نشر موقع "
ذي إنترسيبت" الأمريكي تقريرا للصحفي، دانيال بوغوسلاف، قال فيه إن "أي صحفي داخل شبكة "سي إن إن"، سواء كان في الشرق الأوسط أو الولايات المتحدة أو أي مكان آخر في جميع أنحاء العالم، يجب عليه إن كان يغطي إسرائيل وفلسطين، أن يقدم عمله للمراجعة من قبل مكتب "سي إن إن" في
القدس قبل النشر، بموجب الشبكة الإعلامية منذ فترة طويلة".
وبينما تقول "سي إن إن" إن "هذه السياسة تهدف إلى ضمان الدقة في إعداد التقارير حول موضوع استقطابي، فإن هذا يعني أن الكثير من التغطية الأخيرة للشبكة للحرب في غزة، وأصدائها في جميع أنحاء العالم، تم تشكيلها من قبل الصحفيين الذين يعملون تحت ظلال الحرب في غزة".
وأوضح التقرير أنه "مثل جميع المؤسسات الإخبارية الأجنبية العاملة في إسرائيل، يخضع مكتب "سي إن إن" في القدس لقواعد رقابة الجيش الإسرائيلي، التي تملي مواضيع محظورة على المؤسسات الإخبارية تغطيتها، وتفرض رقابة على المقالات التي ترى أنها غير صالحة أو غير آمنة للطباعة".
وكما ذكرت صحيفة "
ذي إنترسبت" خلال الشهر الماضي، فإن "الرقابة العسكرية قامت مؤخرا بتقييد ثمانية موضوعات، بما في ذلك اجتماعات مجلس الوزراء الأمني، والمعلومات حول الأسرى، والتقارير عن الأسلحة التي استولى عليها المقاتلون في غزة. ومن أجل الحصول على تصريح صحافي في إسرائيل، يجب على المراسلين الأجانب التوقيع على وثيقة توافق على الالتزام وإملاءات الرقيب".
وتابع: "إن ممارسة "سي إن إن" المتمثلة في توجيه التغطية عبر مكتب القدس لا تعني أن الرقيب العسكري يراجع كل تقرير بشكل مباشر. ومع ذلك، فإن هذه السياسة تقف على النقيض من وسائل الإعلام الكبرى الأخرى، التي كانت في الماضي تنشر تقارير حساسة من خلال مكاتب خارج إسرائيل لتجنب ضغوط الرقابة".
وأردف التقرير نفسه، أنه "علاوة على القواعد الرسمية وغير المعلنة لتغطية الأحداث من إسرائيل، أصدرت "سي إن إن" مؤخرا توجيهات لموظفيها بشأن لغة محددة يجب استخدامها أو تجنبها عند الإبلاغ عن العنف في
قطاع غزة. كما استأجرت الشبكة جنديا سابقا من وحدة المتحدث العسكري للجيش الإسرائيلي للعمل كمراسل في بداية الحرب".
وقال متحدث باسم شبكة "سي إن إن" لموقع "ذي انترسبت" في رسالة بالبريد الإلكتروني: "إن سياسة تمرير التقارير حول إسرائيل أو الفلسطينيين على مكتب القدس كانت مطبقة منذ سنوات. ويرجع الأمر ببساطة إلى حقيقة أن هناك العديد من الفروق الدقيقة المحلية الفريدة والمعقدة التي تتطلب المزيد من التدقيق للتأكد من أن تقاريرنا دقيقة وصحيحة قدر الإمكان".
وأضاف المتحدث أن "البروتوكول ليس له أي تأثير على (حد أدنى) من التفاعل مع الرقيب العسكري الإسرائيلي، ولا نشارك نسخة معه (أو أي هيئة حكومية) مقدما، سنطلب التعليق من المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم من المسؤولين المعنيين قبل نشر التقارير، لكن هذه مجرد ممارسة صحفية جيدة".
وفي السياق نفسه، قال أحد أعضاء طاقم "سي إن إن"، بشرط عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام المهني، إن "سياسة المراجعة الداخلية كان لها تأثير واضح على تغطية حرب غزة. يجب على كل سطر يتعلق بإسرائيل وفلسطين عند إعداد التقارير أن يحصل على موافقة من المكتب [في القدس]، أو، عندما لا يكون في المكتب موظفون، من مجموعة مختارة يختارها المكتب والإدارة العليا، وهي غالبا ما تقوم بتحرير السطور باستخدام فوارق بسيطة للغاية بشكل يفضل السردية الإسرائيلية".
