مع احتدام المعارك في قطاع
غزة وفشل الاحتلال في تحقيق أهدافه، فقد بدت إشارات الإقرار بالفشل تخرج من أوساط الاحتلال العسكرية والسياسية بل إن ذلك وصل إلى المسؤولين الأمريكيين.
ومنذ مطلع الشهر الجاري بدأ الاحتلال عملية في
رفح جنوب القطاع بالتزامن مع عملية أخرى في مخيم
جباليا شمال غزة.
ورغم الكثافة النارية للاحتلال والقصف العنيف والعشوائي فإنه لم ينجح الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه، فلم يحرر الأسرى الذين زعم وجودهم في رفح، كما أنه فشل في استئصال المقاومة بعد نحو ثمانية أشهر من المعارك في الشمال.
تخبط الاحتلال
قال القائد السابق لفرقة غزة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال غادي شماني، إن "الجيش الإسرائيلي يتخبط في غزة، ومن الواضح أن إسرائيل لن تحقق أهدافها المعلنة".
ونقلت صحيفة معاريف العبرية عن شماني قوله خلال حوار إذاعي، إن من الصعب رؤيةَ كيف ستتم إعادة جميع الأسرى من قطاع غزة.
وأضاف أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ستتكبد الكثير من الخسائر بسبب الحرب، ولكن لن يتم القضاء عليها عسكريا.
اظهار أخبار متعلقة
وأردف: "نحن ببساطة ندور في دائرة مفرغة. يتم إرسال الجيش للقتال في جباليا وخانيونس، ومرة أخرى نتعرّض للهجوم. وحتى في الشمال، لم يتم تحديد أهداف في هذه المناورة".
وتابع، بأن حكومة بنيامين نتنياهو حكمت على "إسرائيل" بالتخبط لسنوات وبالعزلة وبأضرار جسيمة على الاقتصاد.
وقال: "أخطر ما في الأمر هو التآكل الدراماتيكي لمكانة إسرائيل التي كانت قوة إقليمية حتى هجوم حماس على غلاف غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي".
إسقاط "حماس" غير ممكن
ولم يكن هذا الاعتراف هو الأول من نوعه، فقد أكد قائد اللواء احتياط بجيش الاحتلال إسحاق بريك الأسبوع الماضي أن "الجيش الإسرائيلي لا يملك القدرة على إسقاط حركة حماس حتى لو طال أمد الحرب".
ونقلت وسائل إعلام عبرية عن بريك تشكيكه، في جدوى استمرار القتال في قطاع غزة، مبينا أن "إسرائيل في حال استمرارها في الحرب فستتكبد خسائر جسيمة تتمثل في انهيار جيش الاحتياط الإسرائيلي خلال فترة وجيزة كما أنها تشمل انهيار الاقتصاد، فضلا عن تدهور علاقاتها الدولية وتمزق مجتمعها من الداخل".
وأضاف أن "عدم اتخاذ قرار بشأن اليوم التالي للحرب سيؤدي إلى سقوط مزيد من القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي، خاصة بعد أن عاد للقتال في المناطق نفسها التي كان فيها من قبل".
وذكر بريك أن دخول رفح جنوب قطاع غزة سيكون بمنزلة المسمار الأخير في نعش القدرة على إسقاط حركة حماس.
وحول الجبهة مع حزب الله في الشمال المحتل أكد الجنرال "الإسرائيلي"، أن "الجيش غير قادر على إبعاد حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني والسماح لنحو 100 ألف نازح إسرائيلي بالعودة إلى منازلهم بالشمال بسبب استمرار التوتر".
اظهار أخبار متعلقة
تغير تكتيكات المقاومة
وكانت شراسة القتال في جباليا وبعض مناطق بيت حانون وحي الزيتون، مفاجئة للاحتلال، فمن المفترض أن الحرب في تلك المناطق قد وضعت أوزارها وأن جيش الاحتلال أكمل إنهاء كتائب المقاومة هناك كما أعلن، إلا أن الواقع كان مغايرا، فقد عادت المعارك وكأن الحرب بدأت للتو.
