هل نحن مجتمع:
النظرة
إلى أننا مجتمع متكامل؛ نظرة تاريخية موروثة لا تأخذ بنظر الاعتبار الهزائم
النفسية والتخلف في الفهم والتعرية التي حصلت في
المجتمع نتيجة احتكاكه بالثقافات
الأخرى دون وعي بثقافته أو حماية بفهم فكري حضاري، أي دون حصانة حقيقية مواكبة
للزمن وليدة عصرها من هوية الأمة وكينونتها. ولطالما حاول المصلحون القول إنها "عودة"
إلى الفكر الأم، أو "استئناف للحياة" التي كانت عبر التاريخ تمثل زمن
التفوق، ناسين الزمن وأحداثه ومتغيراته وغربة ما يدعون إليه، وأنه بات قالبا جبريا
كغيره إن أريد فرضه؛ لكن نظرة إلى واقعنا نجد أن الفرد مشوه الفكر بخُلُقِهِ أي رد
فعله.. المجموعة لا تتفق على رأي والجماعة لا تلبث أن تتفكك؛ لأن الأنا والتفاهة
باتت عنوانا بارزا صارخا. ودعونا نعرّف كل هذه المصطلحات.
المجموعة والجماعة والمجتمع:
أحيانا وفي خضم مرحلة التلقي والبحث، يحاول الإنسان أن
يستبق خطوات المعرفة ليضع تعريفا محددا لفكرة أو مجموعة أفكار لمّا تتبلور بعد،
بغية فهمها أو جعلها ممكنة الفهم من النطق وترسخ هذه المعاني في زوايا الذاكرة
وربما تكون أحيانا خارج المعنى المراد فعلا.. ويعمم هذا الخطأ بالتقليد وهو يحمل
المعنى القاصر خصوصا إذا كان المتبني له مفكرا أو كاتبا. والمجتمع إحدى هذه
الكلمات التي تناقلتها الناس، فنرى تعريف المجتمع بأنه مجموعة من الناس في بلد
معين فيقال المجتمع الفرنسي أو الروسي.. الخ.. والصحيح أن العدد من الناس يسمى مجموعة، وإذا كان
للمجموعة هدف واضح المعالم تسمى جماعة،
فتكون بذلك جماعة للصلاة مثلا أو العمل السياسي وما يؤدونه هو عمل الجماعة كصلاة
الجماعة مثلا، وإذا أصبحت قوانين تحدد المعاملات والتبادلات وفق نظام يحدد
العلاقات تسمى عند ذلك بالمجتمع، وليس
للموقع الجغرافي أثر بالنظام إنما هي منظومة الإنسان العقلية.
فالمجتمع هو مجموعة من الناس كثروا أم قلّوا، ويحدد
علاقاتهم نظام محدد وأفكار ومشاعر ولا يحدد برقعة جغرافية أو حدود، حيث يكون الهدف
واضح المعالم وإن لم يك اتصالا بينهم بشكل مباشر، لكن يبقون مجتمعا بحكم النظام
والعقيدة والثقافة.
والمجتمعات تختلف وتتباين بطبيعة الحال من حيث التوسع
الحضاري والصلاح الفكري، ومن الممكن أن يكون هنالك مجتمع واحد بمدنيات متباينة، أو
من الممكن إدخال المدنية إلى رقعة تغلب عليها البداوة لتكتسب تطبعا مظهرا ومضافا
دون أن يؤثر على جوهر السلوك كمظهر مضاف؛ إلا ما علق بالمدنية المنقولة من آثار
أفكار المنقول عنه، وقد يرفض المنقول من المنقول إليه والأمثلة كثيرة.. ونلاحظ دولا
متجاورة في أفريقيا وآسيا مختلفة بدرجة المظهر المدني، ولا يؤثر هذا على التوسع
الفكري مهما حُفز التفكير، لفقدان المعطيات التي تؤدي للتوسع الفكري أو حتى
الإبداع المدني والتطور، لكنها بالتأكيد مستهلك جيد للوازم ما نقل إليها من مظاهر
مدنية.
