شهد يوم 23 تموز/ يوليو حدثا بارزا في السياسة العالمية؛ فقد اتفق 14 فصيلا متنازعا على تجاوز الانقسام في الحركة الوطنية
الفلسطينية العربية، ووقعت الأطراف على إعلان بهذا المعنى في بكين، بعد حوار استمر ثلاثة أيام حول قضايا الساعة والقضايا الوجودية.
ونشر موقع "
فوندسك" الروسي تقريرا، ترجمته "عربي 21"، نقل فيه عن بيان الفصائل الفلسطينية الذي جاء فيه: "وقعنا اليوم على اتفاق حول الوحدة الوطنية، ونقول إن الطريق لإتمام هذا المسار هو الوحدة الوطنية. نحن ملتزمون بالوحدة الوطنية، وندعو إليها"، وذلك بحسب ما نقلت وسائل الإعلام
الصينية الرسمية عن المسؤول البارز في حركة
حماس موسى أبو مرزوق.
وبحسب الموقع، فقد اتفقت الفصائل الوطنية خلال اللقاءات في الصين على تحقيق الوحدة الوطنية الشاملة، التي تضم كافة القوى والفصائل الفلسطينية، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، والالتزام بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وضمان حق العودة وفق قرارات الأمم المتحدة. وذلك بعد اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار - في 10 أيار/ مايو - يوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في مسألة قبول فلسطين كعضو كامل العضوية في المنظمة الدولية؛ حيث حظي مشروع القرار بتأييد 143 دولة في الأمم المتحدة، بما فيها روسيا.
اظهار أخبار متعلقة
وذكر الموقع أنه قد شارك في مشاورات بكين أربعة عشر حزبا ومجموعة سياسية، أبرزها حركة حماس، وحركة
فتح، وحركة الجهاد الإسلامي (المعترف بها كـ "جماعة إرهابية" ومحظورة في روسيا)، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
وقد حضر وزير الخارجية الصيني وانغ يي مراسم التوقيع، مرحبا بالاتفاقيات ومهنئا الفلسطينيين على توقيع الوثيقة التاريخية. ووفقًا لرئيس الدبلوماسية الصينية، فإن "التطور الأكثر لفتًا للنظر هو الاتفاق على تشكيل حكومة مؤقتة للمصالحة الوطنية على أساس إدارة ما بعد الحرب في غزة. فالمصالحة شأن داخلي للفصائل الفلسطينية، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن تحقيقها دون دعم المجتمع الدولي“.
وبين الموقع أن النتيجة الرئيسية فيما يتعلق بالتسوية الشرق أوسطية، هي الاتفاق الفلسطيني على إنشاء إدارة وحدة وطنية تحت رعاية منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا نموذج شامل تمثل فيه جميع المجموعات والفصائل، حتى تلك الأطراف السياسية التي لا يمكن التوفيق بينها مثل حركتي فتح وحماس اللتين كانتا على خلاف مع بعضهما البعض على مدى السنوات العشرين الماضية.
وحدد البيان المشترك أن يتم تشكيل حكومة مصالحة وطنية مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية وبقرار رئاسي يستند إلى الدستور الفلسطيني، على أن تبدأ العملية بتوحيد كافة المؤسسات الفلسطينية في الدولة الفلسطينية المباشرة، وإعادة إعمار قطاع غزة، وتهيئة الأرضية لانتخابات عامة تحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية في المدى المنظور.
ونقل الموقع عن جميل مزهر، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية اليسارية لتحرير فلسطين، قوله: ”الوحدة هي السلاح الأقوى في مواجهة العدوان الإسرائيلي... وشعبنا اليوم لا يواجه حرب إبادة جماعية فحسب، بل يواجه نتائج عقود من العجز والتقصير السياسي الشامل“، في إشارة واضحة إلى الخصومة المريرة بين مختلف الفصائل، وأبرزها حماس وفتح. ومن المهم الإشارة إلى أن الوثيقة الختامية لاجتماع بكين وصفت منظمة التحرير الفلسطينية بأنها ”الممثل الشرعي الوحيد والناطق باسم إرادة الشعب الفلسطيني".
