الكتاب: "تطوّر المرجعية الشيعية: من الغيبة إلى ولاية الفقيه"
الكاتب: د. هيثم أحمد مزاحم
الناشر: دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع بيروت- لبنان، 14 فبراير 2017
(عدد الصفحات: 391 من القطع الكبير)
لقد طُوَرت نظرية ولاية الفقيه في
التاريخ الشيعي مراراً سواء من
خلال الإطار السياسي أو حتى نتيجة تغيَر التوقعات وعبر تطبيق الفقهاء لها. وعزّز
تصوّر الإمام الخميني الخاص لنظرية ولاية الفقيه هذا البعد المتغيّر، إذ كان ثمة
فرق جوهري وملحوظ بين موقفه بشأن الجدل حول الولاية السياسية للفقيه قبل الثورة،
وبين موقفه منه بعد الثورة، وخصوصاً حول ما إذا كانت هذه الولاية شاملة وعامة
ومطلقة على غرار ولاية الإمام المعصوم أم لا.
جاء تطبيق نظرية الحكومة الإسلامية (ولاية الفقهية) في عصرنا الراهن
بعد انتصار الثورة
الإيرانية على أيد آية الله الخميني. و كان المشروع السياسي
للشيعة لتولي الحكم قد انحسر منذ غيبة الإمام الكبرى، نظراً لأن الرأي الذي كان
سائداً عند الفقهاء في السنة التالية للغيبة الكبرى هو عدم مشروعية العمل لإقامة
حكم إسلامي على مذهب أهل البيت (ع).
في محاضرته التي ألقاها بالنجف عام 1965، ركز الإمام الخميني على
محورين أساسيين هما:
أولاً ـ ضرورة تشكيل حكومة إسلامية.
ثانياً ـ إن تلك مسؤولية يجب أن ينهض بها الفقهاء. وقال "فقد
ثبت بضرورة الشرع والعقل إن ما كان ضرورياً أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وفي
عهد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) من وجود الحكومة لا
يزال ضرورياً إلى يومنا هذا.
ولتوضيح ذلك أتوجه إليكم بالسؤال التالي : قد مر على الغيبة الكبرى
لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدم
الإمام المنتظر، في طول هذه المدة المديدة هل تبقى أحكام السلطة معطلة؟ يعمل الناس
من خلالها ما يشاؤون؟ ألا يلزم من ذلك هرج و المرج؟ القوانين التي صدع بها نبي
الإسلام صلى الله عليه وسلم وجهد في نشرها وبيانها وتنفيذها طيلة ثلاثة وعشرين
عاماً، هل كان كل ذلك لمدة محدودة؟ هل حدد الله عمر الشريعة بمائتي عام مثلاً؟ هل
ينبغي أن يخسر الإسلام بعد الغيبة الصغرى كل شيء؟ إن الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في
نظري من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ! فلا يستطيع أحد أن يؤمن بالله واليوم الآخر
دفع الزكاة أو الخمس وغيرهما أو يقول بتعطيل القانون الجزائي، في الإسلام".
فموقف الإمام الخميني المبكر من "ولاية الفقيه" قد ظهر في
كتابه المعنون "كشف الأسرار". فالكتاب عبارة عن رد مفصل على الاتجاه
المعادي للدين الذي كان يتضمن بيانات تنتقد مطالبة المجتهد الفقيه بتولّي السلطة
السياسية. فقد طرح آية الله الخميني مفهوم "ولاية الفقيه" في "كشف
الأسرار" بناء على آراء تقليدية وحذرة ظهرت في أعمال الفقهاء المشهورين في
المرحلة القاجارية والمرحلة التي تلتها. وكان مفهوم "ولاية الفقيه" منذ
البداية مسألة خلافية بين الفقهاء أنفسهم الذين اختلفوا حول المسألة الجوهرية وهي
ما إذا كان الفقيه يحظى بأية ولاية، ومدى هذه الولاية، ونطاق اختصاصها.
اقترح الخميني إنشاء مجلس شورى (برلمان) مكوَن من فقهاء عدول وتقاة يخشون الله محل المجلس الفاسد في عهد الشاه.