المجتمعات في أوروبا تُعرف بسيادة القانون فهي لا تضبط
الفكر وإنما تضبط السلوك، لذا عندما تحس من تهديد لنمط الحياة من فكر آخر تتعامل
معه بنصوص قانونية فتجرمه مباشرة. وهذا نوع من الاضطراب الذي نراه اليوم والذي
ينعكس على العالم ككل بنوع من
الفوضى البركانية التي قد تنتج حربا عالمية، عندما
أصبح النمط الغربي يميل للتقوقع دفاعا عن ذاته وبالتالي سنصل إلى حرب عالمية
للتنفيس من الاحتقان.
لماذا الفوضى:
مجتمعنا ليس عدوانيا ببقايا ثقافته، لكن الانفعالات
وردود الفعل السلبية تأتي من الحيرة والتناقض بين المنقول والفاعل على أرض الواقع وما
عاناه من هجمات وهو أزل فكريا وماديا.
النظام هو قانون من كل فكر أو عرف فاعل ملزم أو تعاليم
دين، كلها يمكن أن تتفاعل في المجتمع الحي لتخلق بيئة صحية منتجة، لكن ما ذكرنا من
تناقض بين المنقول والواقع يضعنا أما أبواب لا نهائية من الفوضى ومقاومة الارتقاء.
غياب الدولة أو فساد السلطات وأدواتها يزيد من المحنة
ويجعل الناس في المجتمع تتصرف بالعقل الجمعي لفقدان الموجه والضمان والأمان بعواقب
السلوك والسلوك المقابل، الذي يهم هنا هو الخُلُق أي التصرف كرد فعل للفعل أو
الفعل المباشر من الشخص. هنا تظهر معالم التخلف فلا يوجد مجتمع متفق على السوء
كقاعدة خلقية لنصفه مثلا بأنه مجتمع متعصب، ولكن هنالك مجتمع تسوده الفوضى
كمجتمعنا وحول العالم أيضا في المناطق التي يسترخي بها فعل القانون أو يمكن الهروب
من وقعه على الأرض.
فهناك التصرف لأن غيري يتصرف هكذا، مثل عدم الالتزام
بنظافة المدينة مثلا مع الحرص على البيت وتكامله، واستغلال الفرص وطغيان الأنا
تجعل النخب تركض لاهثة وراء المتمكن من السلطة وإن كان تافها لا يليق وهو بلا سلطة
من دون الجلوس معهم. وهذه تشجع على استمرار التفكك المجتمعي في مواجهة
الفساد
وتعديل المسارات بل تجعل الفساد واقع حال ينمو ويتمكن.
والفساد يكون حيث يغيب القانون واعتلال السلوك بغياب
القيم ما لم يك رادع. القادم من دولة تحت سيادة القانون ليس منزها، لذا رأينا أن
موظفين يتصرفون بما لا يناسب صلاحيتهم، أجانب كانوا أو محليين، نعلم من خلال
فسادهم أن ما يضبط هو سيادة القانون، فالقيم النفعية التي يحملونها ستقبل السلوك
السلبي إن أمنت العقاب، وهذا يدل على أنه لا توجد صفة عامة لشعب من التعصب أو
الانحلال، وإنما مدى المعرفة وسيادة القانون أو القيم أيا كان الحاكم، فالمعرفة وترجمة
القيم إلى قوانين باختيار الأمة يئد الفساد.
الحل الممكن
إن تعليم الناس القيم ضرورة لكن عدم الانتباه إلى أن
هذه القيم لا واقع لها وأن المعلم نفسه قد يكون حامل العلم، ولكن مزدوج السلوك أمر
سيكون محبطا لا جدوى إيجابية منه وربما يؤدي للسلبية.
الأساس الثقافي هو الفكر الإسلامي،
بيد أن الإسلام يحتاج إلى اجتهاد واستنباط يتماهى واستقراء الواقع ومعالجته، لذا
يصبح من العلاج نقطتان مهمتان لا بد من توفرهما، وهي سيادة القانون ومحق الفساد،
وإعطاء الناس مجالا للتفكير والاختيار كما هو في أصل الفكر الإسلامي الناقد
للوكالة والتقليد للسابقين.