وأشار الموقع إلى أن الترتيبات بين فتح وحماس ليست هي التي تجعل هذا الاتفاق تاريخيًا، حيث يبدو من الأنسب الإشارة إلى دور الصين الذي يهدف -من بين أمور أخرى- إلى موافقة دول الشرق الأوسط واعترافها بمكانة الصين المتنامية كقوة مسؤولة في الشرق الأوسط، على عكس الأمريكيين الذين يفقدون نفوذهم السابق بسرعة. فمن خلال توفير منصة لإعادة توحيد الفلسطينيين، تكون بكين بذلك قد انتزعت زمام المبادرة من الغرب للمرة الثانية خلال العامين الماضيين، فقد حدث ذلك في المرة الأولى في ربيع عام 2023، عندما كانت الصين هي التي جلبت إيران والمملكة العربية السعودية، اللتين كانتا عدوتين منذ فترة طويلة، إلى طاولة المفاوضات.
وتابع الموقع قائلا إنه في ضوء خطط الولايات المتحدة لإنشاء ممر النقل والمواصلات بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)؛ تحتاج بكين إلى الدفاع عن مشروع ”حزام واحد، طريق واحد“ لإعادة تشكيل العالم بكل الوسائل. ولهذا يجب ألا يكون مشروعها أكثر ربحية فحسب، بل يجب أن يكون أكثر أمانًا أيضًا. وهذا هو الحال حتى الآن، بالنظر إلى الصراع في غزة وهجمات الحوثيين في مضيق باب المندب.
ونوه الموقع إلى أنه قبل أشهر قليلة من التصعيد في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، دعت وزارة الخارجية الصينية إسرائيل إلى استئناف محادثات السلام مع الفلسطينيين على ”أساس حل الدولتين“. كان من المفترض أن يسافر رئيس الوزراء نتنياهو إلى بكين في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وإسرائيل، لكن الأحداث في غزة وحولها عطلت الخطط الأصلية.
وتعليقا على نتائج اجتماع بكين، انتقد وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس منظمة فتح: "بدلًا من رفض الإرهاب، يدعم محمود عباس القتلة والمغتصبين من حماس، كاشفًا بذلك عن وجهه الحقيقي. في الواقع، هذا لن يحدث؛ لأن حكم حماس سيُسحق، وسيبقى عباس يراقب غزة من بعيد. وسيبقى أمن إسرائيل في يد إسرائيل وحدها".
اظهار أخبار متعلقة
ولكن لا ينبغي إغفال نقطة أخرى: الحقيقة هي أنه، رغم ما قد يبدو عليه الأمر من تناقض، فإن أنباء إعادة الوحدة الفلسطينية بوساطة صينية قد تصب في مصلحة إسرائيل. ففي سياق خطاب نظام نتنياهو المتعنت، فإن ”يد بكين“ هي سبب ممتاز للحد بشكل كبير من قدرة الليبراليين الأمريكيين على مجاراة المقاتلين الفلسطينيين من أجل الاستقلال. ففي نهاية المطاف، سيكون من الأصعب بكثير الآن، إن لم يكن من المستحيل، على البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية تشجيع إسرائيل على تقديم تنازلات للفلسطينيين، لأن العكس سيعني تلقائيًا تعزيز موقف الصين، وهو ما لا ترغب فيه أي من الفصائل السياسية المتنافسة في واشنطن.
واعتبر الموقع أن ما حدث يترتب عليه أن روسيا لديها بعض الفرص للعمل كمتحدث باسم الجنوب العالمي، وأنه قد يكون من الجيد إنشاء منصة دولية دائمة في موسكو لهذا الغرض، وتوجيهها بدقة، ليس فقط من أجل الحركات الفلسطينية بل الحركات الأخرى المهتمة بالتعاون للعمل في إطارها.
واختتم الموقع التقرير بالتأكيد على ضرورة أن تخضع سياسة روسيا في الشرق الأوسط لخطة إستراتيجية موحدة، وليس للمصالح قصيرة الأجل للوكالات الفردية، أو في كثير من الأحيان، لممثليها الأفراد.