وعلاوة على ذلك، فقد أوضح الإمام الخميني أن حقيقة تولّي الفقهاء
للحكومة والولاية في هذا الوقت لا يعني أنهم في الوقت نفسه يتولّون مناصب الملك
والوزراء، والمسؤولين العسكريين وهلم جراً. بدلاً من ذلك، اقترح الخميني إنشاء
مجلس شورى (برلمان) مكوَن من فقهاء عدول وتقاة يخشون الله محل المجلس الفاسد في
عهد الشاه. وينبغي لهذا الجسم، بدوره، أن ينتخب حاكماً عادلاً لا يعارض القوانين
الإلهية، ولا يَحكم بظلم أو استبداد. وإذا كان مجلس الشورى مكوّناً من فقهاء
أتقياء، أو ظلَّ تحت رقابتهم، كما ينصّ الدستور؛ فالدولة ستحقّق هدفَها في حفظَ
العدالة والرَّفاه.
بعبارة أخرى، إن اقتراح الخميني لا يستبعد إمكان وجود حاكم عادل
كذراع تنفيذية لمجلس الشورى الشرعي المكوَن من الفقهاء. هذه الملاحظة المستنتجة
بهذا الصدد ترتبط بالدور السلمي الذي يلعبه المجتهدون في العالم الإسلامي. يؤكد
الإمام الخميني أنهم لا يعترضون على استقلال بلدانهم حتى عندما يواجهون سلوكاً
ظالماً من الحكام ويعترفون بالأنظمة الظالمة لهؤلاء الحكام.
وفي ضوء هذه المهمة السلمية التي ينتهجها المجتهدون، عندما يتحدثون
عن مدى حقهم في إقامة حكومة العدل وممارسة الولاية، فهم لا تتجاوزون عدداً قليلاً
من البنود المحددة بشكل صحيح في الفقه، بما في ذلك الولاية في إصدار الأحكام
القضائية، والتدخل في حماية أموال القصر ومن لا ولي له، أي ما يسمى بالمصطلح
الفقهي، الأمور الحسبية في أموال الأيتام والقصر، فهم لا يأتون إطلاقاً على ذكر
مسألة ممارسة الحكم (الحكومة) بين هذه البنود، كما أنها لا تتحدث عن السلطة
السياسية (السلطنة). وذلك على الرغم من إدراكهم التام بأنه باستثناء شريعة الله،
فجميع الأنظمة القضائية (المستمدة من أوروبا) فاسدة وغير مناسبة للشعوب المسلمة.
مع ذلك، فإنهم يحترمون هذه القوانين غير الملائمة البتة ولا يرفضونها، ويعتقدون
أنه ينبغي أن يتم التسامح معها ما دام النظام لا يتحسن كلياً.
هذا الموقف المتردد للإمام الخميني في "كشف الأسرار" قد
تغيّر إلى موقف أكثر حركية في النجف الأشرف خلال محاضراته عام 1970 بشأن ولاية
الفقيه، والتي نشرت لاحقاً في كتاب بعنوان "الحكومة الإسلامية"، والتي
تبنّت مبدأ ولاية الفقيه في الدولة الشيعية.
يطرح العنوان المعطى لهذه المحاضرات حول ولاية الفقيه، في كتاب
"الحكومة الإسلاميّة"، تحوُّلَ هذا المبدأ إلى نسق حكوميٍّ، موجباً
إخضاع السلطة السياسيّة(السلطنة) للمعايير الإلهيّة الموضَحة في الفقه الإسلاميّ.
فالحكومة الإسلاميّة، إذاً، هي السُّلطة الدينيّة الأخلاقيّة للفقهاء، التي تسود
في فروع حكومة حديثة، تشريعيّاً وتنفيذيّاً وقضائيّاً. فالمحاضرات توضح الحاجةَ
الملحّة إلى أن يتمسك الفقهاء بمواقع المسؤوليّة في تحقيق أهداف الحكومة الإلهية
للإنسانيّة.
لم يكن الإمام الخميني يؤمن ـ حتى في محاضرات النجف ـ بأن ولاية
الفقيه السياسية في الدولة هي ولاية عامة ومطلقة، كما أكد لاحقاً على ذلك في فتواه
الشهيرة في السابع من يناير/ كانون الثاني 1988.
