صحافة دولية

كيف يمكن للجبهة المدنية في السودان تحقيق "سلام دائم"؟

سيكون التوصل إلى وقف إطلاق النار خطوة حاسمة في فتح تدفق المساعدات الإنسانية- الأناضول
سيكون التوصل إلى وقف إطلاق النار خطوة حاسمة في فتح تدفق المساعدات الإنسانية- الأناضول
نشرت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية تقريرا بينت فيه كيف أن تحقيق سلام دائم في الحرب الأهلية السودانية، يتطلب إشراك مجموعات المجتمع المدني في المفاوضات، وليس فقط الأطراف العسكرية المتحاربة.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن شريحة واسعة من منظمات المجتمع المدني السودانية اجتمعوا في 27 أيار/ مايو في أديس أبابا لحضور المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية في السودان أو "التقدم".

كان ذلك استعراضًا للقوة والوحدة للجبهة المدنية السودانية التي تضغط بشدة، من أجل إجراء مفاوضات بين الفصائل العسكرية المتحاربة في الدولة الأفريقية. ومع ذلك، هناك شكوك كبيرة حول ما إذا كان يمكن تحقيق وقف إطلاق النار على المدى القريب.

وذكرت المجلة أن وقف إطلاق النار سيتطلب ضغطًا مستمرًا من القوى المدنية والمجتمع الدولي، لزيادة تكلفة القتال على الأطراف الرئيسية للنزاع. وفي حالة حدوث وقف إطلاق نار، فإن احتمال انهياره مرتفع. إن كيفية التوصل إلى الاتفاق ومن يشارك فيه سيكون له آثار كبيرة على استدامة السلام.

الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار
مع تصاعد القتال حول عاصمة شمال دارفور، الفاشر، وفي أجزاء أخرى من السودان وتفاقم الأزمة الإنسانية، أصبح وقف إطلاق النار أمرًا ملحًا. واعتبارًا من 24 أيار/ مايو، وثق مشروع بيانات موقع وأحداث الصراع المسلح أكثر من 17 ألف حالة وفاة مباشرة نتيجة للصراع. ووفقًا للجنة الإنقاذ الدولية يحتاج حوالي 25 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية. ويجب على المجتمع الدولي بذل المزيد من الجهود لمنع المجاعة الوشيكة ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى السودان. وقد منع كلا الطرفين وصول المساعدات في عدة جبهات.

سيكون التوصل إلى وقف إطلاق النار خطوة حاسمة في فتح تدفق المساعدات الإنسانية، وزيادة مستوى المساعدة من المجتمع الدولي التي لا تقترب مما هو مطلوب.

وبينما وافقت قوات الدعم السريع المتمردة مرارًا على مبدأ وقف إطلاق النار، رفضت القوات المسلحة السودانية الدعوات لوقف إطلاق النار متعهدة بالقتال حتى النصر. وفي 29 أيار/ مايو، رفض نائب رئيس المجلس السيادي الذي تسيطر عليه القوات المسلحة السودانية، مالك عقار، مقترحات من وزير الخارجية الأمريكي بأن تشارك القوات المسلحة السودانية في عملية السلام في جدة قائلًا: "لن نذهب إلى جدة إلا على جثثنا".

اظهار أخبار متعلقة



من غير المرجح أن تتوصل الأطراف المتحاربة إلى وقف إطلاق النار ما لم ترَ كلتاهما أن تكلفة القتال أعلى من تكلفة وقف إطلاق النار. وبالنظر إلى الزخم الأخير للقوات المسلحة السودانية على أرض المعركة، فإن هذا صعب الحدوث. لكن تشير دراسات الحالة إلى أن جبهة مدنية قوية تعمل بتنسيق وثيق مع المجتمع الدولي يمكن أن تغير حسابات القوات المسلحة السودانية وتدفع بها وقوات الدعم السريع إلى طاولة المفاوضات.

يمكن للجبهة المدنية زيادة الضغط من خلال توسيع نطاقها لتشمل قطاعات المجتمع التي كانت محايدة سابقًا - وهو ما تعهدت "تقدم" بفعله مؤخرًا - ومن خلال الدعوة بقوة لرؤية واضحة ومتسقة على المسرح الدولي. يمكن للمجتمع الدولي زيادة الإجراءات العقابية بما في ذلك العقوبات ضد قيادة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية وأعضاء رئيسيين في الائتلاف الحاكم للقوات المسلحة السودانية بما في ذلك الشركات والجماعات الدينية المتشددة.

