صحافة دولية

هكذا تآكلت استراتيجية الاحتلال خلال العقود الأخيرة وتحوّل إلى دولة "منبوذة"

الكاتب لفت إلى خسارة الاحتلال التعاطف العالمي بسبب حرب الإبادة ضد غزة- الأناضول
الكاتب لفت إلى خسارة الاحتلال التعاطف العالمي بسبب حرب الإبادة ضد غزة- الأناضول
شدد مقال نشر في مجلة "فورين بوليسي"، على خسارة دولة الاحتلال الإسرائيلي التعاطف العالمي الذي حصلت عليه بعد أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مشيرا إلى أن "إسرائيل" في وضع خطير بسبب تآكل استراتيجيتها على مدى عقود والانقسام الداخلي، بالإضافة إلى أنها أصبحت دولة منبوذة.

وقال معد المقال الذي ترجمته "عربي21"، وهو ستيفن وولت، وهو أستاذ كرسي روبرت ورينية بيلفر للعلاقات الدولية بجامعة هارفارد، إن هناك "تدهورا خطيرا في استراتيجية إسرائيل".

وأضاف أن "إسرائيل في وضع خطير، فمواطنوها منقسمون على أنفسهم وبعمق ولن يتحسن هذا الوضع على الأرجح. وهي عالقة في حرب لا تستطيع الانتصار فيها في غزة. وتبدو على جيشها علامات الإجهاد. ولا تزال الحرب الواسعة مع حزب الله أو إيران ممكنة. ويعاني اقتصاد إسرائيل من ضائقة شديدة. وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن 60,000 شركة تجارية قد تغلق أبوابها هذا العام".  

وأضاف وولت أن "سلوك إسرائيل الأخير قد أضر بصورتها العالمية وقد أصبحت دولة منبوذة بطرق لم يكن أحد يتخيلها من قبل".  

اظهار أخبار متعلقة


وأشار إلى أن "إسرائيل حظيت بعد هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر بتعاطف كبير ومناسب حول العالم وتم القبول بأن إسرائيل لها حق الرد وبقوة. ولكن بعد 10 أشهر من حربها الإبادية ضد الفلسطينيين في غزة وعنف المستوطنين في الضفة الغربية، ضيعت التعاطف الأولي معها. وقد طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وأصدرت محكمة العدل الدولية حكما أوليا وصف أفعال إسرائيل بأنها إبادية في الطبيعة والقصد".

وأوضح الكاتب أنه "طالما اعتبرت المحكمة احتلال إسرائيل واستعمارها للضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية انتهاكا واضحا للقانون الدولي".

وقال وولت، إن "المدافعين عن الصهيونية الذين يدفنون رؤوسهم في الرمال هم وحدهم القادرون على النظر إلى ما يحدث في غزة دون أن يشعروا بالانزعاج الشديد، إن لم يكن الرعب. مضيفا أن الدعم في الولايات المتحدة لأفعال إسرائيل يتراجع بشكل كبير، وأن الشباب الأمريكي، بمن فيهم عدد كبير من الشباب اليهود يعارضون الرد المتراخي لإدارة بايدن على أفعال إسرائيل".

و"ما عليك إلا قراءة تغريدة كتبها عيران إيتسيون، النائب السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي وستحصل على حس بما جلبته إسرائيل على نفسها من ضرر. ثم اقرأ ما كتبه المؤرخ عومير بارتوف، وأحد الباحثين العالميين الرواد في الإبادة الجماعية، عن زيارته الأخيرة لإسرائيل، لكي تفهم عمق المشكلة"، بحسب كاتب المقال.

وعلق وولت قائلا إنه "من السهل تحميل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المسؤولية، وهو بالتأكيد يستحق النقد الذي كيل ضده في الداخل والخارج. ولكن إلقاء اللوم كله على نتنياهو يتجاهل مشكلة أعمق وهي: التآكل التدريجي في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي على مدى السنوات الخمسين الماضية. فما حققته إسرائيل من إنجازات وما أظهرته من براعة تكتيكية خلال العقدين الأولين من عمرها تميل إلى إخفاء ــ وخاصة بين كبار السن ــ دور الخيارات الاستراتيجية الرئيسية التي اتخذتها إسرائيل منذ عام 1967 في تقويض أمنها".