وأكدت صحيفة هآرتس العبرية، أن حركة حماس ترمم قدراتها بسرعة كبيرة وتعيد تأسيس نفسها مجددا في مناطق أخرى بغزة.
ونقلت الصحيفة عن ضابط كبير بجيش الاحتلال قوله إن "إسرائيل في حرب تعليمية مع حماس لأن الأخيرة غيرت تكتيكات الحرب مؤخرا، وباتت تركز أكثر على تفخيخ المباني".
وأوضحت هآرتس، أن العمليات في حي الزيتون ومناطق أخرى أظهرت أن تقديرات الجيش ليست صحيحة في ما يتعلق بالبنية التحتية لحماس.
وبينت الصحيفة، أن "أغلبية الجنود في الجيش الإسرائيلي يعتقدون أن العملية العسكرية التي يشنها الجيش في جباليا هي عملية عبثية".
لا طائل من الحرب
وتحت ضربات المقاومة التي أكدت مرارا أنها مستعدة لحرب طويلة الأمد، يتعالى السخط في الجانب "الإسرائيلي"، من مسار الحرب المفتوحة التي تورط فيها جيش الاحتلال في غزة.
يقول رام بن باراك النائب السابق لرئيس الموساد، وعضو الكنيست عن حزب "يوجد مستقبل": "هذه حرب بلا هدف ونحن نخسرها بشكل لا لبس فيه".
وأضاف باراك الذي كان رئيس لجنة الأمن والخارجية في عامي 2021 و2022، للإذاعة العامة العبرية: "نحن مجبرون على العودة للقتال في نفس المناطق، وخسارة المزيد من الجنود".
وأردف بالقول: "كذلك نحن نخسر على الساحة الدولية، وتشهد علاقاتنا مع الولايات المتحدة تدهورا شديدا، والاقتصاد الإسرائيلي ينهار"، وأضاف مستنكرا: "أرني شيئا واحدا نجحنا فيه!".
وفي ذات السياق قالت
صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية إن "حماس تنشط من جديد في الأماكن التي استولى عليها الجيش الإسرائيلي قبل أشهر. فعلى الرغم من الدمار، إلا أن حماس عادت إلى الظهور في جباليا، حيث قامت بقصف إسرائيل بالصواريخ من أنقاض المدينة".
وروت الصحيفة تفاصيل مقتل جنود بنيران صديقة كدليل على تخبط جيش الاحتلال حيث ذكرت، أنه "مساء أحد الأيام الماضية اكتشف طاقم الدبابة، الذي كان في حالة تأهب قصوى بحثا عن علامات وجود كمين، ماسورة بندقية تخرج من أحد المباني وأطلقوا قذيفتين من المدفع الرئيسي للمركبة عيار 120 ملم، ولم تكن لديهم أي فكرة أن المبنى كان المقر الميداني لنائب قائد الكتيبة 202. وقتل خمسة جنود إسرائيليين وأصيب سبعة آخرون، ثلاثة منهم في حالة خطيرة".
وأضافت أن "ذلك يرمز إلى ما تقول القوات الإسرائيلية إنه أصبح على نحو متزايد مهمة عبثية بينما تقوم بتجديد الأراضي المتضررة بالفعل في شمال غزة، والتعامل مع حماس الناهضة في نفس المناطق التي استولت عليها قبل أشهر".
اظهار أخبار متعلقة
الحرب "السيزيفية"
وأكدت الصحيفة، أنه "الآن بعد أن وجه الجنرالات الإسرائيليون تقاريرهم العلنية ضد الزعماء المدنيين في البلاد وشجبوا الافتقار إلى هدف سياسي لجهودهم الحربية، فقد بدأ الشعور بعدم الجدوى يتخلل الهجوم على غزة".
