وسّع المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون هجماتهم على شاحنات المساعدات التي تمر عبر
الضفة الغربية المحتلة خلال الآونة الأخيرة، ما منع وصول الغذاء إلى قطاع
غزة في الوقت الذي تحذر فيه المنظمات الإنسانية من أن القطاع يغرق بشكل أعمق في المجاعة، حسب تقرير لصحيفة "
واشنطن بوست" الأمريكية.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن مجموعات من شباب المستوطنين يقومون بتتبع قوافل الإغاثة، وإقامة نقاط التفتيش، واستجواب السائقين. وفي بعض الحالات، قام مهاجمون من اليمين المتطرف بنهب وإحراق الشاحنات وضرب السائقين الفلسطينيين، ما أدى إلى نقل اثنين على الأقل إلى المستشفى.
وأضافت أن هؤلاء المستوطنين يستخدمون شبكة من مجموعات "الواتساب" التي يمكن الوصول إليها بشكل عام لتتبع الشاحنات وتنسيق الهجمات، ما يوفر نافذة على أنشطتهم. ومن خلال الاستفادة مما يقولون إنها نصائح من جنود وشرطة
الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى الجمهور، يقوم الأعضاء بالتدقيق في الصور لمعرفة المركبات التي قد تحمل مساعدات إلى غزة وتعبئة المؤيدين المحليين لمنعها.
ذكرت الصحيفة، أن الهجوم الذي وقع الخميس أظهر النظام أثناء العمل: بدأ المستخدمون في إحدى مجموعات واتساب التي تضم أكثر من 800 عضو في النشر عن شاحنة مسطحة محملة بالسكر، ومشاركة الصور من الطريق أثناء متابعتهم لها.
اظهار أخبار متعلقة
ونقلت عن مستوطن يدعى يوسف دي بريسر (23 عاما)، قوله إن "الشاحنة التي تمد حماس توقفت أمام إيفياتار!"، في إشارة إلى موقع استيطاني إسرائيلي جنوب مدينة نابلس الفلسطينية.
ودي بريسر هو أحد قادة حركة "لن ننسى"، التي أقامت مخيمات احتجاج عند معبر كرم أبو سالم بين إسرائيل وغزة في وقت سابق من هذا العام، ويدير العديد من مجموعات "الواتساب" التي تستهدف شاحنات المساعدات، حسب التقرير.
وكتب هذا المستوطن: "تعالوا وانضموا إلى الحصار!"، وأجاب آخرون هذه الدعوة.
وقد تم نهب الشاحنة، وتناثرت حمولتها على طول الطريق، بحسب الصور التي نشرتها المجموعة في وقت لاحق - وهي إحدى شاحنتي السكر اللتين قام المستوطنون بتخريبهما في ذلك اليوم. وقال المتطرف دي بريسر إن سندات الشحن، التي لم تظهر الوجهة، تثبت أن الشاحنة كانت متجهة إلى غزة.
ونقل التقرير أيضا عن فهد عرار، صاحب الشحنة، قوله إن الحمولة البالغة 30 طنا من السكر كانت في الواقع متجهة إلى مدينة سلفيت الفلسطينية في الضفة الغربية. وأضاف أن السائق نجا دون أن يصاب بأذى، لكن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يسمح له بإعادة تحميل البضائع.
وبدلا من ذلك، قام الجنود بإزالة الأكياس بجرافة ودمروها، كما قال عرار، وقدر خسائره بنحو 30 ألف دولار.
وقال عرار: "وقع الهجوم أمام الجيش"، مضيفا أن السائق قال إن "الجنود لم يفعلوا شيئا لوقفه".
ولم يعلق جيش الاحتلال الإسرائيلي على الحادث لكنه أرسل بيانا أكثر عمومية، قال فيه إنه يعمل في الضفة الغربية "بهدف تفريق المواجهات بين المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين" و"يساعد" حتى وصول الشرطة. ولم تستجب الشرطة الإسرائيلية، المسؤولة إلى حد كبير عن تطبيق القانون عندما يرتكب مواطنون إسرائيليون جرائم، لطلبات متعددة للتعليق، وفقا التقرير.
وأشارت الصحيفة إلى أن أعمال العنف والتخريب، التي ترتكب مع إفلات شبه كامل من العقاب، تثير تساؤلات حول مدى استعداد القوات الإسرائيلية لكبح جماح المستوطنين المتطرفين وحماية الفلسطينيين. كما أنه يتحدى ادعاء الحكومة الإسرائيلية بأنها تبذل كل ما في وسعها لضمان تدفق المساعدات إلى غزة، حيث تدهور الوضع الإنساني بسرعة منذ توغل قوات الجيش الإسرائيلي في مدينة رفح الجنوبية.
ومع تحول مجموعات من المراهقين إلى من يستطيع ومن لا يستطيع المرور على الطرق الرئيسية في الضفة الغربية، أصبحت أي شاحنات تحمل الغذاء عرضة للهجمات.
اظهار أخبار متعلقة
وقال رئيس اتحاد غرف التجارة الفلسطينية، عبده إدريس، في حديثه للصحيفة، إن "البيئة من حولنا تغذيها الكراهية والانتقام".
وتحت ضغط من الولايات المتحدة، فتح الاحتلال معبر ترقوميا في الضفة الغربية المحتلة في وقت سابق من هذا الشهر أمام شاحنات المساعدات المتجهة إلى غزة من الأردن والشركات الفلسطينية التي تصدر المواد الغذائية. وتمر الطرق المؤدية إلى المعبر عبر بؤر استيطانية إسرائيلية على قمم التلال حيث تصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين بشكل كبير في الأشهر الأخيرة.
