنية وعمارات على أحد الطرز، مع إنشاء منطقة اقتصادية حرة امتدادا لمدينة الشيخ زويد.
"6 حقائق كاشفة"
رئيس المكتب السياسي بالمجلس الثوري المصري المعارض الدكتور عمرو عادل، تحدث في إجابته على تساؤلات لـ"عربي21"، عن 6 حقائق اعتبرها كاشفة للنوايا الحقيقية للنظام المصري، قائلا: "لابد من التذكير ببعض الحقائق والوقائع المرتبطة بما يحدث في سيناء".
وأشار إلى أن الحقيقة الأولى: "الحرب التي اشتعلت (منذ العام 2014 من قبل السلطات المصرية والجيش المصري) على الأنفاق (بين سيناء وقطاع غزة) وهي المتنفس الكبير لأهالي غزة (نحو 2.3 مليون فلسطيني)، وثانيا: تهجير أهالي سيناء مدن الحدود (مع غزة) رفح والشيخ زويد".
ولفت السياسي المصري، إلى الحقيقة الثالثة وتتمثل في "التنسيق الأمني (من نظام السيسي) مع الكيان الصهيوني بشكل معلن، ورابعا: بناء كنتونات معزولة في الأراضي المصرية وإبقائها فارغة بلا سبب معلن".
وأكد أن الحقيقة الخامسة، هي أنه "في الحرب الأخيرة (بين الاحتلال والمقاومة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي) لم تقدم الحكومة المصرية أي دعم حقيقى لأهالي غزة، في حرب الإبادة الحالية التي يقوم بها الكيان الصهيوني".
ولفت ضابط الجيش المصري السابق سادسا إلى حقيقة "الانبطاح التام أمام الاعتداء (الإسرائيلي) على معبر رفح، والآن (احتلال) محور فيلادلفيا بأكمله –منطقة معزولة السلاح على الحدود الفلسطينية المصرية وفقا لاتفاقية كامب ديفيد 1978-".
وقال السياسي المصري، إن "كل هذه المقدمات الستة لا يمكن إغفالها في محاولة فهم الحقائق بشكل أعمق من التصريحات التي يطلقها النظام المصري حول قضية تهجير أهل غزة إلى سيناء".
وأوضح أنها "تشير إلى أنه متورط بشكل مباشر منذ عقد كامل في إعادة هيكلة المنطقة لصالح الكيان الصهيوني، وكل ما يحاول نشره حول رفضه لتهجير أهل غزة هو لحسابات أخرى، ربما حول مدى الدعم المالي الذي سيحصل عليه النظام مقابل ذلك".
"مخطط صفقة القرن"
من جانبه، يرى السياسي والبرلماني المصري السابق رضا فهمي،أن "المدينة الضخمة التي يبنيها نظام السيسي، على الحدود مع غزة كانت ضمن سيناريو كبير جدا، وهو (صفقة القرن) التي تعرضت لضربات أو مزالق كثيرة بداية من خروج ترامب من الحكم في أمريكا".
وفي حديثه أضاف: "وبالتالي فإن كل الترتيبات التي حدثت في عهد ترامب سواء اتفاقيات (إبراهام) أو الترتيبات الأمنية في المنطقة بمشاركة إسرائيل ومصر والأردن والإمارات وغيرها من الدول؛ كلها ترتيبات توقفت بذهاب ترامب أو حدث لها إرجاء".
الأمر الآخر، بحسب فهمي، هي "حرب أوكرانيا التي شغلت العالم بحرب كادت تذهب لحرب كونية أو عالمية ثالثة، ثم جاءت عملية طوفان الأقصى، فقضت على البقية الباقية لهذه الترتيبات، فأيا كانت نتائجها فإنها ستعيد تشكيل المنطقة بل والعالم كله".
وتوقع "تشكيل تحالفات وأخرى ستتغير وقوى سيحدث لها صعود كمحور المقاومة في المنطقة، الذي سيكون له وضع آخر ، وحتى أثناء الحرب التي ترتكبها الآلة العسكرية الإسرائيلية فمازالت الكلمة في الصراع العسكري العسكري للمقاومة".
وألمح كذلك إلى "تغير الوضع في اليمن، وظهور فاعل رئيسي، وكذلك شيعة العراق، وحزب الله في لبنان، فضلا عن إيران التي تحصد مكاسب ضخمة من وراء هذه التحولات".
وأوضح ان كل ذلك يقابله "المحور العربي الغربي الذي أطلق عليه سابقا محور الاعتدال المكون من دول تابعة للغرب وأمريكا، والذي يتراجع، ورأينا محاولة واشنطن عمل تحالف لحماية الممرات البحرية وانسحبت منه 3 دول أوروبية و10 دول من 19 لم تعلن أسماءها، وبالتالي فهو تحالف هش".
وتابع: "والآن رقعة المعركة البحرية تتسع من البحر الأحمر لتقترب من الهند وبحر العرب، والبحر المتوسط مهدد بشكل كبير، خاصة مع مستجدات إيران وتحديدا بإعادة هيكلة سلاحها البحري بوحدات أشبه بحرب العصابات إن صح التعبير".
فهمي، خلص للقول: "إذا المشهد بالمنطقة مضطرب، ومصر السيسي هي الحلقة الأضعف في أي سيناريو، بعدما جعلها دولة مرهون قرارها بالخارج، وبالتالي أفقدها أوراق الضغط، إلا من دورها في حصار معبر رفح والشعب الفلسطيني وتحصل في المقابل على الثمن".
وأشار إلى محاولات تلاعب وخداع يرتكبها النظام المصري لتمرير بعض الأجندات، "مثل المبادرة التي تقدمت بها مصر وتقول بأسبوعين هدنة، وتشكيل حكومة تكنوقراط، وهي بالأساس مبادرة إسرائيلية"، معتبرا أنه "دور قذر يماثل دور المفاوض المصري سابقا في صفقة الجندي الإسرائيلي شاليط".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد أنه "وبالتالي فهذه المدينة (رفح الجديدة) كانت مصممة بالفعل ومجهزة لعمليات تهجير الفلسطينيين الذين كانوا سيصبحون في (جيتو) أو (كانتونات) على حواف مصر، وبين فكي الكماشة الجيش والشرطة المصرية وبالناحية الأخرى جيش الاحتلال".
وأضاف: "لكن جاءت عملية (طوفان الأقصى)، لرسم معادلة جديدة لا أحد يعرف ملامحها على وجه الدقة، فما قبل طوفان الأقصى شيء وما بعده شيء آخر"، مبينا أن "كل الترتيبات لما بعد الحرب كلها لن تمر لأن هناك واقع على الأرض تتكسر عليه كل الترتيبات".
وأوضح أنه "في مصر وإسرائيل لديهم أمل في عودة دونالد ترامب، وبالتالي يعاد طرح مشروعه مرة أخرى، لكن حتى هذه مشكوك فيها في ضوء حكم محكمة أمريكية قالت إن ترامب غير مؤهل للعودة للرئاسة".
وختم بالقول: "الأوضاع كلها متخبطة وهذا هو المشهد، ولذلك فهذه المدينة (رفح الجديدة) ستبقى على حالها وهذا المخطط إلى زوال".