وأشار الكاتب، إلى أن "الاستراتيجيين الأوائل والجيل الأول من قادة إسرائيل، تميزوا بالبراعة الاستراتيجية وحاولوا القيام بالمستحيل: إقامة دولة يهودية في قلب العالم العربي، مع أن السكان اليهود في فلسطين كان عددهم ضئيلا في بداية القرن العشرين وكانوا أقلية واضحة مع إعلان إسرائيل عام 1948".

واعتبر الكاتب، أن مؤسسي دولة الاحتلال "نجحوا من خلال واقعيتهم القاسية والاستفادة من الفرص المواتية بناء قوى شبه عسكرية وبعد ذلك جيش متميز. وعملوا بجد واجتهاد لكسب دعم القوى العالمية المهيمنة"، بحسب زعمه.

وأشار وولت، إلى أنه "لا توجد حكومة مثالية، فقد ارتكب قادة إسرائيل الأوائل أخطاء في بعض الأحيان. وارتكب رئيس الوزراء بن غوريون خطأ عندما تواطأ مع بريطانيا وفرنسا لمهاجمة مصر في أزمة السويس عام 1956، ثم قال إن إسرائيل قد لا تسحب قواتها. لكنه تخلى عن عن هذا الموقف سريعا عندما أوضحت له إدارة آيزنهاور أنها لن تتسامح مع مثل هذا التوسع غير المبرر".  

وقال الكاتب: "لعل أهم خطأ، كما لاحظ  الباحثون الإسرائيليون العقلانيون، ارتكبه قادة إسرائيل، هو قرار احتلال الضفة الغربية وغزة واستعمارها كجزء من خطة إسرائيل الكبرى. ففي الوقت الذي حاول فيه بن غوريون تقليل عدد السكان داخل إسرائيل، إلا الاحتفاظ بغزة والضفة الغربية عنى السيطرة على سكان فلسطينيين في نمو مطرد، عددهم مثل عدد السكان اليهود في إسرائيل".  

وأدى هذا الاحتلال، بحسب الكاتب، إلى "خلق توتر لا يمكن تجنبه بين طابع الدولة اليهودي ونظامها الديمقراطي. ولا يمكن لإسرائيل البقاء دولة يهودية إلا من خلال قمع حقوق الفلسطينيين وإقامة نظام فصل عنصري، في عصر بات فيه هذا النظام السياسي لعنة على أعداد متزايدة من الناس في مختلف أنحاء العالم".

وأضاف أنه "صحيح أن إسرائيل تستطيع التعامل مع هذه المشكلة من خلال المزيد من التطهير العرقي و/أو الإبادة الجماعية، ولكن كلا منهما يشكل جريمة ضد الإنسانية ولا يمكن لأي صديق حقيقي لإسرائيل أن يؤيده والذي تبعه  العمل على إقامة إسرائيل الكبرى".

وأوضح أن "الخطأ الثاني حدث، عندما لم يلتفت قادة إسرائيل وهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية إلى الإشارات الواردة من الرئيس المصري أنور السادات وأنه مستعد للسلام مقابل استعادة شبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل في 1967.  إلا أن العسكريين الإسرائيليين افترضوا أن مصر في وضع ضعيف لكي تواجه إسرائيل. وكانت النتيجة هي حرب أكتوبر عام 1973. واستطاعت إسرائيل تجاوز الأزمة بعد المفاجأة ولكن ليس في المفاوضات التي أدت لانسحاب إسرائيل من سيناء".

اظهار أخبار متعلقة


 و"توجت العملية بزيارة السادات التاريخية إلى القدس ومفاوضات كامب ديفيد. وللأسف، فقد فوت مناحيم بيغن الذي كان مكرسا لحلم إسرائيل الكبرى فرصة لمعالجة القضية الفلسطينية مرة وللأبد"، وفقا للكاتب.