ويجب على المجتمع الدولي أيضًا زيادة الضغط على موردي الأسلحة الدوليين والممولين (بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة ومصر وإيران والمملكة العربية السعودية) لوقف دعمهم للمقاتلين بينما دعت "تقدم" إلى التدخل الدولي، إلا أن مثل هذا التدخل غير مرجح في المدى القريب. ومع ذلك هناك مجال كبير للضغط المتزايد على قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية دون اللجوء إلى التدخل العسكري. لقد كانت العقوبات المفروضة حتى الآن على قيادة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية محدودة ولم يتم اتخاذ العديد من الإجراءات على المستوى الوطني لحظر الأسلحة أو للضغط بشكل كبير على داعمي الأطراف المتحاربة الدوليين.

دور المدنيين في المفاوضات
نادرا ما يتم إشراك القوى المدنية في المفاوضات المباشرة وهناك بعض الأمثلة، مثل عملية السلام في ليبيريا (التي أسفرت عن اتفاقية السلام الشاملة في أكرا سنة 2003) حيث تم تضمين مجموعة من جماعات المجتمع المدني (بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان والمرأة والقانون) كمندوبين رسميين، لكن هذا كان الاستثناء وليس القاعدة؛ ومع ذلك في حالة ليبيريا تم تمكين المشاركة المدنية بفضل وجود قوات دولية.

وفي حالات أخرى شكل المدنيون العملية بطرق غير مباشرة ولكن مهمة. في غواتيمالا، بدأ الضغط القوي من مجموعات المجتمع المدني لعملية السلام في أواخر الثمانينات، مما أدى إلى ظهور عملية سلام في سنة 1990 بفضل ضغط من الكنيسة الكاثوليكية، واستمر الضغط من المجتمع المدني مما أدى إلى إنشاء جمعية المجتمع المدني خلال الاتفاقية الإطارية لسنة 1994. وقد تم تشكيل جمعية المجتمع المدني من مختلف مكونات المجتمع المدني وكلفت بتقديم توصيات غير ملزمة حول القضايا الجوهرية. ولعبت الجمعية دورا مهما خلال عملية السلام التي توجت باتفاق نهائي في سنة 1996.

اظهار أخبار متعلقة



وحسب المجلة، لعبت الكنائس دورًا حاسمًا في اتفاقية السلام لسنة 1992 في موزمبيق حيث دفعت لإجراء محادثات من الخارج واجتمعت بشكل ثنائي مع المقاتلين وعملت في نهاية المطاف كوسيط خلال المفاوضات الرسمية. ومارست جمعية المجتمع المدني ضغوطًا كبيرة لدفع المقاتلين للعودة إلى طاولة المفاوضات قبل التوصل إلى اتفاقية السلام في كولومبيا (2016). وفي طاجيكستان (1997) وسيراليون (1999) لعبت الجمعية دورًا حيويًا خلال تنفيذ اتفاقية السلام.

حدود وقف إطلاق النار
في حالة السودان، من المرجح أن يكون وقف إطلاق النار اتفاقا بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والذي لا يقدم خارطة طريق للمفاوضات أو يعالج أي قضايا جوهرية. وهذا مرجح نظرًا لصعوبة القضايا التي تكمن وراء نزاع القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فضلا عن الضغط الذي يمارسه المجتمع الدولي لمنع المقاتلين الذين ينظر إليهم على نطاق واسع على أنهم غير شرعيين من فرصة رسم الترتيبات الدستورية والسلطوية المستقبلية للسودان.

ومع ذلك، فإن التحليل التجريبي لبيانات وقف إطلاق النار التاريخية يظهر أن وقف إطلاق النار على القارة الأفريقية الذي يتضمن جدولاً زمنياً للمفاوضات أو يعزز عملية السلام يكون مرتين أكثر احتمالاً للبقاء بنسبة نجاح تقدر بحوالي 26 بالمئة مقارنة بنسبة نجاح تبلغ 13 بالمئة لوقف إطلاق النار الذي يتم فصله عن المفاوضات الجوهرية.

