هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كانت مجلة
"فورين أفيرز" نشرت مقالا للباحث الكسندر ستارك من "راند
كوربوريشن"، دعا فيه لعدم ضرب الحوثيين في اليمن، لكن أعقب ذلك شن الولايات
المتحدة سلسلة غارات استهدفت مواقع لجماعة الحوثي في اليمن فجر الجمعة. إظهار أخبار متعلقة إظهار أخبار متعلقة إظهار أخبار متعلقة إظهار أخبار متعلقة إظهار أخبار متعلقة
وقال مصدر قيادي في
جماعة الحوثي لـ"عربي21"؛ إن أمريكا وبريطانيا شنتا غارات على
مواقع تابعة للجماعة في عدد من المحافظات، بينها العاصمة صنعاء ومحافظة
الحديدة الساحلية على البحر الأحمر.
ونقلت رويترز،
عن أربعة مسؤولين أمريكيين، قولهم؛ إن الولايات المتحدة وبريطانيا شنتا ضربات ضد
أهداف مرتبطة بالحوثيين في اليمن
وقال مسؤول
دفاعي أمريكي؛ إن الهجمات شاركت فيها سفن وطائرات حربية وغواصات.
وذكر المقال أن
النزاع بين الولايات المتحدة والحوثيين في البحر الأحمر يتصاعد بشكل ثابت، ففي 31
كانون الأول/ديسمبر حاولت القوارب الصغيرة التابعة للحوثيين ضرب سفينة تجارية،
وردت البحرية الأمريكية على الهجوم، وأطلق الحوثيون الذين يسيطرون على منطقة تقيم
بها نسبة 80% من سكان اليمن على الضربات، ورد الأمريكيون بالمثل، حيث أغرقوا ثلاثة قوارب حوثية وقتلوا 10
من طواقمها.
وفي 9 كانون
الثاني/يناير شن الحوثيون واحدا من أكبر هجماتهم التي استخدموا فيها صاروخين
مضادين للسفن، و18 مسيرة قتالية، وصاروخا باليستيا مضادا للسفن، واعترضتها البحرية
الأمريكية والبريطانية.
ويمثل الحادث، آخر الاشتباكات منذ تشرين الثاني/نوفمبر، حيث شن
الحوثيون أكثر من 20 هجوما على السفن التجارية العابرة لمضيق باب المندب، المعبر
الحيوي لنسبة 15% من التجارة العالمية. وصور الحوثيون هجماتهم بأنها رد على العدوان
الإسرائيلي ضد غزة.
وأجبرت عملياتهم
عددا من السفن التجارية على تغيير مسارها، حيث حولت طريقها عن البحر الأحمر إلى
القرن الأفريقي، وزادت 10 أيام على الرحلة، بدلا من الطريق الأسرع الذي يمر عبر
قناة السويس.
ولم تتسبب
الهجمات بعد، بعرقلة مهمة للتجارة العالمية، لكن استمرارها قد يزيد من أسعار النفط
والسلع الإستهلاكية حول العالم. وردا على التحركات الحوثية، شكلت الولايات المتحدة
وعدد من شركائها مبادرة لحماية السفن بمنتصف كانون الأول/ديسمبر، وأصدرت في 3 كانون
الثاني/يناير ما نظر إليه كتحذير نهائي قبل البدء بضرب أهداف حوثية.
ونفذت الولايات المتحدة تهديدها، ليل الخميس الجمعة، حيث أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أنّ
الولايات المتحدة وبريطانيا وجّهتا "بنجاح" ضربات للحوثيين، ردا على
هجماتهم على سفن في البحر الأحمر، فيما أكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن
الضربات كانت "ضروريّة" و"متناسبة".
من جانبه، أكد
المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام أنهم سيواصلون استهداف السفن المرتبطة
بإسرائيل في البحر الأحمر، رغم الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية.
وكان ستارك كاتب
المقال، قد حث الولايات المتحدة، قبيل شن الضربات، على تغليب النهج الدبلوماسي، بدلا من الضربات الانتقامية، وذلك لما سوف تتركه هجماتهم من تداعيات خطيرة على
التجارة العالمية.
وربما بدا الحوثيون وكأنهم وافدون جدد على عناوين الصحف العالمية
الأولى، إلا أنهم يقارعون الولايات المتحدة وشركاءها في منطقة الخليج منذ عقدين.
وأشار إلى أنه
"لم ينجح أسلوب القوة معهم، سواء من نظام علي عبد الله صالح، أو التحالف الذي
قادته السعودية الهادف لإعادة الحكومة الشرعية، التي أطاح بها الحوثيون في 2015، بل
وقواهم ودفعهم لتحديث أساليبهم وتعديلها، وتصوير أنفسهم على أنهم حركة مقاومة تدافع
عن شرعيتها".
