مارد الطغيان
أكثرنا وبالذات من عاش تحت وطأة
الظلم والطغيان داخله مارد مقموع غاضب مشوه ثائر، يحس بالظلم لكن ليس لأنه ظلم بل لأنه
يتعرض له، إنه مارد الطغيان الصغير الذي يبرز أحيانا برأسه في التعاملات البينية
لكنه يبقى في معاناة قمعه من البيئة، وعندما تحين الفرصة سنجد أن هذا الطاغية
الصغير الساكن فينا يتحول إلى مارد مسخ يجتر غضبه في وقت ينبغي أن يرقد ليكون
القائد حاضنة الجميع.
إننا
إن كرهنا الظلم لجنس الظلم وكرهنا عمل السوء وليس من يعمله، سنبقى في مأمن من
طغياننا والجلوس موضع الظالم وسلوك سلوكه.
الظلم
شطط وجنوح وسيطرة غريزة على الإنسان في حب التملك بقناع الإخلاص والمحبة، فلا
الظالم شخصية قوية ولا من يفرض إرادته على الآخرين شخصية قوية، ورغم أن هذا يدخل
في تعريف الشخصية القوية في العرف الغربي إلا أنه تشوه وضعف سيطرة على الذات،
واستعمار الغرائز للمنظومة العقلية التي تتمكن من إبراز وتمكين الظلم وتشريعه
بقوانين يخضع لها الجميع مقهورا، وإن بدا مقتنعا إلا أنه مستسلم لواقع الحال فلا تجد
ضعفا في العلاقات البينية إلا من خلال توقع المصلحة والحاجة للآخر.
الظلم شطط وجنوح وسيطرة غريزة على الإنسان في حب التملك بقناع الإخلاص والمحبة، فلا الظالم شخصية قوية ولا من يفرض إرادته على الآخرين شخصية قوية، ورغم أن هذا يدخل في تعريف الشخصية القوية في العرف الغربي إلا أنه تشوه وضعف سيطرة على الذات، واستعمار الغرائز للمنظومة العقلية التي تتمكن من إبراز وتمكين الظلم وتشريعه بقوانين يخضع لها الجميع مقهورا
محبة
موقع الظالم يعني انهيارا للقيمة الإنسانية وتقديم غريزة حب السيادة مسبقا وإعطاءها
سلطة على المنظومة العقلية بشكل مبكر، وعندها ستتمكن بقية الغرائز من الدخول
لإنتاجٍ فاسدٍ ومجتمع مختل متحلل من القيم إلا بالكلام وزعم البراءة واستثارة
التعاطف لتبرير كل سقطاته وخياراته السيئة، لأن معظم هؤلاء إن تمكنوا فجروا.
حقيقة
ليست بالمثالية أن من يحب إنسانا أو أمة أو شعبا من هذه الأمة سيبحث عن سعادته من
خلال إسعادهم، أما هذا الحب الذي تشوبه غرائز كحب السيادة والتملك فهو تشويه
للقيمة الراقية للعلاقات السليمة أو المشاعر الإنسانية التي تهفو للخير والقيمة
لإنسان مكرّم.
الطغيان القاهر وتشويه الديمقراطية:
الطغيان
كما نوهنا هو طغيان الغرائز وإن وجدنا دهاة فهذا يعني سيطرة الغرائز على منظومة
العقل واستعمارها وتشغيلها لتحقيق رغبات ونزوات وربما أهداف بعضها يبدو عظيما
لهؤلاء الطغاة، فمن ينظر للأمر من باب الحسن والقبيح سيتيه في فهم الطاغية وقد
يمجده أو يصنع له صنما وهو لا يعدو أكثر من مريض مشوه الخلق والسلوك، لكنه يخاطب
الطاغية الصغير المقموع داخلنا، وينجز ما يرى أنه سيكون أكثر سلطة ويبدو جوانب
إيجابية كالصروح والأبنية ومظهر الجيوش والصلابة. فعندما يكون هناك سعي للإصلاح
سيوأد هذا
الإصلاح إن كان سياسيا في الحكم وتستغل الآليات العمياء لتزيد الطاغية
طغيانا بإعطائه الشرعية التي لا تطلب أن تكون مثالية ضمن تنفيذها، ويتمادى في هذا
لدرجة تفرّغ من معناها ويستعملها الطغاة لإقناع أنفسهم أنهم طغاة بإرادة الشعب،
فلا يعود الطغيان أمرا سلبيا بل هو رحمة.
