قررت الحكومة
الإسرائيلية
الأحد الماضي إغلاق مكتب قناة
الجزيرة في القدس، وبالتالي منعها من العمل في الأراضي
المحتلة عام 1948، وفي السياق التضييق على عمل ونشاط وحرية حركة القناة في الضفة
الغربية التي تحتلها إسرائيل فعليا، حيث تسيطر أمنيا على 80 في المائة منها -مناطق
"ب" و"ج"- بينما تستبيح يوميا المنطقة "أ" الخاضعة
صوريا للسيطرة السلطة
الفلسطينية، بما في ذلك مدينة رام الله نفسها حيث المقاطعة مقر
قيادة السلطة.
تمكن بل تجب قراءة
القرار الإسرائيلي من ثلاثة جوانب وأبعاد متداخلة، الأول يتعلق بالدولة العبرية نفسها
التي تنحو أكثر فأكثر نحو الانغلاق والاستبداد والديكتاتورية، والثاني، يتمثل
بمحاولة التضييق على الرواية الفلسطينية، ومنع تغطية ونقل الجرائم متعددة المستويات
التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في مناطق تواجده المختلفة، حيث تقول الأمم
المتحدة ومنظمات حقوقية دولية وحتى إسرائيلية مرموقة إن الاحتلال يتبع نظام فصل عنصري
ضد الفلسطينيين. والثالث، يتضمن ابتزاز قطر نفسها، والضغط عليها، والتأثير على وساطتها
وحضورها في حرب
غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام، وتحديدا فيما يخص علاقتها مع حركة
حماس.
ثلاثة جوانب وأبعاد متداخلة، الأول يتعلق بالدولة العبرية نفسها التي تنحو أكثر فأكثر نحو الانغلاق والاستبداد والديكتاتورية، والثاني، يتمثل بمحاولة التضييق على الرواية الفلسطينية، ومنع تغطية ونقل الجرائم متعددة المستويات التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في مناطق تواجده المختلفة، حيث تقول الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية وحتى إسرائيلية مرموقة إن الاحتلال يتبع نظام فصل عنصري ضد الفلسطينيين. والثالث، يتضمن ابتزاز قطر نفسها، والضغط عليها
البعد الداخلي الأول
في القرار، يفضح إسرائيل الراهنة التي تعيش أسوأ أحوالها منذ تأسيسها -1948- مع الحكومة
الأكثر تطرّفا في تاريخها، حيث باتت الدولة العبرية أكثر تديّنا وانغلاقا وأقل
ديمقراطية وليبرالية وانفتاحا حتى تجاه حاضنتها التاريخية في الغرب؛ في سياقاتها
المختلفة السياسية والفكرية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وبالطبع الاستراتيجية.
ومن هنا، يفضح القرار
بالتأكيد، أو للدقة ينقض ما تبقى من روايات وسرديات تل أبيب عن نفسها كواحة للديمقراطية
والحرية والليبرالية في صحراء المنطقة العربية الإسلامية القاحلة، وقاعدة متقدمة للحضارة
الغربية المتنورة والعصرية، مع التذكير الضروري بحقيقة أن مصطلحات مثل حقوق الإنسان
والحريات متعددة المستويات بما فيها
الإعلامية طبعا؛ تعتبر ركنا أساسيا برواية وسردية
الحضارة الغربية في تعريفها لنفسها.
من هذه الزاوية أيضا،
يمكن فهم تغيب وزيري حزب المعسكر الوطني -الجنرالان بيني غانتس وغادي إيزنغوت- عن جلسة
الحكومة الإسرائيلية التي اتخذت القرار الأحد الماضي، كونهما يعبّران عن وينتميان إلى
إسرائيل القديمة والأولى -البنغوريونية- الأقل تديّنا والأكثر ديمقراطية وانفتاحا
تجاه العلاقة المركزية مع الغرب، واستحالة الاستغناء عنها، مع الإشارة أيضا إلى أن
الدولة العبرية هي في الحقيقة ديمقراطية لليهود ولكن عنصرية ويهودية للعرب تماما،
كما يقول وعن حق أهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948.
غير أنها لم تعد كذلك
الآن، وباتت بدون أقنعة ومساحيق تجميل، كما يتبدى من تصرفات وتصريحات وزراء الحكومة،
تحديدا إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتيش، حيث يقف وزير صاحب سوابق مع سجل جنائي (بن
غفير) ليهدد ويبتز رئيس الوزراء بنامين نتنياهو في قلب مكتبه، كما قال حرفيا وعن
حق زعيم المعارضة يائير ليبيد.
