نشرت صحيفة "إيكونوميست" البريطانية تقريرًا سلط الضوء على ثلاث مفاجآت محتملة يمكن أن تُشعل أسواق السلع الأولية في سنة 2024، حيث إن الأسواق العالمية قد تواجه تحديات متزايدة نتيجة تأثر إمدادات السلع الأولية بعوامل مثل الطقس والجيوسياسة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه مع استمرار روسيا في قصف كييف، فقد بدأت العقوبات الغربية في شل مشروع الغاز الطبيعي المسال الثاني في القطب الشمالي، وهو أكبر مشروع لتصدير الغاز لدى روسيا. وفي البحر الأحمر، الذي يمر عبره 10 بالمائة من النفط المنقول بحرًا في العالم، تحاول القوات الأمريكية صدّ هجمات الطائرات المسيرة التي يشنها الحوثيون في اليمن.
وفي 3 كانون الثاني/ يناير، أوقفت الاحتجاجات المحلية الإنتاج في حقل نفط ليبي بالغ الأهمية. ويهدد الجفاف الشديد في منطقة الأمازون بعرقلة شحنات الذرة من البرازيل، أكبر مصدر للحبوب في العالم.
رغم كل هذا يسود الهدوء في أسواق السلع الأساسية بطريقة ما، فقد انخفض مؤشر بلومبيرغ للسلع، وهو المؤشر الذي يغطي أسعار المواد الخام، بأكثر من 10 بالمائة في سنة 2023، وانخفضت أسعار النفط بنسبة 12 بالمائة خلال الربع الماضي، وبالتالي فهي أقل بكثير من مستويات سنة 2022.
وتحوم أسعار الغاز الأوروبية بالقرب من أدنى مستوياتها منذ سنتين، والحبوب والمعادن رخيصة أيضًا، ويتوقع النقاد أن يستمر الوضع خلال هذه السنة.
اظهار أخبار متعلقة
وأوضحت الصحيفة أن الأسواق تكيفت بعد الصدمات المتعاقبة التي ألهبت الأسعار في أوائل العقد الحالي، لكن استجابة العرض للأسعار المرتفعة، في هيئة زيادة في الناتج وإعادة تشكيل للتدفقات التجارية، هي التي تجعل العالم أكثر قدرة على مقاومة الصدمات اليوم. ويشعر المستثمرون بالارتياح لأن مستويات العرض للعديد من السلع تبدو أفضل مما كانت عليه منذ أواخر سنة 2010.
عرضت الصحيفة النفط كمثال، ففي سنة 2023، كانت زيادة الإنتاج من الدول خارج تحالف أوبك+ كافية لتغطية الارتفاع في الطلب العالمي، ما دفع التحالف إلى خفض إنتاجه بنحو 2.2 مليون برميل يوميًا، وهو ما يعادل 2 بالمائة من العرض العالمي، في محاولة للحفاظ على استقرار الأسعار. ومع ذلك، فلم تتمكن السوق من تحقيق فائض إلا في الربع الأخير من العام، وتتوقّع شركة البيانات "كبلر" أن يبلغ متوسط العرض الزائد 550 ألف برميل يوميًا في الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2024، وهو ما سيكون كافيًا لتجديد المخزونات تقريبًا بقدر ما انخفضت خلال أشهر الصيف الحارة.
وأضافت الصحيفة أن جنون الشراء الأوروبي منذ بداية الحرب الروسية والشتاء المعتدل ساعدا في الحفاظ على مستويات تخزين الغاز عند حوالي 90 بالمائة من طاقتها، وهو أعلى بكثير من متوسط الخمس سنوات الماضية. وبافتراض عدم تغير الطقس وعدم حدوث اضطرابات كبيرة، فقد تظل المخزونات ممتلئة بنسبة حوالي 70 بالمائة بحلول نهاية آذار/ مارس، وسوف تعمل هذه الوفرة على إبقاء أسعار الغاز منخفضة في كل من أوروبا وآسيا، وهذا من شأنه أن يحفز بدوره المزيد من التحول عن الفحم إلى الغاز في توليد الطاقة في كل مكان، وسيساعد ذلك على خفض أسعار الفحم التي تراجعت بالفعل بسبب الزيادة الضخمة في الإنتاج في الصين والهند.
