برغم المشاريع والاستثمارات الضخمة في
مجال الإنترنت وتوسيع نطاقه وتسهيل الوصول إليه لأكبر عدد من الناس على هذا الكوكب،
إلا أن ذلك لم يتناسب طرديا مع الحرية التي كان من المفروض أن يوفرها الإنترنت، بل
على العكس، حيث تُظهر البيانات السنوية التي جمعها باحثو الاتصال في "توب تن في
بي إن" (Top10VPN9) أن اتجاه انقطاع
الخدمة يتزايد، حيث يتم قطع الإنترنت عمداً في بلد أو منطقة.
وهناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها
تهديد اتصالنا بالإنترنت المار عبر الكوابل البحرية مثل حوادث قوارب صيد الأسماك، أو
وقوع الزلازل والانهيارات الأرضية، وفي بعض الأحيان الاشتباه في أعمال تخريب، لكن يظل
التهديد الأكبر والأكثر تزايداً يأتي من الحكومات نفسها، وفق تقرير لموقع "بي
بي سي".
ووفقا للباحثين، فقد زاد عدد عمليات قطع
الخدمة المتعمدة في السنوات الخمس الماضية، وكان عام 2023 هو العام الأسوأ على الإطلاق.
اظهار أخبار متعلقة
وبحسب التقرير فإن الهند تتصدر دول العالم
في هذا الاتجاه من خلال تبني تكتيك ثابت لقطع خدمة الإنترنت عن كل شيء، سواء لمنع الغش
في الامتحانات أو حتى للسيطرة على المعارضة.
وارتفعت حالات قطع الإنترنت من قبل
الحكومات من 134 حالة في 2019 إلى 225 حالة في 2023.
ولا يقتصر الأمر على قطع خدمة الإنترنت
فقط، بل هناك ارتفاع أيضاً في معدلات الرقابة على المواقع والخدمات.
وبحسب الأبحاث فإن حرية الإنترنت
تراجعت لمدة 13 عاماً على التوالي.
وبحسب الخبراء فإن أدوات التحكم في الإنترنت
أصبحت وفيرة والحكومات لا تجد حرجاً في استخدامها.
وينقل التقرير عن جاكي كير، زميلة أبحاث
في جامعة الدفاع الوطني الأمريكية، قولها: "كان هناك خطاب متفائل في وقت سابق
من أن الإنترنت سيتحول إلى فضاء عالمي، بعيداً عن متناول سيطرة الحكومة، ونفس الشيء
في كل مكان، لكن ذلك كان دائماً ضرباً من الخيال".
وأضافت أن هذا الخيال ساهم فيه فهم غير
صحيح لكيفية عمل التكنولوجيا فعلياً. على سبيل المثال، وصف الرئيس الأمريكي السابق
بيل كلينتون، محاولة التحكم في كيفية استخدام الناس للإنترنت بأنها لن تنجح، وشبهها
بأنها "مثل محاولة تثبيت الهلام على الحائط".
لكن الأمور تغيرت بحسب جاكي، وتوضح أن الأمر
كان مجرد مسألة وقت قبل أن "تتمتع الحكومات بمزيد من السيطرة وتتعلم كيفية تنسيق
الأمور لفرض سيادة القانون على الإنترنت".
يتهم التقرير
الصين بأنها رائدة في التحكم
بالإنترنت، وقد فعلت ذلك من خلال تطوير حلول لأجهزة وبرامج باهظة الثمن لإنشاء سور
الحماية العظيم (من الإنترنت) الشهير.
كما قامت بتجنيد جيش من مراقبي الإنترنت
القادرين على مراقبة ما يشاركه الأشخاص ويناقشونه لفرض رقابة مباشرة على الإنترنت.
ولم يغفل التقرير روسيا كذلك إذ يقول
إنها تعمل منذ سنوات على بديل أرخص بكثير من خلال تطوير نظام أسماء النطاقات الخاص
بها، والذي يوصف غالبا بأنه دليل الهاتف للإنترنت، وسيمنعها هذا النظام من الوصول بفاعلية
لشبكة الإنترنت الدولية الرئيسية.
"إن الاستبداد الرقمي آخذ في الارتفاع
بالتأكيد"، بحسب قول مروة فطافطة، من مجموعة حقوق الإنترنت "أكسس ناو"
(Access Now).
في السعودية، على سبيل المثال، تستخدم السلطات
نسخة مقيدة وخاضعة للرقابة من الإنترنت حيث يمكن معاقبة الأصوات المعارضة.
كما أصدرت المملكة قانوناً يلزم الشركات
التي لديها عقود مع الحكومة بأن يكون لها وجود إقليمي في الدولة. وتم فرض قواعد مماثلة
في تركيا والأردن والهند وألمانيا أيضاً. والنتيجة هي أن شركات الإنترنت من المرجح
أن تمتثل للرقابة سواء لأسباب قانونية أو سياسية.
وتقول مروة فطافطة، "أرى أن هذا يمثل
تهديداً متزايداً بالتأكيد، إذ إننا نشهد الآن ظهور أشكال متعددة من السيطرة في جميع
أنحاء العالم".
وعلى خطى الصين، تحاول بعض الدول استبدال
تأثيرات الإنترنت الغربية بالكامل. لسنوات شجعت روسيا نمو تطبيقاتها المنافسة على الإنترنت.
فتطبيق "ياندكس" يتحدى "غوغل" و"أوبر". كما سجل تطبيق
"في كيه VK" نمواً مع انكماش
"فيسبوك"، وبدلا عن يوتيوب يستخدم الروس "أر يو تيوب" (RuTube).
وفي الهند حظرت السلطات أيضاً العديد من
التطبيقات الصينية من متاجر التطبيقات الخاصة بها مع تزايد التوترات الجيوسياسية. إذ
إن الهند، بعدد سكانها الهائل، قادرة على وضع الأسس التي يتبلور بها عصر الإنترنت القادم.
اظهار أخبار متعلقة
كما أن بعض الدول الغربية تتجه أيضاً، نحو
إنترنت أقل انفتاحاً وحرية. تأتي خطة الولايات المتحدة لحظر تطبيق "تيك توك"
لأسباب تتعلق بالأمن السيبراني في الوقت الذي يتحدى فيه التطبيق المملوك للصين، هيمنة
شبكات التواصل الاجتماعي الأمريكية.
ومع انتشار منصات صينية أخرى مثل موقعي
التسوق "تيمو" و"شين"، فهل يمكن للولايات المتحدة، حصن مثاليات
الإنترنت، أن ينتهي بها الأمر إلى منع المواطنين من الوصول إلى تلك المواقع أيضاً؟
لذلك، على الرغم من أن الإنجازات الهندسية
المذهلة تساعد على التواصل بيننا، إلا أن الإنترنت أصبح أكثر انقساماً وتفككاً من أي
وقت مضى.