تثوير الخلافات الطائفية حين التداعي لنصرة غزة.. ما تداعياته وعلاجه؟
بسام ناصر06-Jan-2401:14 PM
0
شارك
النزوع إلى إثارة الخلافات الطائفية والمذهبية والفكرية حين يتداعى العرب والمسلمون لنصرة بلد يتعرض لعدوان ظالم يفتح الباب أمام أسئلة الواجب الشرعي حيال ذلك.
كان لافتا في الحراكات والتفاعلات الشعبية في العالمين العربي
والإسلامي ضد العدوان الوحشي على غزة وأهلها، ظهور توجهات تسعى لإثارة الخلافات
الطائفية والمذهبية والفكرية بين المسلمين وتأجيجها، ما نتج عنه ازدراء أية جهود
ميدانية، أو التقليل من شأن أي مشاركات سياسية وإعلامية بحجة أنها تأتي من أطراف
خارج أهل السنة والجماعة أو منحرفة عن منهجهم وطريقتهم.
ووفقا لمراقبين فإن أصحاب تلك التوجهات لا ينفكون عن التحذير من تلك
الجهود والمشاركات باعتبار أنها تأتي من جهات وقوى لها مصالحها وسياساتها الخاصة
بها، وتسعى لتحقيق أجندات طائفية ومذهبية في المنطقة، في إطار سياسات الهيمنة وبسط
النفوذ عبر أذرعها وامتداداتها من قوى وأحزاب وتنظيمات معروفة، أو من حركات
وشخصيات منحرفة وضالة لا ينبغي الاعتداد بها أو الترويج لها.
صانع المحتوى الموريتاني محمد لغظف ولد أحمد وصف تلك الظاهرة في بعض
تجلياتها الواقعية بالقول: "العرب والمسلمون لديهم الآن مأساة الأهل في غزة،
يتفقون جميعا على ضرورة إيقافها، ويتفقون على بشاعتها، لكن بسبب الشعبوية
والطائفية والمذهبية يصر البعض منا على رفض كل جهد مناصر لغزة لأن صاحب ذلك الجهد
يخالفه مذهبيا أو طائفيا أو سياسيا".
وأضاف في فيديو منشور على اليوتيوب: "تنشر كلاما في نصرة غزة لمفتي سلطنة عمان، فيقولون لا
نريد نصرته لأنه إباضي قال كذا وفعل كذا، تأتي بكلام للدودو في نصرة غزة، يقولون
لا هذا إخواني ما كان عليك أن تنشر له" معقبا على تلك التوجهات بالقول
"يا جماعة لديكم أزمة كبرى طارئة تتفقون على بشاعتها، وتتفقون على ضرورة
إنهائها وحدوا جهودكم لإنهاء هذه الأزمة، وبعد ذلك تفرغوا للخلافات الحزبية
والمذهبية..".
إن النزوع إلى إثارة الخلافات الطائفية والمذهبية والفكرية حين
يتداعى العرب والمسلمون لنصرة بلد يتعرض لعدوان ظالم يفتح الباب أمام أسئلة الواجب
الشرعي حيال ذلك، فهل من الحكمة الدينية والواقعية إثارة تلك الخلافات وتأجيجها في
مثل تلك الأوقات العصيبة أم الواجب يحتم على الجميع الكف عن ذلك والانشغال بواجب
النصرة والدعم والمساندة؟
الأمر يعود برمته إلى "تدني الوعي الشرعي والسياسي والفكري لدى
عدد كبير من المسلمين خاصتهم وعامتهم، وهو ما جعلهم عاجزين عن استيعاب واقع الخلاف
المذهبي والطائفي في مجتمعات الأمة المعاصرة، حين جهلوا أن اختلاف الناس في
المعتقدات والمذاهب هو مقتضى إرادة الله الكونية" حسب الأكاديمي المغربي،
المتخصص في أصول الفقه ومقاصد الشريعة، الدكتور محمد رفيع.
محمد رفيع.. متخصص في أصول الفقه ومقاصد الشريعة
وأضاف: "وهو ما يتعين بها لا معارضتها، يقول تعالى (ولو شاء الله
لجعلكم أمة واحدة)، وقال (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم..)،
مضيفا "فالاختلاف الحاصل في المجتمعات بجميع أنواعه آية من آيات الله، يجب
التسليم به، وإنما كلفنا شرعا بحسن تدبيره، على قواعد التواصل والتعارف والتعاون
على الجوامع المشتركة، والمصالح المؤتلفة".
واستشهد الباحث رفيع في حواره مع "عربي21" بقوله تعالى
(وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، وبقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا
تعاونوا على الإثم والعدوان)، "فلا يشترط في المتعاونين والمتضامنين أن يتفقوا في
كل شيء، فما يجري في غزة من عدوان بربري همجي صهيوني غير مسبوق، مدعوم أمريكيا
وأوروبيا، ومن كل صهاينة العالم، يفرض على المسلمين على سبيل الوجوب العيني بكل
طوائفهم ومذاهبهم أن يهبوا لنصرة إخوانهم، كل من موقعه، وحسب وسعه".
وتابع: "كما يفرض على كل أحرار العالم أن يهبوا جميعا للتضامن،
كما حصل ويحصل الآن في مختلف مناطق العالم، لأن القضية الفلسطينية أعدل قضية
إنسانية في العالم، وعلى المسلمين أن يكونوا في مستوى اللحظة التاريخية الراهنة،
وأن يسموا بوعيهم، فيعملوا على توسيع دائرة التعاون والتحالف العابرة للمذاهب
والطوائف والمعتقدات والأديان، لتضييق الخناق على الصهاينة".