وقال هرتسي هاليفي، رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي: "نحن الآن نعمل مرة أخرى في جباليا. طالما لا توجد خطوة دبلوماسية لتطوير هيئة حكم في القطاع غير حماس، فسيتعين علينا العمل مرارا وتكرارا في أماكن أخرى لتفكيك البنية التحتية لحماس، ستكون مهمة سيزيفية"، وفقا للقناة 13 العبرية.
ويعود هذا الوصف إلى "سيزيف" الأسطورة الإغريقية حيث حكم عليه بأن يدحرج حجرا من سفح الجبل حتى قمته، وكلما وصل إلى القمة سقط منه الحجر متدحرجا إلى السفح ثانية، ليعاود مرة أخرى الفعل نفسه دونما نهاية، إلى الأبد وفقا للأسطورة.
ونقلت الصحيفة عن يوهانان تزوريف، خبير الإرهاب ومستشار الحكومة الإسرائيلية السابق في غزة، قوله: "جيشنا الإسرائيلي لا يعرف ماذا يفعل.. إذا كنتم تريدون منا إنشاء نظام عسكري، من فضلكم أخبرونا".
وأضاف: “إذا كنت تريد منا أن نحتل هذه المنطقة، فعلينا أن نفهم أنه يتعين علينا تحمل المسؤولية عن المدنيين".
وصلت واشنطن
ويبدو أن الإقرار بالفشل لم يقتصر على المسؤولين في دولة الاحتلال فقط، بل إنه وصل إلى الولايات المتحدة التي أصرت على دعم الاحتلال بشتى الطرق في حربه على غزة وتبنت أهداف نتنياهو في القطاع.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مقابلة تلفزيونية: "لقد تعلّم الأمريكيون بالطريقة الصعبة من خلال هزيمتهم في الوحل الفيتنامي والأفغاني والعراقي، أنه في غياب التحرك الدبلوماسي فإن المعارك تميل إلى التحوّل إلى حرب استنزاف طويلة الأمد تكلّف خسائر فادحة".
وبدا شعور الإحباط واضحا في حديث مسؤول كبير في البيت الأبيض لـ"التليغراف" عندما قال، إن "الولايات المتحدة لا تعتقد أن إسرائيل قادرة على تحقيق نصر كامل ضد حماس، في دحض واضح لوعود السيد نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل".
من جانبه قال كيرت كامبل، نائب وزير الخارجية الأمريكي، الاثنين الماضي، إن "واشنطن لا تعتقد أن النصر الساحق، أمر محتمل أو ممكن".
ونقلت "معاريف" عن مسؤول كبير، منخرط بشكل كبير في الحوار مع الأمريكيين قوله، غن "الإدارة توصّلت إلى حقيقة مفادها أن حماس لن تختفي على الأرجح من القطاع، وأن الاتجاه الصحيح من وجهة نظر بايدن وشعبه هو حماس ضعيفة وغير قادرة على تكرار هجوم السابع من أكتوبر".
اظهار أخبار متعلقة
المقاومة وعدت.. ونفذت
وفي عدة مناسبات أكدت فصائل المقاومة الفلسطينية أنها مستعدة لحرب طويلة في غزة، كما توعد أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، "بأن "رمال غزة ستبتلع الغزاة وأن المقاومة متجهزة للحرب البرية".
والجمعة، عاد أبو عبيدة ليؤكد "استعداد المقاومة في غزة لحرب استنزاف طويلة".
وقال: "إن العدو يدخل الجحيم من جديد ويواجه مقاومة أشد، ومجاهدونا تمكنوا خلال 10 أيام من استهداف 100 آلية عسكرية صهيونية في محاور القتال بغزة".
وأضاف، أن "العدو في كل مناطق توغله يعد قتلاه وجرحاه بالعشرات ولا يكاد يتوقف عن انتشال جنوده، والعدو يعلن عن جزء من خسائره لكن ما نرصده أكبر بكثير".
وتابع: "مجاهدونا يجابهون في محاور المواجهة العدو بزخم كبير بمختلف ما لديهم من الأسلحة، ونواجه العدو بالأسلحة المضادة للدروع والأفراد وبتفجير المباني وفتحات الأنفاق وحقول الألغام والقنص".