اظهار أخبار متعلقة
وأردف: "كان هناك ترتيب هش منذ فترة طويلة بين رقابة الجيش الإسرائيلي والصحافة المحلية والأجنبية، ما أجبر الصحفيين على فرض رقابة ذاتية في كثير من الأحيان على تقاريرهم خوفا من التعرض لمواضيع محظورة، وفقدان أوراق اعتمادهم الصحفية، واحتمال إجبارهم على تقديم اعتذار علني".
إلى ذلك، أكد التقرير على أن "سي إن إن، وافقت مثل غيرها من محطات البث الأمريكية، مرارا وتكرارا، على تقديم اللقطات المسجلة في غزة إلى الرقابة العسكرية قبل بثها مقابل وصول محدود إلى القطاع، ما أثار انتقادات من أولئك الذين يقولون إن الرقيب يقدم رؤية منقحة من الأحداث الجارية على الأرض".
وقال محرر مجموعة المراقبة المدعوة "العدالة والدقة في إعداد التقارير، جيم نوريكاس: "عندما يكون لديك بروتوكول يقوم بتوجيه جميع التقارير عبر نقطة تفتيش واحدة، فأنت مهتم بالتحكم، والسؤال هو من الذي يتحكم في الرواية؟".
وأضاف نوريكاس أن "فريق "سي إن إن" في القدس هم الأشخاص الأقرب إلى الحكومة الإسرائيلية. في موقف تُتهم فيه حكومة بمصداقية باستهداف الصحفيين بهجمات عنيفة من أجل التعتيم على المعلومات، فإن منح تلك الحكومة دورا أكبر في تحديد ما هو خبر وما هو ليس خبرا هو أمر مثير للقلق حقا".
وأضاف: "في حين استخدمت "سي إن إن" مكانتها للحصول على لقطات أولية للمعاناة الإنسانية داخل غزة، فقد قامت أيضا بنشر تحديثات شبه يومية يتم تسليمها مباشرة من الجيش الإسرائيلي إلى مشاهديها الأمريكيين والدوليين والمراسلين المرافقين للجنود الإسرائيليين الذين يقاتلون في الحرب".
وأشار إلى أنه "في وقت مبكر من الحرب، في 26 تشرين الأول/ أكتوبر، أرسل قسم المعايير والممارسات الإخبارية في "سي إن إن" بريدا إلكترونيا إلى الموظفين يوضح كيفية الكتابة عن الحرب".
قالت الرسالة: "تسيطر حماس على الحكومة في غزة، ويجب أن نصف وزارة الصحة بأنها 'تسيطر عليها حماس' عندما نشير إلى إحصاءات الضحايا أو غيرها من الادعاءات المتعلقة بالنزاع الحالي. إذا كانت الإحصائيات الأساسية مستمدة من وزارة الصحة في غزة، فيجب أن نشير إلى هذه الحقيقة، وأن هذا الجزء من الوزارة 'تسيطر عليه حماس' حتى لو كانت الإحصائيات صادرة عن الوزارة في الضفة الغربية أو أي مكان آخر".
اظهار أخبار متعلقة
وتمضي رسالة البريد الإلكتروني إلى الإقرار بمسؤولية "سي إن إن" عن تغطية التكلفة البشرية للحرب، لكنها توضح أن هذه المسؤولية بحاجة إلى "تغطية السياق الجيوسياسي والتاريخي الأوسع الحالي للقصة، مع الاستمرار في تذكير جمهورنا بالسبب المباشر لهذا الصراع الحالي، وتحديدا هجوم حماس والقتل الجماعي واختطاف المدنيين الإسرائيليين".
كذلك، طلبت الرسالة الإلكترونية من المراسلين والمحررين في "سي إن إن"، أن "يوضحوا لجمهورنا ما إذا كان أحد الجانبين أو كلاهما قد قدم أدلة يمكن التحقق منها لدعم ادعاءاتهم".
وفي توجيه منفصل بتاريخ 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، حذّر المدير الأول للمعايير والممارسات الإخبارية، ديفيد ليندسي، المراسلين من نقل تصريحات حماس، بالقول: "مع استمرار الحرب بين إسرائيل وغزة، ينخرط ممثلو حماس في الخطابات والدعاية التحريضية. لقد قيل معظمها مرات عديدة من قبل ولا تستحق النشر، يجب أن نكون حريصين على عدم منحها منصة".
وأضاف، مع ذلك، أنه "إذا قام مسؤول كبير في حماس بتقديم ادعاء أو تهديد ذي صلة من الناحية التحريرية، مثل تغيير رسائله أو محاولة إعادة كتابة الأحداث، فيمكننا استخدامه إذا كان مصحوبا بسياق أكبر".
