أحمد الله على أنه قيض لي بعض الساعات لأنعزل في ركن من أركان البيت
أقرأ كتبا جديدة باللغتين العربية والفرنسية اقتنيتها من هنا وهناك ولم أفتحها إلا
عندما أغلق الهواتف الذكية (وأستعمل الهواتف الغبية!) وأغلق الأيباد والحاسوب
والتلفزيون وأمارس هوايتي القديمة في تلمس أوراق الكتاب ومطالعته بشغف وأجد بين
دفتيه المعرفة وخفايا الأحداث، وهو أداة الفكر الوحيدة التي تجعلك تفكر بهدوء في
عالم ازدحمت فيه أدوات الاتصال السريعة الآنية التي تتلاعب بعقلك وتخرب ذبذباتها
خلايا مخك وتقتل فيك ملكة التفكير بالرغم عنك.
ولكن من حق القارئ الكريم أن يتساءل: "كيف تنعزل وأنت تعيش
متوترا بمشاهد
حرب الإبادة الإرهابية التي يرتكبها الاحتلال ضد شعب
غزة؟"
والجواب عندي أن أكثر محطات العالم سوادا ومأساوية تضطر الإنسان إلى
عدم الاكتفاء بالتأثر والاكتئاب بل التفكير في استنباط الحلول في كنف سكينة روحية
ووقفة تأمل من أجل تحرير الفكر قبل تحرير الأرض.
أقرأ هذه الأيام ستة
كتب شديدة الاختلاف من حيث مؤلفيها ومناهج
تحليلهم وانتماءاتهم الفكرية لكنها تتفق جميعا في تعميق البحث حول معضلات العصر
وتقلبات التاريخ.. فإذا بي أجد نفسي وأنا أقرأها أشد اطلاعا على أسباب المصائب
التي ابتلي بها العرب والمسلمون وأكثر إلماما بحقائق خفيت عني وعن كل من يكتفي
بالعابر من الملاحظات التويترية والسطحي من المواقف الفايسبوكية.
الكتاب الأول من تأليف الباحث التونسي مصطفى بن تمسك وهو بعنوان
(الحداثة الأوروبية مسارات التفكيك ونهاية الريادة) نشرته مؤسسة مؤمنون بلا حدود
المغربية.. والعنوان يكفي لفهم حقيقة تمس العرب من قريب، وهي إعلان موت ما يسمى
بالحداثة الأوروبية التي يتغنى بها العلمانيون المتطرفون العرب نكاية بقيم
الإسلام.
والكتاب الثاني بقلم المؤرخ الفرنسي (مارك فيرو) MARC FERROوهو بعنوان (العمى: نحو تاريخ مختلف
لعالمنا) نشر مؤسسة (تالندييه) للنشر وفيه تقديم لنظرية هذا المؤرخ الشهير التي
تقول بأن الزعماء يصابون بنوع من العمى حين ينتصرون مؤقتا فيضلون ويعمون شعوبهم
ولا يرون حقيقة الأحداث ولا يفقهون مجرى التاريخ فيقعون في مطبات كبرى تتحول
بالنسبة لشعوبهم إلى كوارث أليمة وأزمات حادة وحروب عاصفة.
ويحلل المؤرخ عمى هتلر وستالين وموسوليني وامبراطور اليابان حين لم
يتصوروا أنهم يأخذون قرارات خاطئة أثناء الحرب العالمية الثانية كما يحلل عمى
زعماء الغرب في التعاطي مع الأزمات العربية منذ استقلال الشعوب العربية إلى ميلاد
القاعدة وداعش واستفحال القضية
الفلسطينية بدون رؤية حق أو قانون.
أقرأ هذه الأيام ستة كتب شديدة الاختلاف من حيث مؤلفيها ومناهج تحليلهم وانتماءاتهم الفكرية لكنها تتفق جميعا في تعميق البحث حول معضلات العصر وتقلبات التاريخ.. فإذا بي أجد نفسي وأنا أقرأها أشد اطلاعا على أسباب المصائب التي ابتلي بها العرب والمسلمون وأكثر إلماما بحقائق خفيت عني وعن كل من يكتفي بالعابر من الملاحظات التويترية والسطحي من المواقف الفايسبوكية.
الكتاب الثالث هو للزميل الجامعي الفرنسي (جيل كيبيل) GILLES KEPELبعنوان (الرعب في فرنسا) إصدار مؤسسة
(غاليمار) وهو يروي قصة الهجومات الإرهابية على أهداف مدنية في باريس يوم 13
نوفمبر 2015 وقبلها على مجلة (شارلي هبدو) في يناير من السنة ذاتها.
