نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS بواشنطن جلسة حوارية مهمة مع عاموس ياديلين، أحد أبرز
الخبراء الإسرائيليين في المجال الأمني والاستخباري، وكان عنوانها "
حرب
إسرائيلية من نوع جديد"، قدم فيها تقييما لحرب
غزة، ويجيب فيها على أسئلة
اليوم التالي للحرب في كل من غزة وإسرائيل. وقد أدار الحوار جون ألترمان النائب
الأول لرئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية.
من هو عاموس يادلين؟
الجنرال عاموس يادلين من الشخصيات العسكرية
والبحثية المهمة في الكيان الصهيوني. وهو المؤسس والرئيس الحالي لشركة Mind of Israel "عقل
إسرائيل"، شركة استشارية للأمن القومي الإسرائيلي. شغل من قبل منصب مدير معهد
دراسات الأمن القومي INSS في جامعة تل
أبيب، لمدة عشر سنوات عقب تقاعده من الجيش الإسرائيلي بعد أربعين سنة من الخدمة
فيه. وكانت أهم المناصب العسكرية التي تقلدها رئاسة الاستخبارات العسكرية. ويفتخر
ياديلين بمشاركته المباشرة في القضاء على برنامجين للأسلحة النووية: العراقي
والسوري.
الفرق بين طوفان الأقصى والحروب السابقة
عدد يادلين في حديثه مع جون ألترمان السمات
المميزة لهذه الحرب، التي تجعلها حربا لم تر إسرائيل مثيلا لها من قبل، وتخالف
تماما الأسس والركائز التي قامت عليها العقيدة الأمنية الإسرائيلية، فهي حرب:
متعددة الساحات، حرب طويلة، حرب مفاجئة لم تتوقعها إسرائيل، أدت إلى حشد الاحتياطي
لمواجهة مجريات القتال واحتمالات توسعه وامتداده، لها آثار كارثية على الاقتصاد
الإسرائيلي، ثم مجيئها وإسرائيل في حالة انقسام سياسي ومجتمعي كبير. كل هذه عناصر
لم تمر بها إسرائيل من قبل. قال يادلين:
1 ـ حرب متعددة الجبهات
منذ 1948، لم تخض إسرائيل حربا إلا على جبهة
واحدة. حتى حرب 1973 فقد كانت جبهتين. أما الحرب الحالية، فهي الأولى التي تخوض
فيها إسرائيل حربا متعددة الجبهات ضد سبعة كيانات ودول، بما فيها غزة. وهي الحرب
الأولى التي تطلق فيها الصواريخ على إسرائيل من جهات متعددة بما فيها غزة وجنوب
لبنان والعراق واليمن. وتزداد أعمال المقاومة في الضفة الغربية.
2 ـ حرب طويلة.
تقوم العقيدة العسكرية الإسرائيلية على
الردع القوي. فإذا فشل الردع، فلا بد من وجود إنذار مبكر للكيّ، تقوم باستدعاء
الاحتياطي والاستعداد للحرب. وترتكز أيضا هذه العقيدة على تحقيق الدفاع الجيد
والنصر الحاسم في حرب قصيرة. لكن الحرب الحالية خرجت عن هذا الركائز والأسس؛ فهي
حرب طويلة. نعم، كان لإسرائيل حروبا طويلة من قبل مثل الانتفاضة الثانية؛ ولكن لم
يتم حشد الاحتياطي فيها. أما هذه الحرب، فقد عبأت إسرائيل 300 ألف جندي احتياطي
لتشكيل دفاع قوي ضد سبعة كيانات. وبما أنها تعتمد على تعبئة الاحتياطي، فإن
الاقتصاد الإسرائيلي أصبح اقتصادا مشلولا.
3 ـ مسرح قتال لم ير من قبل
غزة منطقة حضرية. وهي، كمسرح للقتال، فريدة
من نوعها. حتى الولايات المتحدة التي قاتلت في مناطق حضرية فلم تر مثيلا لهذا
المسرح من قبل. لقد جهزت "غزة" نفسها كمسرح للقتال وأخذت تستعد للحرب
على مدى 15 عاما، مع الكثير من المنشآت تحت الأرض، والأنفاق، والثقوب ومراكز
الإنتاج. ويشكل الجيش السري في غزة تحديا كبيرا لأي جيش يتعامل معه.
4 ـ انقسام حادّ داخل إسرائيل
دخلت إسرائيل الحرب وهي تعاني من أزمة
سياسية، ومنقسمة إلى معسكرين: معسكر يقوده نتنياهو الذي يحاول القيام بثورة
قضائية، ومعسكر قوي جدّا ضد هذه الثورة. ومع اشتداد هذه الأزمة الداخلية، فإن نصف
الشعب لديه ثقة منخفضة جدّا في القضاء الإسرائيلي وفي رئيس الوزراء.