لذلك من الضروري أن تحتوي أي اتفاقية لوقف إطلاق النار على خريطة طريق أو إطار عمل، والذي لا يمكن إنتاجه بشكل موثوق إلا من قبل الجبهة المدنية والمجتمع المدني فقط. وكما أشار المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، في تصريحاته الأخيرة: "لا ينبغي للمدنيين أن يحضروا المحادثات فقط، بل يجب أن يحددوا شروط النقاش. إن تشكيل مفاوضات وقف إطلاق النار بهذه الطريقة سيتطلب دفعة قوية من المجتمع الدولي".

كيفية تأثير أصوات المدنيين على المفاوضات
أظهرت الدراسات التجريبية أن التسويات التي تعالج التناقضات السياسية الجوهرية التي أدت إلى الصراع في المقام الأول تكون أكثر عرضة للنجاح. وبينما تم التركيز كثيرًا على شخصيات البرهان والجيش السوداني وحميدتي وقوات الدعم السريع وتاريخهما الطويل والمعقد، هناك قوى هيكلية أكبر - وتناقضات أساسية - وراء الحرب الحالية والانقلاب والثورة السابقة.

بعد ثورة 2019 ضد نظام الديكتاتور العسكري عمر البشير، كان من المرجح أن يكون هناك مواجهة بين القوات العسكرية والقوى الديمقراطية (مع محاولة القوات العسكرية حل المسألة مؤقتًا عبر انقلاب 2021). وكان من المرجح أيضًا أن تكون هناك مواجهة بين النخب العربية المسيطرة (وقوات الجيش السوداني التي يسيطرون عليها) والمجموعات العربية الأخرى في الأطراف، التي ظلت تُستخدم للقيام بالأعمال القذرة لنظام البشير، أولاً كالجنجويد ولاحقًا كقوات دعم سريع، ولكنها ظلت دائمًا بعيدة عن السلطة السياسية الحقيقية.

وكان من المحتمل أن تكون هناك مواجهة بين قوى الإسلاموية، كعنصر جوهري من نظام البشير، والرغبة المتزايدة في العلمانية الحديثة بين شباب المدن السودانية. وكان من الحتمي أن تكون هناك مواجهة بين تركز السلطة الاقتصادية والسياسية في المركز تاريخياً على حساب الأطراف السودانية.

إن إنشاء إطار عمل أو خارطة طريق لمعالجة هذه التناقضات يتطلب مشاركة قوية من المجتمع المدني السوداني والأحزاب السياسية، والعديد منها منظم حاليًا تحت مظلة "تقدم" بالإضافة إلى الشباب السوداني، الذين تمثلهم لجان المقاومة السودانية وغيرها من المنظمات. وقد أكد المؤتمر التأسيسي الأخير لـ "تقدم" التزام المجتمع المدني بمجموعة واسعة من المبادئ، بدءا من الوصول الإنساني وصولا إلى تمثيل المرأة والشباب والفيدرالية والديمقراطية والعلمانية.

اظهار أخبار متعلقة



إن لجان المقاومة على وجه الخصوص، بسبب دعمها بين الشباب وشرعيتها المحلية في السودان، هي صوت يجب على المجتمع الدولي دعمه والارتقاء به، ودفعه لوقف إطلاق النار بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية.

وبغض النظر عن موعد بدء المفاوضات الجوهرية فإن فوائد وقف إطلاق النار واضحة على المدى القصير - حيث يمكن أن يسمح بتوزيع المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين والممتلكات. كما أن فشل وقف إطلاق النار يمكن أن يمهد الطريق لاتفاقات ناجحة في المستقبل. ولذلك فإن أي وقف لإطلاق النار ينبغي أن يكون تطورا مرحبا به.

ومع ذلك، فإن السلام الدائم يتطلب مفاوضات موضوعية تعالج بمصداقية حالات عدم التوافق الأساسية، ولا يمكن القيام بذلك دون المشاركة القوية للأصوات المدنية وزيادة الضغط الدولي بشكل كبير على القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والجهات الدولية الراعية لهما.

التعليقات (0)