البعد الآخر
للقرار الإسرائيلي هو فلسطيني، ويهدف إلى منع عمل ونشاط قناة الجزيرة في الأراضي
المحتلة عام 1948، حيث التمييز العنصري بحق العرب الفلسطينيين هناك وبالتبعية في الضفة
الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 1967، حيث الفصل العنصري المكشوف ضد
الفلسطينيين حسب تقارير وتوصيف الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية المعنية.
وبالعموم، تسعى
تل أبيب من خلال منع الجزيرة من العمل إلى التضييق على نقل روايتنا الإعلامية من
فلسطين التاريخية للعالم، وبالسياق عدم فضح الجرائم الإسرائيلية في القدس والضفة
الغربية، حيث جرائم المستوطنين متعددة الأشكال والأساليب ضد المدنيين الفلسطينيين
العزل بحماية جيش الاحتلال والقيادة السياسية، كما تقول أيضا تقارير موثقة للأمم المتحدة
والمنظمات الحقوقية المعنية وحتى الحكومات والقيادات السياسية الغربية -أمريكية وأوروبية-
الداعمة للدولة العبرية في واشنطن ولندن وباريس.
في الجانب والبعد
الفلسطيني أيضا، ثمة محاولة للابتزاز والمساومة والتأثير على تغطية قناة الجزيرة
المستمرة للإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وأخرى ضد الإنسانية التي يرتكبها جيش الاحتلال
ضد الشعب الفلسطيني بغزة.
أما البعد الثالث
للقرار الإسرائيلي، فيستهدف قطر -مالكة القناة- مباشرة، حيث تحاول تل أبيب ابتزاز الدوحة
والضغط عليها والتأثير على حضورها ووساطتها في الحرب، والقضية الفلسطينية بشكل عام.
كما تهدف محاولة
الابتزاز هذه إلى دفع قطر للضغط على حركة حماس من أجل تخفيض السقف السياسي
والتساوق أكثر مع المحددات والرؤى الإسرائيلية، ليس فقط تجاه اتفاق الهدنة وصفقة
تبادل الأسرى وإنما أيضا تجاه مآلات الحرب وسيناريوهات اليوم التالي لها.
من جهة أخرى،
وضمن نفس الهدف -ابتزاز وإحراج قطر- يهدف القرار الإسرائيلي إلى تشجيع وتأجيج حملات
الضغوط من قبل حلفاء وداعمي الدولة العبرية في الولايات المتحدة ضد الدوحة وسياساتها
الفلسطينية.
يمكن الاستنتاج ودون عناء أن قرار أو قانون الجزيرة يمثل تجسيدا فظّا ومباشرا للأزمة والمأزق في إسرائيل، ومحاولة صريحة ومتعمدة للهروب إلى الأمام وتحاشي التوقف والمراجعة والتقييم لمجريات الحرب والاستيطان والاحتلال
في نفس الجلسة
الحكومية التي أقرت القرار وبشكل لافت ومعبّر أيضا عن واقع الحال بالدولة العبرية،
تحدث نتنياهو عن التظاهرات الطلابية في أمريكا، مصرّا على تشبيهها بالتظاهرات
الطلابية في الجامعات الألمانية في العهد النازي زمن أدولف هتلر، فيما بدا انفصام
وانغلاق وهروب من رؤية الوقائع المستجد والتعاطي معها كما ينبغي.
وبالعموم، بناء
على المعطيات السابقة يمكن الاستنتاج ودون عناء أن قرار أو قانون الجزيرة يمثل
تجسيدا فظّا ومباشرا للأزمة والمأزق في إسرائيل، ومحاولة صريحة ومتعمدة للهروب إلى
الأمام وتحاشي التوقف والمراجعة والتقييم لمجريات الحرب والاستيطان والاحتلال بحد
ذاته.
وهذا مع عدم الاستهانة
بقبة الحماية الفولاذية الغربية متعددة الأبعاد والمستويات التي وفرها الغرب ولا
يزال للدولة العبرية، والتي تتشقق وتتآكل مع الوقت أمام ممارسات حكومة نتنياهو- بن
غفير- سموتريتش المنغلقة على نفسها وأسيرة أوهامها بإمكانية إخضاع وهزيمة الشعب الفلسطيني،
مع اليقين طبعا بأن القرار الإسرائيلي الأخير لن يؤثر على تغطية قناة الجزيرة ولا
على نقل الرواية الفلسطينية للعالم، والتي لا يمكن تحديها أو مواجهتها في ظل الإبادة
الجماعية وجرائم الحرب التي ارتكبها ولا يزال آخر احتلال بالعصر الحديث ويتباهى
بها نتنياهو وأركان حكومته أمام العالم أجمع.