5 ـ فشل إسرائيلي مركب
شهدت هذه الحرب فشلا إسرائيلا مركبا من ثلاث
طبقات لم تشهده في حروبها السابقة. تراكمت هذه الطبقات بعضها فوق بعض، وأدت إلى خلق
الكارثة التي استيقظت عليها إسرائيل يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023:
ـ فشل استخباراتي: فلم تعط أجهزة
الاستخبارات الإسرلائيلية الإنذار المبكر حول ما ستفعله حماس.
ـ فشل
عملياتي: فلم تكن القيادة الجنوبية في غلاف غزة مستعدة لما حدث في ذلك اليوم.
ـ فشل
سياسي: فقد وافق المستوى السياسي بقيادة نتنياهو على إعطاء حماس المال القطري،
وقاد إسرائيل بشكل أساسي إلى أزمة داخلية، أعطت حماس فكرة أن هذا هو الوقت المناسب
لمهاجمة إسرائيل.
بعد الحديث عن تفكيك حماس، يبقى السؤال المهم: هل تنجح إسرائيل في ذلك؟! والإجابة هنا من كلام عاموس يادلين في هذا الحوار المهم، فقال: "في هذه اللحظة، نحن لا نحاول تدمير الفكرة. لا يمكننا تدمير فكرة. علينا أن ندمر قدراتهم للقيام بذلك مرة أخرى. لن نغير القلب والعقل، لكن قدراتهم ستدمر. لكن دعوني أسألكم سؤالا آخر: هل دمرت التفكير النازي؟ على إسرائيل أن تحقق ذلك بالنصر غير المشروط، الذي هي بعيدة عنه. العالم كله يحاول الآن إيقاف الحرب. لذلك، لن يكون استسلاما غير مشروط، عندها لن تتمكن إسرائيل من الحصول على ثقافة مختلفة في قطاع غزة".
6 ـ ارتفاع سقف المطالب الفلسطينية
جاءت هذه الحرب بسقف مرتفع للمطالب
الفلسطينية. نعم، هناك انقسامات عميقة في إسرائيل؛ لكن من المهم جدا معرفة أن حل
الدولتين اليوم في إسرائيل لا يحظى بأي دعم في أي جهة. وما فعلته حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أثبت للإسرائيليين كوابيسهم، وأنهم يتعاملون مع منظمة جهادية يدعمها الفلسطينيون.
لذا، فإن فكرة وجود دولة فلسطينية تسيطر عليها حماس غير مقبولة لأي إسرائيلي، حتى
في الوسط واليسار.
7 ـ عدم قدرة إسرائيل على إعلان النصر وفرض إرادتها السياسية
هذه الحرب من نوع مختلف في نتائجها. لذا،
على إسرائيل أن تنسى النصر الحاسم الذي كانت تسعى إلى تحقيقه في حروبها السابقة.
وعليها أن تنسى الاستسلام غير المشروط الذي حدده روزفلت وتشرشل وستالين في مواجهة
ألمانيا النازية واليابان في عام 1945. المشكلة الوحيدة التي يواجهها الإسرائيليون
اليوم هي أنهم لا يستطيعون إعلان النصر أو الرحيل. ليست إسرائيل كأمريكا التي
استطاعت مغادرة أفغانستان مع تقبل عدم تحقيق النصر ؛ فالحياة في نيويورك وواشنطن
مستمرة كما هي. وقد حدث الشيء نفسه في فيتنام والعراق. أما بالنسبة لإسرائيل، فالأمر
مختلف. لقد وضعت الحكومة هدفين للحرب، وهما طموحان للغاية: تفكيك حماس، وإعادة
الرهائن. هدفان يصعب تحقيقهما:
ـ تفكيك حماس: لقد استغرق الأمريكان
وتحالفهم المكون من 84 دولة لتدمير داعش في الموصل تسعة أشهر. والموصل هي أسهل
بكثير من غزة. لا أحد يدعم داعش. حماس مدعومة من إيران وقطر وتركيا. وكان لدى حماس
15 عاما لإعداد أنفسهم للحرب. لذا، يتعامل الجيش الإسرائيلي مع شيء أكثر صعوبة
بعشرة أضعاف ما شهدته الولايات المتحدة في العراق.
ـ إعادة الرهائن: والمشكلة في هذا الهدف أنه
لا تتم مزامنة الساعات، فالوقت ينفد من الرهائن، وهم يتضورون جوعا. كما تمثل مشكلة
إعادة الرهائن قيدا مهما على الحكومات الإسرائيلية. وقد رأينا عام 1985، كيف أطلق
رابين سراح الآلاف من السجناء الفلسطينيين مقابل ثمانية جنود إسرائيليين كانوا
أسرى حرب. وأطلق نتنياهو سراح 1000 سجين فلسطيني، بمن فيهم السنوار، مقابل جندي
إسرائيلي واحد. وهذه الأرقام هي بطريقة ما، تشجيع على الخطف وأخذ الرهائن.