غابت الإشارة إلى ولاية الفقيه بشكل لافت في بيانات الإمام الخميني
في أعقاب سقوط نظام الشاه وتأسيس الجمهورية الإسلامية. دفع ذلك الصمت البروفيسور
حميد ألغار، في أوائل العام 1979، إلى
سؤال عضو بارز في المجلس الثوري أثناء زيارته الولايات المتحدة الأمريكية أنذاك،
عما إذا كان نمط الحكم بعد الثورة سيطبق مبدأ ولاية الفقيه، ليجيبه هذا المسؤول
بالنفي، قائلاً إن الإمام الخميني "لم يُسمع له حديث عن ولاية الفقيه منذ زمن
طويل، ولا يرجح الاعتقاد بأنه لا يزال يؤمن بضرورة هذا المبدأ أو شرعيته".
حتى أنه لم يبدِ حين عرضت عليه مسوّدة الدستور ـ بحسب وزير العدل بني أسدي في
الحكومة المؤقتة لمهدي بازركان ـ أي اعتراضات ملحوظة عليها، ولم يصرّ على إدراج
مبدأ ولاية الفقيه فيها.
على أي حال، يمكن القول استناداً إلى كتاب "كشف الأسرار"
ومحاضرات النجف المفصّلة، إن مفهوم ولاية الفقيه لم يكن حاضراً فحسب في ذهن الإمام
الخميني حين تولّى السلطة عام 1979، بل كان يمثّل كذلك المصدر الفقهي الشرعي
الوحيد لشرعنة سلطته وسلطة حكومته المؤقتة برئاسة بازركان. فقد أعلن الخميني في
بيانه الذي أعقب تعيين بازركان: "قمت، بمقتضى الولاية التي منحت لي من قبل
المشرّع المقدس، بتعيينه(بازركان)، وأصبحت بالتالي إطاعته واجبة".
لم يكن الإمام الخميني يؤمن ـ حتى في محاضرات النجف ـ بأن ولاية الفقيه السياسية في الدولة هي ولاية عامة ومطلقة، كما أكد لاحقاً على ذلك في فتواه الشهيرة في السابع من يناير/ كانون الثاني 1988.
ساد الإرتباك الإيديولوجي حول ولاية الفقيه في إيران منذ الثورة، ولم
تجرَ محاولات لمعالجة جدية عملية ونظرية لهذا الأمر. فقد أدّى عدم الإجابة عن
أسئلة حيال عدد من الإجراءات التشريعيّة، إلى عودة ظهور النقاش الغائب الحاضر بين
علماء الدين الذين يرفضون حق الإنسان في التشريع في منحاه الحَرفيّ الضيّق من جهة،
وأولئك الذين يُجيزون له تشريعات إضافيّة من جهة أخرى، على أساس أنَّ الفقه
التقليديّ ـ بكونه سلسلة معايير ـ يفتقر في جوهره إلى أهليّة طرح حلول لمشاكلَ
معقّدة يواجهها المجتمع الحديث.
إنَّ التساؤلات غير المجاب عنها تطرح الشكوك في تأكيد الطبقة
الدينيّة في العصر الحديث أنَّ الإسلام، بكونه نمطَ حياة، يملك حلَّه الفريدَ
للمشكلات الأساسيّة التي تواجه الإنسانية؛ كما تتحدّى مقدرة الفقهاء على الإتيان
بأجوبة شافية عن أسئلة عميقة كـ"إعادة توزيع الأراضي لضمان الصالح
العامّ"، أو "التدخّل في العلاقات بين ربِّ العمل والموظّف لإحراز وزن
من عدالة، ممّا لا حلولَ له لدى الفقه التقليديّ".