وبالتأكيد، فهذا
ما حصلت عليه الحركة التي كانت تعاني قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر من مشاكل داخلية،
إلا أن هجماتها ضد الاحتلال وفي البحر الأحمر زادت من شعبيتها في اليمن وبالمنطقة
بشكل أوسع. وعليه، رأى الكاتب أن الضربات الانتقامية من احتمالات ستزيد انتشار
الحرب في غزة وتوسعها بالمنطقة وتجدد الحرب الأهلية في اليمن.
وبين ستارك أنه ليس
لدى الولايات المتحدة خيارات جيدة في اليمن، لكن الخيار الدبلوماسي وحماية السفن
في البحر الأحمر هو الخيار الأقل سوءا، حسب رأيه.
وتعود جذور
الحركة الحوثية أو "أنصار الله" إلى سنوات التسعينيات، حيث ظهرت ردا على
انتشار الوهابية في مناطقها، ومن أجل تأكيد الهوية الزيدية التي تنتشر في شمال
اليمن ومناطق الجنوب السعودي. وهي تختلف عن التيارات الرئيسية الشيعية من ناحية
اعترافها بخمسة أئمة، وليس 12 إماما كتلك المنتشرة في إيران والعراق ولبنان.
وحظيت الحركة
بدعم خارج مناطقها؛ نظرا لمعارضتها لنظام صالح وتحالفه مع الولايات المتحدة في
"الحرب على الإرهاب". وعلى خلاف التصوير الطائفي للحرب في اليمن، أي
شيعة وسنة، إلا أنه منذ بداية القرن الحادي والعشرين، أصبحت معارضة أنصار الله
لصنعاء محفزا لتوحيد سكان شمال اليمن الذين شعروا بالإهمال والنبذ السياسي
والتهميش الديني، حسب الأنثروبولوجي ماريك براندت الذي درس صعود الحركة الحوثية.
ردا على صعود
أنصار الله في 2004، شن صالح ست جولات من الحرب معها، وقتل زعيمها حسين بدر الدين
الحوثي، لكن الحرب لم تضعفها، بل وزادت من أتباعها وأكدت قيادة العائلة الحوثية
لها.
واستفاد
الحوثيون من الفراغ الذي تركه سقوط صالح في الربيع العربي، وفشل الحوار الوطني
وحكومة عبد ربه منصور هادي، حيث سيطروا على صنعاء في 2014. وكان وصولهم إلى
العاصمة ومحاولتهم السيطرة على كامل البلاد، مثار قلق جيران اليمن.
وفي الوقت نفسه، بدأ الحوثيون بتلقي الدعم من إيران التي تعد منافسا للسعودية والإمارات، وهو ما
دفعهما لقيادة تحالف حظي بدعم أمريكي وبريطاني وفرنسي للإطاحة بالحوثيين عسكريا، إلا أن الحرب خلقت ما أسمته الأمم المتحدة أسوأ كارثة إنسانية في العالم، وأدى
القصف الجوي لمقتل ما يقدر عددهم 9,000 شخص وتشريد أكثر من مليوني يمني وجعل 21
مليون نسمة، أي ثلثي السكان معتمدين على المساعدات الإنسانية.
ومع توطيد
الحوثيين سلطتهم في معظم شمال اليمن، بدؤوا جهود تأكيد حضورهم الإقليمي، ومن خلال
قناة "المسيرة" في بيروت، أنتجوا محتوى باللغة العربية والإنكليزية، قدموا فيه منظورهم لجمهور أوسع.
كما حظيت
الأشعار التقليدية التي عبرت عن معارضة لأمريكا والاحتلال الإسرائيلي وحولت فيديو
كليب على مشاهدات خارج الجمهور اليمني التقليدي.
ولفهم أهداف
الحوثيين، فمن المهم النظر إلى ما يقولونه أنفسهم؛ فشعارهم أو (الصرخة) الذي ظهر عام
2003 مطبوعا على راية خضراء وحمراء، ويعكس هتاف الثورة الإسلامية في إيران، يعلن عن
قيم الحوثيين وأهدافهم بشكل واضح: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت
لإسرائيل، اللعنة على اليهود، والنصر للإسلام".
ومن هنا، أطر
قادة الحوثيين هجماتهم الأخيرة في البحر الأحمر في سياق الحرب بغزة، وأنهم يريدون
الضغط على الاحتلال لتخفيف وتيرة الحرب هناك.
لكن هذا الخطاب
البلاغي، أعطى الحوثيين فرصة لبناء الشرعية
في اليمن والشرق الأوسط، وحرف الانتباه عن فشلهم في الداخل، حيث تراجعت شعبيتهم؛ نظرا لعدم قدرتهم على دفع النمو
الاقتصادي في بلد يعد الأفقر في العالم العربي.
وكذا حرف
الانتباه عن حكمهم القمعي وسجن وإعدام الصحفيين واعتقال المتظاهرين السلميين
والنساء والفتيات. ويرى الكثير من اليمنيين أن الحوثيين راغبون بإقامة نظام
ديكتاتوري ديني وتأكيد مصالح وسلطة النخبة الزيدية.