8 ـ التغير في الرأي العام الأمريكي
تحاول حماس عزل إسرائيل في العالم، وهي كانت
ناجحة في أجزاء كبيرة من العالم، ولكن أيضا في الولايات المتحدة حيث أصبحت قضية
حرب غزة أكثر استقطابا. ويتظاهر الناس ضد إسرائيل. إنهم يريدون فلسطين من النهر
إلى البحر، وهو ما يعني الإبادة الجماعية لإسرائيل، لا يعرفون دائما أي نهر وأي
بحر، لكنهم يتعرضون لكل الدعاية. وبعد أن كانت إسرائيل منذ قيامها قضية مشتركة بين
الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فهي لم تعد كذلك، ولكن ليس بسبب هذه الحرب. لقد
بدأت قبل 20 أو 15 عاما. وطالما كان نتنياهو رئيسا للوزراء، فقد أصبح الأمر أسوأ؛ لأنه يقف أساسا مع الجمهوريين، لذلك كان بعض الديمقراطييين ضد إسرائيل.
اليوم التالي في غزة
كيف سيكون اليوم التالي لهذه الحرب؟ يقول
يادلين: بعد عدة أشهر، توصلت شركة "عقل إسرائيل" أنه من الضروري المضي
قدما في "اليوم التالي" بالنسبة لغزة. على إسرائيل: تفكيك حماس. وبعد
ذلك، يجب أن تأتي إسرائيل ببيروقراطية فلسطينية يمكنها السيطرة على غزة وإعادة
بنائها. وهو ما لا يمكن أن تقوم به السلطة الفلسطينية الحالية، الفاسدة والضعيفة
وغير القادرة على السيطرة على جنين وطولكرم في الضفة الغربية، التي ليست شرعية في
نظر شعبها؛ لأنه لم تكن هناك انتخابات لسنوات عديدة.
هذه البيروقراطية الفلسطينية الجديدة يجب أن
تكون سلطة منقحة، وهو نفس تعبير إدارة بايدن، يتم توجيهها من طرف اتحاد عربي من
المصريين والسعوديين والإمارات. وهي السبيل لبدء وإعادة بناء دولة فلسطينية منزوعة
السلاح ومنزوعة المقاومة. خلاف ذلك، ستستمر الحرب، وسيستمر الصراع.
اليوم التالي في إسرائيل
اليوم التالي للحرب لن يكون يوما عاديا في
إسرائيل، بل سيكون يوم الحساب؛ إذ ستجري فيه ثلاث عمليات مختلفة:
ـ عملية الإحاطة المهنية لاستخلاص المعلومات
وفهم الأخطاء التي حدثت وتصحيحها، والحصول على الدروس المستفادة وتنفيذها.
ـ تشكيل لجنة تحقيق: لتحديد من يقع عليه اللوم، ومن المسؤول.
ـ الذهاب إلى الانتخابات.
تستغرق عملية استخلاص المعلومات ثلاثة أشهر.
يجب ترشيح اللجنة التي ترشحها المحكمة العليا بعد قرار من الحكومة. وقد يحاول
نتنياهو تأجيل التشكيل قدر الإمكان. وتمنح إسرائيل الآن الأشخاص الذين قد تثبت
إدانتهم إمكانية الاتصال بمحامين والحصول على شهادات، وهذا سيجعل عملية التحقيق
والمحاسبة طويلة جدا، مما يبرر الذهاب إلى الانتخابات حتى قبل تشكيل لجنة التحقيق
وانتهائها من أعمالها.
هل تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها في غزة؟!
في ظل كثرة الحديث عن اليوم التالي في غزة،
وبعد الحديث عن تفكيك حماس، يبقى السؤال المهم: هل تنجح إسرائيل في ذلك؟! والإجابة
هنا من كلام عاموس يادلين في هذا الحوار المهم، فقال: "في هذه اللحظة، نحن لا
نحاول تدمير الفكرة. لا يمكننا تدمير فكرة. علينا أن ندمر قدراتهم للقيام بذلك مرة
أخرى. لن نغير القلب والعقل، لكن قدراتهم ستدمر. لكن دعوني أسألكم سؤالا آخر: هل
دمرت التفكير النازي؟ على إسرائيل أن تحقق ذلك بالنصر غير المشروط، الذي هي بعيدة عنه. العالم كله يحاول الآن إيقاف الحرب. لذلك، لن يكون استسلاما غير
مشروط، عندها لن تتمكن إسرائيل من الحصول على ثقافة مختلفة في قطاع غزة".