كتاب عربي 21

قراءات في الواقع الدولي اليوم: هل تثمر دماء أطفال فلسطين عالما جديدا؟

قاسم قصير
جيتي
جيتي
بعد أكثر من ثمانية أشهر على انطلاق معركة طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة؛ لا تزال القضية الفلسطينية وتداعياتها محور الحراك الدولي والإقليمي، لا سيما في ظل الجرائم الوحشية التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق أطفال فلسطين وشعبها، وآخرها المجازر الوحشية في رفح، وفي ظل الإنجازات التي تحققها قوى المقاومة والجبهات المساندة لها والتي تؤكد فشل العدو في تحقيق أهدافه وتدفعه إلى المزيد من الرهانات الخاطئة.

وبانتظار تبلور صورة الأوضاع الميدانية في قطاع غزة وفي بقية الجبهات ووضوح صورة التحركات الدولية لمواجهة هذا العدوان والمفاوضات الهادفة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وما يجري في العالم من تحركات طلابية واعتصامات ومسيرات شعبية ومواقف دولية للاعتراف بدولة فلسطين والتنديد بالجرائم الصهيونية.. فإن كل ذلك يشكّل اليوم محور نقاشات وحوارات مستمرة حول أبعاد ذلك ودلالاته وانعكاساته المستقبلية، سواء على صعيد القضية الفلسطينية أو مستقبل الكيان الصهيوني أو مستقبل العالم والمشروع الغربي كله.

هذه الموضوعات والملفات لا تزال محور الاهتمام لدى العديد من مراكز الدراسات والأبحاث في العالم العربي وعلى الصُعد الإقليمية والدولية، ويوميا نشهد انعقاد ندوات ومؤتمرات لدراسة ما يجري ودلالاته، كذلك تصدر أوراق عمل وأبحاث ودراسات وكتب جديدة؛ محورها طوفان الأقصى والحرب على قطاع غزة والمتغيرات الدولية والإقليمية.

ومن الموضوعات الهامة التي أثارت النقاشات والحوار مؤخرا في أكثر من مركز دراسات أو محفل دولي، كان موضوع الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية والغربية تضامنا مع الشعب الفلسطيني وفي مواجهة الجرائم الصهيونية ودعما لقيام الدولة الفلسطينية من البحر إلى النهر، إضافة للقمع الذي تعرض له هؤلاء الطلاب من السلطات الإدارية والأمنية والسياسية في أمريكا، والمحاولات الصهيونية والغربية لتصوير ما يجري بأنه يستهدف السامية أو اليهود في العالم.

وفي لقاء حواري جرى مؤخرا في مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي في بيروت، كان هذا الموضوع محور نقاش وحوار معمق، شارك فيه أكاديميون وجامعيون وإعلاميون وعلماء اجتماع ومتابعون لما يجري على الصعيد العالمي، وقُدّمت في اللقاء عدة أوراق عمل ومداخلات هامة حول قراءة التحركات الطلابية وكيفية مقاربتها والتعامل معها ودلالاتها الحضارية والفكرية والسياسية.

ومن الذين قدّموا أوراق عمل في اللقاء رئيس جامعة المقاصد في لبنان الدكتور حسان غزيري، والذي وصف ما يجري في العالم من تضامن مع الشعب الفلسطيني بأنه يمثّل اليوم ما يمكن تسميته: ربيع الإنسانية، ففي ظل عجز المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي عن وقف الحرب الوحشية والعدوان على قطاع غزة والشعب الفلسطيني، كان التحرك الطلابي والشعبي الداعم للشعب الفلسطيني بارقة أمل بأن العالم يشهد تغييرا جديدا على صعيد الموقف من القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني، وبأن هذا الحراك العالمي سيفرز نتائج مهمة، داعيا لمواكبة هذه التحركات وإقامة وُرش جامعية وأكاديمية متخصصة حول ذلك، وإصدار المواقف المتضامنة مع طلاب العالم من قبل الجامعات اللبنانية والعربية.