وفي
أيلول/سبتمبر، واجه الحوثيون احتجاجات لعدم دفعهم الرواتب وتقديم الخدمات، وهو ما
قادهم للاعتراف بأنهم يواجهون مشكلة، وأعلنوا في الشهر نفسه عن خطة للتغيير ومكافحة
الفساد، إلا أن الحرب في غزة أنقذتهم.
وكشف استطلاع
لمركز البحوث السياسية والمسحية في رام الله، أن سكان غزة والضفة الغربية عدّوا
رد الحوثيين على الحملة العسكرية الإسرائيلية في القطاع الأفضل بالمنطقة.
وقدم الحوثيون
التظاهرات الحاشدة في مدن اليمن كدليل على دعم فلسطين والفلسطينيين. وعلى مستوى
المنطقة، استخدم الحوثيون الحرب لتأكيد أهميتهم لمحور المقاومة الذي تتزعمه إيران، ويضم دولا ولاعبين من غير الدول، ويهدف إلى محاصرة منافسيها وأعدائها مثل السعودية ودولة
الاحتلال.
وتثمن إيران
العلاقة مع الحوثيين، وتستخدمهم لمواصلة تأثيرها وواجهة لنفي مسؤوليتها عن أية
أعمال، كما في هجمات 2019 ضد المنشآت النفطية السعودية، التي أعلن الحوثيون
مسؤوليتهم عنها، بحسب المقال.
وتعمقت العلاقة مع طهران في أثناء الحرب الأهلية، وحصل الحوثيون على أنظمة دفاعية متقدمة، استخدموها حتى الهدنة في نيسان/أبريل 2022
لضرب السعودية والإمارات.
ومنذ عام 2016
تقريبا، قدم فيلق القدس التابع للحرس الثوري الخبرات التكنولوجية للحوثيين من أجل
تجميع المسيرات والصواريخ محليا، وهذا يفسر قدرتهم الحالية على إطلاق الصواريخ
باتجاه الاحتلال واستهداف السفن التجارية.
وفي ظل الوضع
الحالي، يجب على الولايات المتحدة ضرب الحوثيين في البحر الأحمر لحماية الملاحة،
لكن الخيارات أمامها كلها سيئة، ويرى محللون واستراتيجيون أن الضربة العسكرية مهمة
لتأكيد الردع، حيث ينظر الداعون لهذا الخيار إلى الهدنة التي رعتها أمريكا عام
2022، كفشل في سياسة الترضية للحركة.
وقد رأى الكاتب
أن دعاة الغارات على الحوثيين ليس لديهم رؤية مقنعة لما سيحدث بعد الضربات، فمن
الصعب النظر إلى الكيفية التي ستنجح فيها أمريكا بسياسة الردع اليوم، وقد فشلت على
مدى عقد أو يزيد.
وربما نجحت
الغارات بإضعاف قدرات الحوثيين العسكرية، إلا أنه من الصعب التكهن بقدرتها على محو
القوة العسكرية ومواجهة تكنولوجيا تستخدمها الحركة، لا تكلف إلا القليل من المال
بتكنولوجيا باهظة الكلفة.
وفي السياق نفسه،
فلن يترك لجوء الولايات المتحدة إلى تصنيف الحوثيين كحركة أجنبية إرهابية، أثره
المرغوب، كما فعل دونالد ترامب؛ ذلك أن قادة الحركة تحت وطأة العقوبات، إلا أن هذا
لم يؤثر على عملياتهم العسكرية.
وفي النهاية، يرى
الباحث أن مدخلا يجمع ما بين الردع والدبلوماسية هو الخيار الأقل سوءا. الردع مهم
لوقف العدوان الحوثي ومنع ضرباتهم، ويجب أن ترفق عملية الردع بعملية سياسية برعاية
الأمم المتحدة، تجعل من الهدنة الحالية دائمة بشكل يقود إلى تسوية بين الأطراف
المتنازعة بشأن مستقبل اليمن.
وعلى الولايات
المتحدة أن تدفع، في الوقت نفسه، لوقف الحرب في غزة وتسوية بين الفلسطينيين
والإسرائيليين، مما سيجرد الحوثيون من مبرر استهداف السفن.
ويقول الكاتب: أحببنا
أم كرهنا، فقد حصل الحوثيون على دعم محلي وإقليمي لربطهم العمليات بالبحر الأحمر
بما يجري في غزة. وفي النهاية، لن تعالج هذه الخيارات التهديد الذي يمثله
الحوثيون على المصالح الأمريكية، لكنها
الأفضل من الخيارات السيئة، وليس أمام الولايات المتحدة إلا خيارات سيئة بسبب
تعاملها الفاشل مع اليمن على مدى العشرين عاما الماضية.
وعليها التعلم
من أخطاء الماضي، فمحاولة الإطاحة بالحوثيين عسكريا، لن تؤدي إلا إلى مزيد من
الدمار على حياة الناس العاديين.