وأوضح معد المقال أن "هذا الخطأ تبعه قرار اجتياح لبنان في عام 1982، كصورة عن تآكل الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية. وكان هذا القرار من بنات أفكار وزير الدفاع أرييل شارون، الذي أقنع بيغن بأن العملية ستخرج منظمة التحرير من لبنان وتؤدي إلى إقامة حكومة موالية لإسرائيل في بيروت، وتعطي إسرائيل اليد المطلقة في الضفة وغزة".

و"رغم نجاح الغزو، على المدى القصير، إلا أنه قاد لاحتلال جنوب لبنان وظهور حزب الله كحركة مقاومة قوية أجبرت إسرائيل على الانسحاب عام 2000".

 وشدد الكاتب، على أن "الحرب لم تعرقل أحلام الفلسطينيين بالمقاومة، رغم خروج منظمة التحرير من لبنان. فقد قاد خروجها إلى الانتفاضة الأولى وهي علامة على رفض الفلسطينيين الخروج من وطنهم أو الخضوع للاستعباد الإسرائيلي. ورغم اعتراف الإسرائيليين من أصحاب النظر أن الموضوع الفلسطيني لن يختفي، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تصرفت بطرق جعلته يزداد سوءا".

وأشار إلى أن "إسرائيل لم تمنح الفلسطينيين أو منظمة التحرير التي وقعت على اتفاقية أوسلو عام 1993 أي فرصة لدولة قابلة للحياة. وأقرب تنازل قدم ما قدمه إيهود باراك في كامب ديفيد،  هو دولة فلسطينية منزوعة السلاح وبتحكم إسرائيلي بالمجال الجوي والمصادر المائية. وقال شلومو بن عامي، وزير الخارجية الإسرائيلي السابق: "لو كنت فلسطينيا، لرفضت كامب ديفيد". وكان تحقيق السلام مع الفلسطينيين يقتضي من إسرائيل وقف التوسع الاستيطاني في المناطق المحتلة والعمل مع الفلسطينيين لإنشاء حكومة فاعلة، إلا أن الحكومات الإسرائيلية وبخاصة شارون ونتنياهو فعلت العكس".

 ورفضوا وقف الاستيطان وعملوا جهدهم على غرس الشقاق بين الفلسطينيين، وعرقلوا جهود الولايات المتحدة لحل الدولتين. وقد أدت السياسات إلى مواجهات مدمرة وغير حاسمة، وصلت ذروتها في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، في ضربة تعتبر الأسوأ التي تلقتها إسرائيل منذ عقود، وفقا للكاتب.

وأضاف الكاتب: "كان هذا مثالا أخيرا عن قصر النظر الاستراتيجي الإسرائيلي المتمثل بمعارضة الجهود الدولية الرامية إلى التفاوض على محددات للبرنامج النووي الإيراني". فإسرائيل، ولأسباب استراتيجية يراها الكاتب وجيهة، تريد أن "تظل الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط ، ولا تريد أن ترى إيران، خصمها الإقليمي الأبرز تمتلك القنبلة".

و"على هذا، فإنه كان ينبغي لنتنياهو وغيره من الزعماء الإسرائيليين أن يشعروا بالسعادة والارتياح عندما أقنعت الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى في العالم إيران بالتوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015. والسبب، كما يقول هو أن الاتفاقية وضعت شروطا على عمليات تخصيب اليورانيوم إلى جانب التفتيش الدولي الصارم للمنشآت النووية وغير ذلك من الشروط التي كانت ستؤخر البرنامج النووي الإيراني لعقد أو يزيد".

ودعم عدد من المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين الاتفاقية، لكن نتنياهو وإيباك والجماعات المتشددة في الولايات المتحدة رفضتها ولعبت دورا مهما في خروج دونالد ترامب من الاتفاقية عام 2018، وفقا للمقال.