ويحاول هذا الجامعي المتخصص فك شفرات ما سماه (الجهادية الفرنسية)
بالرجوع إلى رحمها الأول أي المجتمع الفرنسي والأوروبي عموما وهو مجتمع لم يوفق في
دمج أقلية من الشباب العربي المسلم المولود في صلبه والذي تخرج من مؤسساته
التعليمية فعدد الفرنسيين الملتحقين بالجهاد يبلغ أكثر من الألف قتل منهم 150 وما
تزال أوروبا مهددة باعتداءات قادمة كما تبين من تفجيرات مطار ومترو بروكسل العاصمة
السياسية للاتحاد الأوروبي.
وأنا شخصيا حللت هذه الظاهرة في كتابي الأخير الصادر بالفرنسية
بعنوان (ساعاتي قندهار) إصدار مؤسسة أركاديا للنشر.
أما الكتاب االرابع هو (الحرب الصليبية الثانية: حرب الغرب المستعرة
ضد الإسلام) تأليف المفكر الأمريكي John Feffer ومترجمه للعربية هو محمد هيثم نشواتي إصدار منتدى العلاقات العربية والدولية
بقطر (مع العلم أني لم أسمع بهذا المنتدى من قبل ويبدو أنه تابع للقرية الثقافية
كتارا ولكني أبارك أعماله)..
يأتي الكتاب على وجوه الشبه في العمق بين الحملات الصليبية الأولى و
هذه الحملات الجديدة التي تختلف أدواتها و أهدافها كما يحلل مصادر المشاعر الغربية
المعادية للإسلام التي تجسدت في الهجمات الصليبية منذ عام 1095 تاريخ انطلاق جحافل
الصليبيين من أوروبا إلى بيت المقدس إلى اليوم تحت شعار مقاومة الإرهاب.
رغم ضعف الترجمة العربية وافتقاد الكتاب لأي تعريف بالمؤلف يبقى
وثيقة تاريخية يحسن الاطلاع عليها.
الكتاب الخامس هو بالفرنسية بعنوان (نهاية الغرب: أمريكا وأوروبا
والشرق الأوسط) تأليف المحلل السياسي الفرنسي francois heisbourg وهو عمل أكاديمي يدين سياسات المحافظين
الجدد الذين زيفوا تاريخ العلاقات الإسلامية الغربية وحددوا أهدافا للحكومة
الأمريكية وحلف الناتو في قلب العالم الإسلامي لضربها من أجل ما اعتقدوه حماية
مصالح الغرب و يدعو الكاتب أوروبا لسن سياسات سلمية حكيمة مرجعها القانون الدولي و
حقوق المسلمين لتجنب حروب دموية قادمة.
الكتاب السادس بالفرنسية أيضا تأليف Richard Flecher بعنوان (الصليب والهلال) يؤرخ للعلاقات
القديمة المعقدة بين الديانتين حيث ساد اعتقاد أغلب المسيحيين منذ فجر الإسلام أن
الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو إلا عدو للمسيحية ومتمرد على منظومة الوثنية.
ويؤكد المؤلف أن الإسلام انفرد في عصوره الذهبية بالعلوم والابتكار
والتسامح ونشر دعوته مقابل مسيحية تجزأت إلى ملل ونحل متناسلة.
يستعرض الباحث تاريخ بداية التوسع الإسلامي في مواجهة العالم المسيحي
وما تبعه من فتوحات ثم من حروب صليبية ثم من استعمار وصولا إلى عصرنا الحديث الذي
عمق الخلافات ونشأت فيه حركات التحرر الإسلامي والبحث عن توحيد الأمة.
الكتاب السابع الذي جعلته قريبا مني أنهل منه كلما تعبت من الجدية
الأكاديمية للكتب الأخرى هو كتاب بالعربية من تأليف أستاذي طيب الذكر رحمة الله
عليه مالك بن نبي المفكر والطبيب الجزائري الذي لم يأخذ حظه من التعريف به ودراسته
وتدريسه لا في حياته ولا بعد وفاته.
فهو الذي تتلمذنا عليه في الستينيات
والسبعينيات وهو مؤلف عشرين كتابا جمعها كلها تحت عنوان واحد هو (مشكلات الحضارة)
وحلل فيها الظاهرة الاستعمارية وهو واضع نظرية (قابلية الإنسان المسلم للاستعمار)
والمحرض الأول على التمسك بالهوية الإسلامية لمقاومة الثقافة الدخيلة. عنوان
الكتاب هو (الظاهرة القرآنية) قام فيه بتحديث وتحيين أهم رسالات الوحي القرآني.
كتاب ينير عصرنا الحاضر المهدد لكياننا ووجودنا.
رحمك الله أستاذنا وغفر لنا غفلتنا عن الإستفادة من صالح أعمالك.