وتعكس لغة التوجيهات أوامر مماثلة من إدارة "سي إن إن" في بداية الحرب في أفغانستان عام 2001، عندما أمر الرئيس والتر إيزاكسون المراسلين الأجانب في الشبكة، بالتقليل من شأن الوفيات بين المدنيين، وتَذكير القراء بأن العنف الذي كانوا يشاهدونه كان نتيجة مباشرة لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر أيضا، عيّنت شبكة "سي إن إن" جندية سابقة في جيش الاحتلال الإسرائيلي للمساهمة في الكتابة وإعداد التقارير لتغطية الحرب على الشبكة. يظهر اسم تمار ميخائيليس، على تقرير، لأول مرة، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر، بعد 10 أيام من عملية حماس على جنوب دولة الاحتلال الإسرائيلي.
منذ ذلك الحين، ظهر اسمها في عشرات المقالات نقلا عن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي ونقل معلومات حول عمليات جيش الاحتلال في قطاع غزة. تقرير واحد على الأقل ليس أكثر من مجرد بيان مباشر صادر عن الاحتلال.
ووفقا لملفها الشخصي على فيسبوك، اشتغلت تمار ميخائيليس في وحدة المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو قسم من جيش الاحتلال، مكلف بتنفيذ علاقات عامة إيجابية في الداخل والخارج. (في العام الماضي، اضطرت وحدة المتحدث الرسمي إلى إصدار اعتذار علني لإجراء عمليات نفسية، أو "psyops" ضد المدنيين الإسرائيليين). ومؤخرا أغلقت ميخائيليس ملفها الشخصي، الذي لا يشير إلى تواريخ خدمتها في جيش الاحتلال، ولم ترد على طلب للتعليق.
اظهار أخبار متعلقة
وكتب المتحدث باسم "سي إن إن": "عملت تامار ميخائيليس مع "سي إن إن" على أساس مستقل، لبضعة أشهر في العام الماضي، وعملت بنفس الطريقة التي يعمل بها أي صحفي مستقل، ضمن إرشاداتنا العادية".
وخضعت تغطية "سي إن إن" لحرب غزة، بغض النظر عن مصدرها، لعملية المراجعة الداخلية للمؤسسة الإخبارية لإعداد التقارير عن دولة الاحتلال الإسرائيلي وفلسطين. ووفقا لرسالة بريد إلكتروني اطلع عليها موقع "
ذي انترسبت"، قامت "سي إن إن" بتوسيع فريق المراجعة الخاص بها خلال الصيف، مع عرض الإصلاح الشامل المثير للجدل للنظام القضائي للاحتلال على البرلمان، ليشمل حفنة من المحررين من خارج الاحتلال، في محاولة لتسهيل العملية.
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني إلى موظفي شبكة "سي إن إن" في تموز/ يوليو، كتب رئيس مكتب القدس، ريتشارد غرين، أن "هذه السياسة موجودة لأن كل ما نكتبه أو نبثه عن إسرائيل أو الفلسطينيين يخضع للتدقيق من قبل الحزبيين من جميع الأطراف. ويهدف مكتب القدس إلى أن يكون شبكة أمان؛ حتى لا نستخدم لغة أو كلمات غير دقيقة قد تبدو محايدة، ولكن يمكن أن يكون لها معاني مشفرة هنا".
ولكن لأن البروتوكول قد يبطئ عملية النشر، كتب غرين: "لقد أنشأنا ما أسميناه عيون القدس الثانية"؛ فيما قال المتحدث باسم شبكة "سي إن إن" لموقع "ذي انترسبت"، إن "برنامج "عيون القدس الثانية" تم إنشاؤه لجعل هذه العملية سريعة قدر الإمكان، بالإضافة إلى جلب المزيد من الخبراء لتوظيفها على مدار اليوم، خاصة عندما تكون القدس مظلمة". بينما لم يرد المتحدث الرسمي على سؤال حول ما إذا كانت "سي إن إن" لديها عملية مراجعة مماثلة مطبقة في مجالات التغطية الأخرى.
اظهار أخبار متعلقة
ووصف موظف "سي إن إن" كيفية عمل السياسة عمليا. وقال ذلك الشخص: "إن 'جريمة الحرب' والإبادة الجماعية' مصطلحان محظوران. والقصف الإسرائيلي في غزة يشار إليه على أنه "تفجيرات" لا تُنسب إلى أحد، حتى يقرر الجيش الإسرائيلي قبول المسؤولية أو إنكارها. تميل الاقتباسات والمعلومات المقدمة من الجيش الإسرائيلي والمسؤولين الحكوميين إلى الموافقة عليها بسرعة، في حين أن تلك الواردة من الفلسطينيين تخضع للتدقيق الشديد والمعالجة ببطء".