وعن إثارة الخلافات والحسابات الطائفية والمذهبية، والتقليل من
إسهامات بعض الطوائف في نصرتها لأهل غزة، في سياق معركة طوفان الأقصى المشتعلة
الآن، وصف رفيع ذلك بأنه "تحريف لبوصلة المعركة، ومناقض للمصلحة الأولوية
الزمنية العظمى للأمة ولأهلنا في غزة".
وتساءل: "فبأي عقل، وبأي منطق نستخف بمساهمة طوائف الشيعة في
المعركة، وإسهامهم واقع حاصل ماله من دافع، ثم نغض الطرف عن سلسلة الأنظمة العربية
السنية المتخاذلة والمتآمرة على أهل غزة ومقاومتها؟، فالواجب الزمني الآن هو
التركيز على المعركة واستنفار الجميع، مع شكر وتقدير كل من أسهم في المعركة، مهما
قل إسهامه"، بحسب قوله.
من جهته أوضح الباحث الشرعي في دائرة الإفتاء الأردنية، الدكتور حمزة
مشوقة أن "أكثر المتدينين الذين يدرسون العلم الشرعي يتجهون اتجاهات مذهبية،
وهذا غير مذموم بحد ذاته، لأن كل مذهب له تصوراته وأصوله وفروعه، وحق العلم يقتضي
تحقيق المسائل العلمية وتحييد الجوانب العاطفية".
حمزة مشوقة، باحث شرعي في دائرة الإفتاء الأردنية
وتابع: "لكن الإشكالية تتمثل عندما يقف أغلب هؤلاء الدارسين عند
الخلافات المذهبية حتى يصبغوا بها عقولهم وقلوبهم وأرواحهم، فتنقلب المبادئ
الإسلامية العامة مثل الأخوة والموالاة والإنصاف والعدل والإحسان لمفاهيم تربط
بينهم وبين أبناء مذهبهم، ويصبح التعامل مع أهل دينهم من المذاهب الأخرى كالتعامل
مع أهل الكتاب".
ونبَّه مشوقة في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "ما يلزم كل
مذهبي أن يعلمه أن أصولا عامة للدين الإسلامي تتفق عليها أغلب المذاهب الإسلامية،
وهذه الأصول تجمعه مع المنتمين لتلك المذاهب، كما يلزم المذهبي أن يدرك أن للمعركة
التي تعيشها أمتنا اليوم حقوقا، وحق المعركة يتعلق بالأزمات والمؤامرات التي تتعرض
لها الأمة، وكيف نواجهها كمسلمين في صف واحد بعيدا عن الخلافات المذهبية".
وعن دور العالم والمتخصص في علوم الشريعة لفت إلى أهمية أن
"يكون صاحب بصيرة بفقه الأولويات وفقه الموازنات، وهو ما يحتاج إلى خبرة
فقهية عالية ليستطيع التمييز بين المصالح والمفاسد المتعارضة، وإدراك أخف
المفسدتين وأعظم المصلحتين فتصبح فتواه أقرب لروح الشريعة، ويصبح صاحب بصيرة بفقه
الواقع، وكيفية إنزال أحكام الشريعة على الواقع الذي يعيشه، فيكون فقهيا للأمة بكل
ما تحمله الكلمة من معنى".
وفي ذات الإطار شدد الباحث اليمني، المدرس للعلوم الشرعية، الدكتور
عبد الفتاح اليافعي على أننا "أحوج ما نكون هذه الأيام إلى الاتحاد
والاجتماع، وتوحيد الكلمة، وتضافر الجهود لمواجهة العدوان الذي يشنه العدو
الصهيوني على أهلنا في غزة، وفلسطين، والمسجد الأقصى، بما له من قدسية خاصة عند
المسلمين".
عبد الفتاح اليافعي، باحث يمني ومدرس للعلوم الشرعية
وردا على سؤال "عربي21" إذا كان واجب المسلمين جميعهم نصرة
إخوانهم في غزة، فهل يصح شرعا وواقعا رفض جهود بعضهم لبعض أو التقليل منها
لاعتبارات طائفية ومذهبية وفكرية.. استشهد اليافعي بواقعة حضور النبي صلى الله
عليه وسلم لحلف الفضول قبل البعثة، وما قاله بعد البعثة: "لقد حضرت في دار ابن
جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت".
وأردف: "وهو حلف على نصرة المظلوم من المشركين، لأنه كان قبل
البعثة، فإذا كان التعامل مع المشرك في الخير مطلوب فكيف مع المسلم، فالواجب هو
تكاتف المسلمين وتعاونهم مهما اختلفوا لإخراج المحتلين من بلاد المسلمين، لا سيما
المحتل المغتصب لأرض فلسطين والمسجد الأقصى".
ودعا المسلمين في ختام حديثه إلى "تحكيم الشريعة، وتحكيم العقل،
فالشريعة تدعوهم للألفة والمحبة والتعاون، والمحافظة على حقوق الأخوة الإسلامية
بصرف النظر عن مذاهبهم وطوائفهم، مع مناصحة بعضهم بعضا بـأدب وتواضع، وفي ذلك ما
يعينهم على تجاوز النظرات الضيقة التي ترسخ تشرذمهم، وتشتت جهودهم، وتضعف جبهتهم
الداخلية".