وهذا
يبدو جليا عند فشل التحول السياسي فيرجع الناس في طلب الطاغية والأسى على فراقه،
ناسين أن من يصنع الطغيان هم أنفسهم بتنميتهم الطاغية الصغير وابتعادهم عن الوسائل
التي تبدأ بالحوارات ومراعاة الآخرين والتفاهم على كلمة سواء، وإنما يسعى الطاغية
الصغير للنمو بقمع الطغاة في أنفس الناس. ومن هنا تفشل الوسائل المدنية
كالديمقراطية أو تطبيقات الشورى، فكل يريد العلو في الأرض وليس العيش والتفاهم،
وإنما كل يحرر المارد الذي في داخله بغضبه وتشوه خلقه، حيث نراه مسخا متى ما أزيل
عنه غشاء التكلف المخادع وبان على حقيقته وتفاهة تكوينه.
طغيان من نوع آخر:
الحل الأمثل للشعوب المقهورة وهي تثور من أجل الحياة أن تسعى لحوار الطغاة الصغار وانتزاعهم من النفس أو إصلاحهم ومداواتهم، وأن يكون هنالك هدف واضح هو الحب الحقيقي للأمة وليس الأنا الإبليسية
عندما
يظهر الطغاة بهذه السلبية لا بد من تغييرهم وإزالتهم والتفاهم بين الناس على العيش
الكريم والكرامة الإنسانية التي هي منحة الرب عندما خلق آدم وأراد أن يكون إنسانا،
لكن ما يحصل أن هنالك أناسا يبدون غير مهتمين، بيد أنهم أناس يحوون الطاغية الصغير
داخله لكن لم تأت الفرصة له للانطلاق والنمو بدافع تغلب غرائز أخرى على غريزة حب
السيادة، والتي تصادر بطغيانها الغرائز الأخرى كما منظومة العقل، وهي غريزة حب
البقاء، والأنا التي إن تعمقت ثبطت الفعل الإيجابي باتجاه التغيير، فيجلس الإنسان
منتظرا كما صياد السمك بالصنارة، وقت طويل يرسل طعمه، وقد يعود له طعمه أو تخطفه
سمكة حصيفة دون الوقوع في فخه. هؤلاء الناس سيطلقون طاغوتهم الصغير عندما تضيق الأحوال
ويختارون للواجهة وينتفخ المارد المضغوط بانتظار هذه الساعة، فلا تكون إلا حجة
سلامة موقف للمُحبطين.
ما الحل؟
الحل
الأمثل للشعوب المقهورة وهي تثور من أجل الحياة أن تسعى لحوار الطغاة الصغار
وانتزاعهم من
النفس أو إصلاحهم ومداواتهم، وأن يكون هنالك هدف واضح هو الحب
الحقيقي للأمة وليس الأنا الإبليسية أو المارد الفاجر الذي مهما تزيّا بالورع يبقى
مكشوفا، فتلك ملابس الملك الشفافة التي خدعه بها الخياط.
الإصلاح
الحقيقي بتثبيط الطغيان وأحادية النظرة وبذور تفرق نامية باتت أشجارا من سم زعاف،
وإلا ما نفع قتل مارد طغيان وتنمية مارد آخر وتعطيل التطور المدني والفكر البشري
بظلام الطغيان وتحويل جمال الحياة إلى أرض بوار.