أكد
المفكر والباحث
السوداني في الشؤون الاستراتيجية البروفسور محمد حسين سليمان أبو صالح، أن الانتماء
الإسلامي للغالبية العظمى من السودانيين حال دون إعادة هيكلة السودان ثقافيا، ودعا
إلى تجاوز الخلافات السياسية الآنية، والالتقاء حول القواسم المشتركة؛ منعا لمزيد
تفتيت السودان والمنطقة.
جاء ذلك في مقابلة خاصة مع
"عربي21"،
تناول فيها البروفسور محمد حسين سليمان أبو صالح، وهو أحد أبرز منظري الفكر
الاستراتيجي في السودان، ما يجري في بلاده من أحداث، وما يمكن توقعه من زاوية
استراتيجية.
ويعتقد أبو صالح، الذي يشتغل في التعليم
الجامعي وتقديم الاستشارات وإنتاج الكتب، أن حرب السودان ليست وليدة لحظة، وإنما
ذات أبعاد استراتيجية عقدية وسياسية واقتصادية، ويرجح أن تنتهي دورة الحرب قريبا
بعد أن صار تأثيرها فادحا على المصالح الدولية والإقليمية، لكنه يشير إلى أن مرحلة
ما بعد الحرب تتطلب إرادة وفكرا وطنيا للبناء، وترتيبات تحقق المصالح المشتركة،
ويحذر من أن "مرحلة قطف الثمار قد تقود أيضا إلى تفتيت السودان".
وبالنسبة له، فإن الحرب المشتعلة في بلاده
ليست مبتورة عن الماضي، وإنما هي في جانب أساسي صراع استراتيجيات عقدية ثقافية،
وأبرزها الاستراتيجية الصهيونية واستراتيجية حزام السافنا التي تقوم على فصل أفريقيا الشمالية عن الجنوبية، بإقامة حزام يقسم النيل الأزرق وجنوب كردفان
ودارفور.
وأوضح أن المخطط شمل تنازعات بين عدة
استراتيجيات كبيرة في العالم، ما بين التقسيم وبين الحفاظ على السودان موحدا، لكن
مع إعادة هيكلة تشمل التشريعات السياسة، ومناهج التعليم، وإعادة بناء الإنسان
وهندسته نفسيا وأخلاقيا وثقافيا بمرجعية فكرية جديدة، وتكتمل العملية بإعادة هيكلة
الجيش بعقيدة قتالية جديدة، "وكل ذلك بمرجعية فكرية خارجية لا علاقة لها
بالسودان".
ويرى أبو صالح أن للاستراتيجيات الخارجية بعد
اقتصادي ودوافع تتعلق بالصراع الدولي على موارد الطاقة المتوفرة في السودان بكميات
ضخمة، خاصة وأن الصين بدأت تسيطر على سوق المعادن الصناعية في العالم، وأصبح الغرب
في حالة تعاني من ضعف، ولا بد من التعويض.
إن الحرب المشتعلة في بلاده ليست مبتورة عن الماضي، وإنما هي في جانب أساسي صراع استراتيجيات عقدية ثقافية، وأبرزها الاستراتيجية الصهيونية واستراتيجية حزام السافنا التي تقوم على فصل إفريقيا الشمالية من الجنوبية، بإقامة حزام يقسم النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور.
ويشير إلى أن أزمة الغذاء العالمي صارت
حقيقية الآن (الأرض والمياه)، والسودان يمثل التعويض المناسب، يضاف الموقع
الجغرافي، لأن حركة التجارة الدولية، بحكم الاتجاه نحو إفريقيا سوف تزداد لتصل إلى
حوالي أربعة ترليون دولار من 2 ونصف ترليون، وهو ما دعا إلى السيطرة على باب
المندب والمدخل الشمالي للبحر الأحمر (قناة السويس)، والتفكير الجاد في تأسيس
(قناة بن غوريون) على ذات نسق قناة
السويس، في الجانب الآخر من البحر الأحمر.
ويقول إن السودان ظل منذ خمسينيات القرن
الماضي محروما من منصة التأسيس التي تحقق مفهوم الاستقلال الحقيقي، وتمثيل إرادته
المستقلة وفق مصالح مواطنيه ومفهومهم للحياة وقيمهم وكيفية الحكم وغيرها من عناصر
الاستقلال.
ويعتقد أن الحرب هي مخطط بدأ تطبيقه منذ
عشرين عاما وظل يتعرض للفشل، وأن معضلة هذا التوجه الأساسية أنه لا يمكن تمريره بآلية ديمقراطية وشعبية، لأن غالبية
التكوين السوداني يتشكل من تيار صوفي عريض وإسلاميين وتيار سلفي وهناك من ليس
لديهم توجهات دينية ولكنهم مسلمون، لذا كان هنالك تحايل بأدوات صراع منها الفوضى
الخلاقة التي نعيش الآن أعلى تجلياتها، وعبر العقوبات وصناعة الأزمات والتنظيمات
المسلحة واختراق الإدارة والقيادة وبعض الأحزاب السياسية.