ووصف مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، استهداف شاحنات المساعدات بأنه "انتهاك صارخ"، وتدرس إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فرض عقوبات على الأشخاص المتورطين في الهجمات، وفقا لمسؤول أمريكي كبير تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة مداولات داخلية، وفق التقرير.
وتقول جماعات إنسانية إن غزة تعيش أحلك ساعاتها بعد نحو ثمانية أشهر من الحرب. وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من مليون فلسطيني نزحوا هذا الشهر بعد أن بدأت "إسرائيل" هجومها على رفح وأغلقت أهم المعابر البرية في القطاع أمام المساعدات. وقال برنامج الأغذية العالمي مؤخرا إن الجزء الشمالي من الإقليم يعاني بالفعل من "مجاعة شاملة"، وحذر مسؤولو الإغاثة من أن المجاعة تنتشر جنوبا.
وقال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، الأسبوع الماضي، إنه يسعى لإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، بما في ذلك استخدام "تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب".
ووفقا للتقرير، فإن افتتاح معبر ترقوميا كان في 13 أيار/ مايو جزءا من جهود زيادة تدفق المساعدات إلى غزة. لكن إحدى القوافل الأولى القادمة من الأردن تعرضت على الفور للاعتداء من قبل المستوطنين الإسرائيليين، الذين ألقوا صناديق الطعام على الأرض وداسوا عليها. وتم إحراق عدة شاحنات.
ونفى دي بريسر أن تكون جماعته مسؤولة عن حرق الشاحنات لكنه قال إنه لا يستطيع إدانة أعمال العنف. وتابع: "أنا سعيد بكل شاحنة لا تدخل غزة، ويسعدني أيضا أن أراها تشتعل فيها النيران".
وأضاف أن حركة "لن ننسى" تدعم "تفكيك" الشاحنات وتتخذ إجراءات في بعض الأحيان بناء على معلومات "داخلية"، بما في ذلك من عمال النقل وضباط الشرطة والجنود الذين يقول إنهم ضد إرسال "إمدادات إلى حماس"، حسب التقرير.
وأظهرت حادثة وقعت مؤخرا نهج عدم التدخل الذي تتبعه قوات الاحتلال في التنفيذ. في الساعات الأولى من يوم 17 أيار/ مايو، أقام حوالي عشرين مستوطنا من اليمين المتطرف حصارا مؤقتا على ترقوميا ومر الجنود وضباط الشرطة أمام المجموعة عدة مرات دون إيقافهم.
عند الفجر، مع اقتراب الشاحنة الأولى، التقط صبي يبلغ من العمر 12 عاما ذو شعر أشقر، قطعة من الطوب ولوّح بها فوق رأسه، مهددا بإلقائها على السيارة إذا اقتربت أكثر. فتراجعت الشاحنة للخلف. واستدارت سيارات أخرى عند رؤية المجموعة.
وطلبت شرطة الاحتلال من المستوطنين إزالة الحاجز بعد حوالي ساعة، لكنهم واصلوا التجول. وانضم إليهم ضابط شرطة أثناء صلاتهم في الطريق.
وقالت جندية في جيش الاحتلال للصحيفة الأمريكية، رفضت ذكر اسمها: "ليست مهمتنا أن نوقفهم، بل أن نحميهم"، عن المستوطنين الشباب.
وتسير الآن بعض قوافل المساعدات القادمة من الأردن تحت حراسة الاحتلال، لكن الشاحنات التجارية الأخرى لا تتمتع بأي أمن على الإطلاق.
وكان إبراهيم الرازم (35 عاما) يقود شاحنة كوكا كولا إلى كفر عقب على مشارف القدس المحتلة عندما اصطدم بحاجز طريق ليلة 16 أيار/ مايو.
اظهار أخبار متعلقة
وقال رازم، وهو فلسطيني من سكان القدس، عن حشد المستوطنين الذي أوقفه: "سألوني إذا كنت ذاهبا إلى غزة". وأضاف أنه قدم وثائق للمجموعة تظهر أن البضائع كانت متجهة إلى مكان آخر.
لكنهم لم يكونوا راضين. "هل أنت يهودي أم عربي؟" يتذكر رازم أنهم سألوا قبل أن يهاجموا مباشرة.
وتابع في حديثه لـ"واشنطن بوست": "لقد أرادوا حقا قتلي"، مضيفا أن "ضباط الجيش في مكان الحادث لم يفعلوا الكثير للسيطرة على الحشد". وذكر رازم أنه اختبأ تحت مركبة تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي لحماية نفسه من الضربات.
وزعم الجيش الإسرائيلي أن ضابطين وجنديا أصيبوا "بجروح طفيفة" عندما حاولوا فصل المهاجمين عن السائق. وأضاف في بيان أن "عشرات المواطنين الإسرائيليين ردوا بعنف تجاه القوة".
وقال رازم الذي أصيب بثلاثة كسور في الفقرات وكسور في الأضلاع وكسر في الأنف: "لو كان الجيش يريدهم حقا أن يغادروا، لكان بإمكانهم إطلاق النار في الهواء".
واشتعلت النيران في الشاحنة التي كان يزينها بتذكارات من أبنائه بعد نقله إلى المستشفى، وقال: "كان هذا مصدر دخلي.. لقد أفلست"، مقدرا خسائره بنحو 200 ألف دولار، حسب الصحيفة.