من جهته، عالم الاجتماع ورئيس مركز الدراسات الإسلامية ودراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأمريكية في بيروت، والرئيس السابق للجمعية الدولية لعلماء الاجتماع، الدكتور ساري حنفي قدّم قراءة اجتماعية وفكرية لما يجري، معتبرا أن هذه التحركات الطلابية هي أهم تحد لليبرالية الغربية ومفاهيمها اليوم. فهذا الحراك ينطلق من المفاهيم التي أرستها الليبرالية الغربية ومنها الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات والحق بالتعبير، وجاءت محاولات قمع الحراك الطلابي الداعم للقضية الفلسطينية لتؤكد مأزق المؤسسات الغربية وجامعات الغرب التي كانت تعتبر بالنسبة للبعض معقلا للحوار النقدي والتفكير الحر والحريات.

المشاركون في هذا اللقاء الحواري وفي غيره من الندوات والمؤتمرات التي تعقد حول التطورات في فلسطين وحالة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني يؤكدون أهمية هذه التحركات وضرورة التفاعل معها ومتابعتها، لكن السؤال المركزي الذي يطرحه البعض حول هذه التحركات: ما هو المشروع البديل الذي نقدّمه للعالم في ظل الأزمة التي يواجهها الغرب اليوم، والتي تؤكد أن كل المشروع الغربي يعاني من أزمة خطيرة، وأن ما يجري في فلسطين لم تعد تداعياته مقتصرة على الجانب السياسي والعسكري والأمني والسياسي، بل أصبحت تطال بعمق الجوانب الفكرية والحضارية والاجتماعية؟

بعد ثمانية أشهر على معركة طوفان الأقصى أصبحت القضية الفلسطينية هي القضية الأولى في العالم أجمع، وها هي صراخات وآلام الشعب الفلسطيني تطرق مسامع العالم من جامعات وشوارع ومؤسسات دولية وتتردد على كل المستويات الفكرية والسياسية والاجتماعية والحضارية، والأهم أن نكون نحن على مستوى هذا التحدي وأن نقدّم المشروع الحضاري البديل القادر على نشر العدالة الحقيقية والمدافع الحقيقي عن حقوق الإنسان وحرياته

اليوم دماء الشعب الفلسطيني وحرائق جلود أطفاله ونسائه أصبحت تتردد في أصقاع العالم، ولم يعد المسؤولون الصهاينة قادرين على إخفاء جرائمهم أو تبريرها بحجة مواجهة "الإرهاب" أو "الحرب على معادي السامية"، أو غير ذلك من التبريرات السخيفة.. اليوم يولد عالم جديد من رحم القضية الفلسطينية؛ التي سعت الإدارة الأمريكية لتصفيتها وإنهائها بأشكال مختلفة طيلة العقود السابقة ومن خلال العديد من مشاريع التسوية والتطبيع.

بعد ثمانية أشهر على معركة طوفان الأقصى أصبحت القضية الفلسطينية هي القضية الأولى في العالم أجمع، وها هي صراخات وآلام الشعب الفلسطيني تطرق مسامع العالم من جامعات وشوارع ومؤسسات دولية وتتردد على كل المستويات الفكرية والسياسية والاجتماعية والحضارية، والأهم أن نكون نحن على مستوى هذا التحدي وأن نقدّم المشروع الحضاري البديل القادر على نشر العدالة الحقيقية والمدافع الحقيقي عن حقوق الإنسان وحرياته؛ في مواجهة من عمل ويعمل لتشييء الإنسان وتحويله إلى مجرد سلعة في الأسواق العالمية أو حقل تجارب لمشاريع جديدة تسعى لتغيير طبيعة الإنسان وقيمه.

فهل ستثمر دماء الشعب الفلسطيني عالما جديدا أكثر عدالة وإنسانية؟ وأين هي مسؤوليتنا اليوم في ملاقاة الدماء الفلسطينية والحرائق التي تصيب جلود أطفال ونساء رفح اليوم؟

x.com/kassirkassem
التعليقات (0)