ورأى أن الفكر الاستراتيجي الخارجي استغل
ثورة الشباب في ديسمبر 2019م وغياب استراتيجية وطنية لما بعد سقوط النظام، وغياب
الحكمة، والتسرع، حيث سطت مجموعات سياسية على السلطة دون تفويض بإحصاء علمي من
الثوار، وهنا تدخلت الاستراتيجيات الأجنبية لتحشيد قوى المال والسلاح والسلطة من أجل
توفير الذراع العسكري لإعادة هيكلة السودان.
وتوقع أبو صالح أن تواجه أي تحركات للتسوية
في السودان بمعضلة إيجاد دور سياسي للدعم السريع بعد الضرر المباشر والفادح الذي
وقع منه على الشعب السوداني، ما يصعب الإقناع بتجاوز هذه السألة، لكنه أوضح بأن
الأوضاع
الإقليمية الهشة، وزيادة مخاوف الدول المجاورة للسودان من الشراكة الخبيثة للمال
والسلاح والسلطة التي مثلها الدعم السريع، ستدفع بإنهاء الحرب في السودان، خاصة أن
انهيار السودان هو بحساب مصالح الآخرين سيؤدي إلى فوضى كبيرة في إفريقيا أولها في
البحر الأحمر، ومحتمل أن يؤدي ذلك إلى أوضاع متردية أمنيا مثلما يحدث في السواحل
الصومالية، وبالتالي لا بد من استقرار الأوضاع، وليس في مصلحة أحد انهيار الأمن في
السودان.
وتوقع أن تظهر تحركات دولية لإحداث تسويات،
والسودان فرصته كبيرة للملمة أطرافه، وأن يستفيد من هذه التناقضات الخارجية،
وتداعيات الأزمة الاقتصادية في أمريكا، وحالة التوازن التي بدأت تسود العالم بظهور
حلف البريكس كقوى كبرى، وتراجع القوة الأوروبية وانضمام أعضاء جدد للبريكس خصوصا
تلك الدول التي تحاول السيطرة على البحر الأحمر، و"من شأن ذلك أن يمنح فرصة
للسودان للمناورة".
ويقول أبو صالح إن المرحلة المقبلة ليست
مرحلة للسياسيين، "لأنهم تعرضوا طيلة الفترة السابقة لمحاولة السيطرة عبر
العديد من الملفات، والخلافات الحادة بين اليمين واليسار، واستقطاب الإرادات الأهلية".
ويرى أن الاتجاه إلى المستقبل هو مرحلة قطف
الثمار التي قد تنتهي بتفتيت السودان، لذلك لا بد من "عقل استراتيجي"
وخطوات ضرورية لتلافي هذا الخطر، وذلك بتوسيع المجلس السيادي لتمثيل كل أقاليم
السودان من المدنيين، وتكوين مجلس وزراء من خبراء لديهم الوعي الشامل بالصراع
الاستراتيجي والتنافس الدولي، وتقييد القرار الفردي، وتفعيل العمل المؤسسي.
الفكر الاستراتيجي الخارجي استغل ثورة الشباب في ديسمبر 2019م وغياب استراتيجية وطنية لما بعد سقوط النظام، وغياب الحكمة، والتسرع، حيث سطت مجموعات سياسية على السلطة دون تفويض بإحصاء علمي من الثوار، وهنا تدخلت الاستراتيجيات الأجنبية لتحشيد قوى المال والسلاح والسلطة من أجل توفير الذراع العسكري لإعادة هيكلة السودان.
وحسب أبو صالح فإن المرحلة المقبلة تتطلب
حكومة مسنودة بعقل استراتيجي، لبلورة الرؤى وزراعة الأمل وتوحيد المشاعر الوطنية،
وإذا استطاع السودان تحقيق هذا الترتيب يمكن تجاوز هذه المرحلة الخطرة بالتعامل مع
جذورها.
ونقل السلطة يحتاج لإطار فكري يعبر عن رؤية
الدولة وليس حزبا، لذلك لا بد من فترة تأسيسية وحوار سوداني ـ سوداني فكري وسياسي
واقتصادي واجتماعي وثقافي داخل السودان وبتمويل سوداني، من أجل بلورة الإرادة
والرؤية الوطنية الواحدة كمدخل لتوحيد السودان والحفاظ عليه، وينشأ جيش سوداني
مهني قومي يدافع عن هذه الرؤية ويحميها، في هذه الفترة تنشأ آلية وطنية من الخبراء
ومن قدامى المحاربية لتطوير الجيش وعمليات الدمج وفقا لشروط يحددها الفنيون، إضافة
إلى تأسيس مفوضية لإعادة الإعمار النفسي والاجتماعي وإصلاح ما أفسدته الحرب
والنزاعات أشبه بما جرى في جنوب إفريقيا ورواندا، وأيضا تأسيس مفوضية للتعويضات
عبر القانون الدولي وأن لا تترك مسألة الأضرار التي لحقت بالمواطنين للشرطة أو
السلطة القضائية لأنها تحتاج لرؤية وآلية شاملة، وفي هذه الفترة يحتاج السودان
لحكومة راشدة وسلوك حكيم لإدارة
الحوار التأسيسي، أما الأحزاب فستحتاج لإعداد
تنظيماتها للمنافسة الانتخابية.