ويعتقد الكاتب أن "التفسير للتآكل الإستراتيجي الإسرائيلي هو الشعور بالغطرسة والإفلات من العقاب النابع من حماية الولايات المتحدة و الامتثال لرغبات إسرائيل. فإذا كانت أقوى دولة في العالم تدعمك بغض النظر عن ما تفعله، تتضاءل حتما حاجتك للتفكير مليا في أفعالك".

علاوة على ذلك، أشار الكاتب إلى أن "ميل إسرائيل لتقديم نفسها كضحية فقط وإلقاء اللوم على كل معارضة لسياساتها  باعتبارها معاداة السامية لا يساعد، لأنه يجعل من الصعب على القادة الإسرائيليين وجمهورهم إدراك كيف قد تؤدي أفعالهم إلى إثارة العداء الذي يواجهونه".

وقال وولت، إن "حكم نتنياهو كأطول رئيس وزراء في إسرائيل يشكل جزءا آخر من المشكلة، وخاصة أن أفعاله مدفوعة في جزء كبير منها بالمصلحة الذاتية (أي الرغبة في تجنب السجن بتهمة الفساد)، وليس فقط بالمخاوف بشأن ما هو الأفضل لبلاده".

اظهار أخبار متعلقة


"أضف إلى ذلك النفوذ المتزايد لليمين الديني - الذي تم تلخيص آرائه المسيحية حول السياسة الخارجية مؤخرا في مقال مرعب في صحيفة هآرتس، وهو بمثابة وصفة للكارثة. فعندما تبدأ أي دولة في اتخاذ قرارات استراتيجية تستند إلى نبوءات نهاية العالم وتوقع التدخل الإلهي فما عليك إلا الخوف".

وتساءل الكاتب "عن أهمية هذا التحليل؟ لأن الولايات المتحدة كشفت من  خلال ردها على هجمات 9/11 ان الدول التي لا تفكر بعقلانية حول خياراتها الإستراتيجية، يمكنها أن تتسبب بالضرر لنفسها والآخرين".  

ومن هنا، تهدد تصرفات إسرائيل، وفقا للكاتب، منظور بقائها على المدى البعيد، وأي شخص يريد أن يكون لها مستقبل مشرق فعليه القلق من تأكل أحكامها الاستراتيجية. 

وأوضح الكاتب أن "سلوك إسرائيل الانتقامي ألحق ضررا عظيما بالأبرياء الفلسطينيين على مدى عقود  ولا يزال حتى اليوم بدون أي فرصة لوقف مقاومتهم".

ويعتقد الكاتب أن "ارتباط الولايات المتحدة بشريك متقلب وغير عقلاني مثل إسرائيل،  يمثل مشكلة لها، لأن سلوكه يأكل الوقت والمصادر ويقتضي الانتباه المتزايد ويظهر الولايات المتحدة كعاجزة ومنافقة. وربما أدى إلى موجة أخرى من الإرهاب المعادي للولايات المتحدة وبالضرر الواضح الذي تحمله".

واختتم الكاتب مقاله، بالقول إنه "ولسوء الحظ، فالكيفية التي يمكن من خلالها إصلاح الوضع غير واضحة. وأفضل شيء يفعله أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة هو الضغط على الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء وحملهم على استخدام جرعة كبيرة من الحب القاسي تجاه الدولة اليهودية حتى تبدأ في إعادة النظر في مسارها الحالي. وبطبيعة الحال، فإن هذا يتطلب أيضا من جماعات الضغط مثل إيباك إعادة النظر بدورها الذي قاد إسرائيل إلى مأزقها الحالي. ولسوء الحظ لا توجد أي علامة على حدوث ذلك في أي وقت قريب. وبدلا من ذلك، تعمل إسرائيل وأنصارها في الولايات المتحدة على مضاعفة جهودهم،  وهذه وصفة لمشاكل لا نهاية لها، إن لم تكن وصفة كارثية".
التعليقات (0)