وفي مناسبات عدّة، لقي البرلمان معارضة مجلس الخبراء الذي عُيّنت
وظيفته بإقرار انسجام تشريعات البرلمان مع الشريعة لتمريره إجراءات معاكسة للفقه
التقليديّ. هذا المأزق المتواصل في تحديد حيّز قوّة الدولة للتدخّل في أمور من
التي تؤكّد ثقلاً للعدالة في المجتمع، كان الأساسَ الذي انطلق منه الخمينيّ في
فتواه التي تؤكّد تفوّقَ الدولة الإسلاميّة في ظلِّ ولاية الفقيه في حفظ رفاهية
مواطنيها. ففي السابع من كانون الثاني / يناير 1988، تم توضيح معنى ولاية الفقيه
ومدى سلطته، حين أتت فتوى الإمام الخميني على شكل رسالة وجّهها إلى رئيس
الجمهوريّة آنذاك السيد علي خامنئي الذي أشار في خطبة الجمعة إلى أنَّ إنشاء دولة
لم يكن من أولويّات رسالة النبيّ، فأجاب الإمام الخمينيّ بالتالي:
ـ "يبدو من خلال مواقف سماحتكم في صلاة
الجمعة أنَّك لا ترى الحكومة تساوي الولاية المطلقة التي مُنحت للنبيّ الأعظم (صلى
الله عليه وآله) من قِبَل الله، والتي هي أهمّ جزء من الشريعة الإلهيّة، ولها
الأولويّة أمام جميع الأحكام الفرعيّة. إنَّ تأويلَك لما قلتُه من أنَّ الحكومة
لها أنْ تتصرّف ضمن التشريعات الإلهيّة الموجودة (الأحكام الثانويّة-المحفوظة في
الشريعة) فحسب، يصبّ كلِّيًّا في ما يناقض ما قد قلتُه(...). ينبغي أن أشير إلى
أنَّ الحكومة، التي هي فرع من الولاية المطلقة لرسول الله، هي من بين الأولويّات
التشـريعيّة في الإسلام، وتتمتّع بأسبقيّة أمام جميع التشريعات الثانوية، كالصلاة
والصيام والحجّ".
ما يظهر من إعلان الخمينيّ، في فتواه، أنَّ اعتبارات سياسيّة قد تكون
لها أولوية على معتقدات أخرى في الشريعة. هذه هي الوُجهة التي اعتبر معظم
الأكاديميّين الغربيّين أنَّ الإعلان في الفتوى ينحى منحاها، فلها سَنَد في
التاريخ السياسيّ للإسلام، حين خالف بالفعل الحكّام المسلمون (سواء من الخلفاء
السّنّة أو سلاطين الأمر الواقع) تعاليم الشريعة لأغراض سياسيّة.
لذا، لا دليلَ على أي انتهاك للعقيدة، في ما ورد في الفتوى، إذا ما
كانت الحكومة الإسلاميّة قد أُعلِنت حكومةً تامّة تحدّد كل الأمور المتعلّقة
بمصالح النّاس، وإن بهَيمنة على التشـريعات الثانوية، إذا ما اقتضت الضرورة.
والأدلُّ على هذا التحوّل إلى "ولاية الفقيه" المطلقة
الصلاحيّات، هو تعبير الإمام الخمينيّ - في الفتوى عينها - بأنَّه بمقدور الحكومة
الإسلاميّة إبطال التزامات أو عقود شرعيّة، بشكل أحاديّ، كانت أنجزتها مع أفراد
شعبها؛ حالما تكون هذه الالتزامات متعارضة مع مصلحة البلد والإسلام. فيمكن لحكومة
الوليّ الفقيه إنهاء أمور كانت، تقليديّاً، جزءاً من القِسم الفقهيّ المتعلّق
بالـمعاملات(حيّز الطاعة في إطار العلاقات الإنسانيّة). وبذلك بات الدستور الذي
ضمن سيادة الشعب، خاضعاً لسلطة القيادة الإسلاميّة المهيمنة، تحت رعاية ولاية
الفقيه (الوَحدَة الوحيدة المؤهّلة لتحديد الخطوط العريضة لماهيّة مصلحة البلد
والإسلام).
