جرى
نقاش بيني وبين بعض الأصدقاء حول مقال سابق بعنوان" هل
فقدت الحركات
الإسلامية التقليدية جاذبيتها للشباب؟!"، فهم لا يرون ذلك، والحقيقة أنني
أراها حقيقة واضحة وضوح الشمس، مقارنة بعقد السبعينات
والثمانينات من القرن الماضي، والذي تابعته لحظة بلحظة، ورأيت فيه إقبالا
جارفا من
الشباب، للالتحام بالحركات الإسلامية بشتى تياراتها، والارتماء في أحضان
التيار الوليد الذي كان يبشر بمستقبل واعد، ويحمل رؤية نقدية حادة للواقع القائم،
ووعودا بحلول لكل المشكلات عبر هوية الأمة ودينامياتها، المفعمة بجهاد الأجيال
الأولى ونضال المجددين وقرون الإحياء.
المهم
في ذلك هو ما كان لدى هذا التيار الوليد من قدرة على التعبير عن أصالة الإسلام،
وصفاء المنبع، واحترامه للماضي المشرق، واستلهام العبر والعظات، التي تساعد أمتنا
على بناء مشرق جديد، يليق بأمتنا، وينافس الحضارات الأخرى، ويكون قادرا على مواجهة
تحديات العصر. ولهذا فقد سرى هذا التيار في مجتمعاتنا كما لم يسر تيار من قبل،
وتفاعلت معه الشعوب كما لم تتفاعل من قبل منذ عدة قرون.
وقناعتي
بفقد هذه الميزة التي ميزت
الحركات الإسلامية على مدى العقود الماضية، ليست من باب
البكاء على اللبن المسكوب، وإنما هي من باب المراجعة الضرورية في كل حقبة أو دورة
زمنية للتقييم والتقويم، فلا توجد حركة بشرية معصومة من الخطأ، مهما كانت
منطلقاتها،
يقيني بأن استعادة قدرة الحركات الإسلامية على جذب الشباب، إنما هي ضرورة اجتماعية وفكرية وسياسية واستراتيجية، ومن غير المتصور أن يجد الشباب ضالتهم التي تشبع حاجاتهم وتلبي تطلعاتهم في مكان آخر
ولا توجد قوة سياسية أو حضارية تظل في الصعود على الدوام، مهما بلغت
قوتها، وإنما تعمل فيها السنن فعلها، ويجرى بها التاريخ في مجراه الأوسع.
كما
دفعني لذلك، يقيني بأن استعادة قدرة الحركات الإسلامية على جذب الشباب، إنما هي ضرورة اجتماعية وفكرية وسياسية واستراتيجية، ومن غير المتصور أن يجد الشباب ضالتهم
التي تشبع حاجاتهم وتلبي تطلعاتهم في مكان آخر.. كما أني على ثقة تامة بقدرة
الحركات الإسلامية على استعادة ما فقدته، وقدرتها على أن تطور من ذاتها، لتتفادى
هذا الخطأ الكبير وتتلافي هذا العيب الخطير، ولتستعيد قوتها وحيويتها، فليس هناك
شك في أن قوة وحيوية الحركات الإسلامية كانت ولا زالت من قوة حاضنتها، وأن أحد أهم
عناصر قوة حاضنتها، إنما في كونها مصدرا للشباب ومحفزا له على الالتحاق بمسارات
التيار الإسلامي.
كما
أني أرى أن كل التحولات الجارية والمتوقعة على مدى العقد القادم، إنما تجعل
الحركات الإسلامية هي الملاذ الاجتماعي الآمن، فضلا عن الملاذ الفكري والسياسي
والاستراتيجي، ويجب أن تكون كذلك من باب المسئولية التاريخية، الملقاة على كل
القوى الحية في منطقتنا، تلك القوى التي تريد أن تقف في الصفوف الأولى للدفاع عن
أمتها، في أهم اللحظات والمحطات التاريخية.
العمل بين الجماهير والالتحام بمشكلاتها وتطلعاتها، والتأكيد على ضرورة أن تكون مسارات العمل الجديدة مرتبطة بالقدرات وعينها مصوبة نحو الأهداف، فينبغي تجاوز هدف الحضور لمجرد الحضور، فهذه مرحلة قد انتهت ولم تصلح في عصر تزاحمت فيه المشاريع والاستراتيجيات والتحالفات
كما
أن قناعاتي بأن أهم شروط قدرة التيار الإسلامي على الانتصار لأمته في هذه المرحلة
التاريخية، لن يكون بالتخندق داخل الحركات والتنظيمات، والعزلة عن حركة الشارع
وهموم الناس، وتباين الأفكار الحاملة، وإنما بالانسياح في المجتمعات، والسباحة
داخل قلب وعقل كل التيارات، لبناء تيار شعبي واسع، يلبي شروط هذه المرحلة الدقيقة
والحرجة في آن.
كما
يجب أن يكون ذلك من خلال العمل بين الجماهير والالتحام بمشكلاتها وتطلعاتها،
والتأكيد على ضرورة أن تكون مسارات العمل الجديدة مرتبطة بالقدرات وعينها مصوبة
نحو الأهداف، فينبغي تجاوز هدف الحضور لمجرد الحضور، فهذه مرحلة قد انتهت ولم تصلح
في عصر تزاحمت فيه المشاريع والاستراتيجيات والتحالفات التي تعمل كلها ضد مصالح
أمتنا وعدم استعادة حضورها وفاعليتها بأي شكل كان!
وحتى
تنجح الحركات الإسلامية في ذلك فلا بد من استعادة جاذبيتها للشباب، العمود الفقري
لأي حركة أو تيار ناجح، كما أن ذلك إنما يتطلب استراتيجيات جديدة تعكس فهما عميقا للتغيرات
الاجتماعية والسياسية والثقافية والاستراتيجية، التي شهدها العالم في العقود الأخيرة
وتأثرت بها أمتنا.