وأضافت الصحيفة أن الإمدادات المستخرجة من الليثيوم والنيكل تزدهر أيضًا، ولا تزال أسعار الكوبالت صامدة، الأمر الذي يؤدي إلى تثبيط أسعار المعادن الخضراء. وتدفع زيادة زراعة الحبوب وفول الصويا والطقس المعتدل الخبراء إلى توقع إنتاج قياسي في الفترة 2024-2025، ما سيؤدي إلى رفع متوسط نسبة المخزون لدى مصدري المواد الغذائية من 13 إلى 16 بالمائة، وهو المستوى الذي شهدوه آخر مرة في 2018-2019، وذلك بحسب بنك رابوبنك الهولندي.
وأفادت الصحيفة بأن وفرة العرض تشير إلى هدوء النصف الأول من العام، ثم يمكن أن تتقلص الفوائض، لكن التأخير في بعض مشاريع محطات تسييل الغاز الأمريكية، التي كان من المقرر في الأصل أن تبدأ التصدير في سنة 2024، من شأنه أن يحبط الجهود الأوروبية لإعادة تخزين الغاز، وسوف يؤدّي انخفاض أسعار الحبوب إلى سحق هوامش أرباح المزارعين، ما يهدد الزراعة، وستكون الأسواق أكثر عرضة للصدمات، ومن بينها ثلاث صدمات بارزة: انتعاش اقتصادي حاد، والطقس السيئ، والصراعات العسكرية.
اظهار أخبار متعلقة
وسواء تمكنت الاقتصادات الكبرى من تجنب الركود أم لا، فمن المتوقّع أن تكون وتيرة النمو العالمي بطيئة، وهو ما يعني ضمنيًا نموًا متواضعًا في الطلب على المواد الخام، ومن المتوقع أيضًا أن ينحسر التضخم، وبالتالي ستكون السلع الأساسية أقل جاذبية كأداة للتحوط المالي، ومقارنة بأميركا، يبدو الأمر أقل ترجيحًا في الصين، البلد الرائد المعتاد في أسواق السلع الأساسية، حيث قد سيتم خفض أسعار الفائدة قريبًا. ووفقاً لحسابات بنك ليبروم، فإن زيادة بمقدار نقطة مئوية واحدة في توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي السنوي من شأنها أن تعزّز الطلب على السلع الأساسية بنسبة 1.5 بالمائة.
أوضحت الصحيفة أن الطقس قد يكون له تأثير أعمق، وتعتقد شركة ريستاد الاستشارية للطاقة أن استمرار البرد القارص قد يجبر أوروبا على استخدام 30 مليار متر مكعب إضافية من الغاز، أو ما يعادل 6-7 بالمائة من الطلب المعتاد، وقد يدفع ذلك المنطقة إلى التنافس بقوة أكبر مع آسيا على الإمدادات. وسوف تكون المفاجأة المناخية أكثر إزعاجًا في أسواق القمح، خاصة إذا أثرت على روسيا، التي حققت حصادًا وافرًا منذ سنة 2022، والآن بدأت في تفريغ مخازن القمح لتغطية العجز، ونظرًا لارتفاع الاستهلاك، الذي من المتوقع أن يصل إلى مستويات قياسية هذا الموسم، فإن مخزونات القمح العالمية تتجه بالفعل إلى أدنى مستوياتها منذ 2015-2016.
بالنسبة للحرب، فإن المواجهات البحرية قد تؤدي إلى هز الأسعار حيث يُنقل أربعة أخماس صادرات روسيا الغذائية عبر البحر الأسود، وكذلك مليوني برميل يوميا من النفط الخام. وحسب خورخي ليون من شركة ريستاد، فإن اندلاع أعمال عدائية في البحر الأحمر يمكن أن يتسبب في ارتفاع أسعار النفط بنسبة 15 بالمائة على المدى القصير، لكن حربًا تشارك فيها إيران ودول الخليج الأخرى، حيث تكمن معظم الطاقة الإنتاجية غير المستخدمة اليوم، هي التي قد تسبب الفوضى حقًا. وتكرر احتمالية الأسعار المرعبة كالتي تم التنبؤ بها في آذار/ مارس 2022 عندما كان من الممكن أن يصل سعر البرميل إلى 200 دولار.
وبحسب الصحيفة، فإنه وحده حدثٌ متطرف أو مزيج من أحداث أقل تطرفاً يمكن أن تعرض أسواق السلع الأساسية للصدمة، وهذا ليس أمرًا مريحًا كما يبدو، فقد صدمتهم عدة أحداث غير محتملة مماثلة في هذا العقد.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)