فباتت الحكومة الإسلاميّة مفوَّضة لـ"منع أي عمل يُقام به على
نحوٍ عبادي فرديٍّ لوجه الله ـ أو أيِّ نحو آخَـر ـ ويصبُّ في ما يتعارض مع مصلحة
الإسلام، طالما أنّه يظلّ مؤذياً للإسلام. مثلاً؛ تستطيع الحكومة أن تمنع الحجِّ
إلى بيت الله الحرام (والحجّ واحد من أوجب العبادات التي أمَر الله بها)، حينما
تكون رحلة الحجّ منافيةً لسلامة الإسلام، بمقتضى الظّرف المحيط. ما كان يقال في
السابق، أو هو يُقال الآن حول ولاية الفقيه ينمّ عن إلمام قاصر بمفهوم
"الولاية المطلقة".
أراد الإمام الخمينيّ بشرحه المبتكَر عن مبدأ ولاية الفقيه، في
فتواه؛ أن يوفّر حلولاً للمشكلات الاجتماعيّة الاقتصاديّة العملِيَّة، على المستوى
التشـريعيّ النظريّ؛ من خلال منح مجلسِ الشورى(البرلمان) السلطة (وقد كان يُشكَّك
في مدى قدرة المجلس على إحكام تنفيذ القوانين في دولة حديثة). فصار، كما أراد
الخمينيّ، للمجلس طابع الشرعيّة الدينيّة، مما أهّله لتطبيق قراراته بصفتها منسجمة
حتماً مع مصلحة الإسلام والمجتمع.
ومع وفاة آية الله الخمينيّ في العام 1989، ظلَّ منصبُه،
"الوليّ الفقيه"، غير قابل للملء بعده إلا من قِبَل مرجع للتقليد شبيه
بالإمام الخمينيّ عِلماً وتقوًى. فلتدارك هذا الفراغ في القيادة المُقَرَّة
دستوريّاً للنظام الشيعيّ الحاكم؛ عمد مجلس الخبراء إلى مخالفة تقليد شيعيّ راسخ
في التشيّع، هو الاعتراف بإجازة الاجتهاد الفقهيّ للمجتهد قبل الإقرار له بأهليّته
في أن يكون مرجعاً للتقليد وتولّي منصب الوليّ الفقيه. فلم يكن في أساس مبدأ
"ولاية الفقيه" أيّ سَنَد ليكونَ غير المجتهد أهلاً ليصير "الوليّ
الفقيه". إذ أتاح فقط تدبير دستوريٍّ حديث لحجّة الإسلام علي خامنئيّ أن
يرتقي إلى رتبة "آية الله".
بهذا تحوّلَ مبدأ تقليد مرجع دينيّ، من مسألة اقتناع ورضًى شخصيّين
للمؤمن، إلى مسألة ولاء يَفرضُه الدّستور في إيران، تجاه حامل وظيفة "الوليّ
الفقيه" (كما هي الحال تجاه آية الله خامنئي).
إنَّ الوضع الراهن لولاية الفقيه يسطّر ذروة خصوصيّتها التدريجيّة في
النطاق الشيعيّ الإيرانيّ، لأنَّها أخفقت في أن تجد لها أرضيّةً خصبةً، سياسيّاً،
خارج النطاق الإقليميّ لإيران. بل حتّى أنَّ قيامها في إيران بات تشوبه مشاكل
عمليّة معقّدة تواجهها الدولة في مكابدتها لهموم أكثر بروزاً، كإعادة إثبات نفسها
عضواً ذا مصداقيّة في النظام العالميّ الحديث، من مجرّد أن تُعتَبَر أمَل
المضطهَدين في خلق نظام عالَميّ مسلم في ظل ولاية الفقيه.
إنَّ التجربة العقيديّة للشيعة كابدت اضطراباتٍ ناجمة عن جور
المتمسِكين بالسُّلطة. ولن يكون مفاجئاً أن نَشهد ثورة أخرى للمضطهَدين بتوجيه مِن
قادتهم الدينيّين، في سياق الطموح الرساليّ للشيعة في حُكم العدالة والإنصاف على
الأرض.
اقرأ أيضا: قراءة فقهية وتاريخية وسياسية لنظام ولاية الفقيه.. دور الثورة الإيرانية
اقرأ أيضا: نشأة التشيع خلال المراحل التاريخية ونظرية الغيبة الكبرى.. قراءة في كتاب
اقرأ أيضا: نظرية الولاية العامة للفقيه.. ولادتها منشؤها وحاضرها