الكتاب: "الصدام في الداخل: الديمقراطية، والعنف
الديني، ومستقبل الهند"
الكاتب: مارتا نشباوم
ترجمة: عمر عدس
الناشر: دار بلكناب، هارفارد 2007.
تُعَدُّ الهند أكبر ديمقراطية في العالم
،كما أنَّها تضم أيضًا أكبر عدد من سكان العالم، حوالي 1400 مليون نسمة، وهو البلد
المتعدد الأعراق والديانات والطبقات واللغات مع 18 لغة رسمية، استطاعت الديمقراطية
البرلمانية فيه (من نمط ويستمنستر) الموروثة
من العهد الكولونيالي البريطاني والمعمول بها منذ استقلال الهند عام 1947، أن
تحافظ على كيان الدولة المترامية الأطراف، في نسيج واحد لأن كل طرف وجد في الكيان
الاتحادي ما يعبر عن ذاتيته.
النموذج الديمقراطي الهندي
يتميز النموذج الديمقراطي الهندي بالحجم
الهائل من الناخبين الذي يصل عددهم إلى ما يقرب من 750 مليونًا. ومجموع الناخبين
في الهند يساوي عددهم في جميع الديمقراطيات الكلاسيكية الغربية الراسخة والانتقالية في العالم، ويبلغ متوسط
الإقبال على الاقتراع 50 بالمئة ويزيد؛ فالهنود يأخذون الديمقراطية على محمل الجد.
فهاهي الجموع الغفيرة البائسة من الشعب
الهندي ـ 620 مليون نسمة تعيش بأقل من دولارين يوميا، وفي ظروف بنية أساسية ضعيفة،
ونقص في الغذاء، والدواء، والتعليم، والماء الصالح للشراب ـ وهي تواجه توترات
دينية بين الغالبية الهندوسية (80.5 في المئة) والأقليتين المسلمة (13.5 في المئة)
والمسيحية (.5.2 في المئة)، تُوَجِهُ لطمة كبيرة لأصحاب النزعة الكلبية الذين هم
في أساس الفساد، والتعسف، والاستبداد، وازدراء دولة القانون، ولمنظري الاضطراب
الديمقراطي،وأنصار التسلطية الجديدة على الطريقة الصينية، الذين يعتبرون ورقة
الاقتراع بأنَّها ورقة خادعة ومحفوفة بالمخاطريترتب على شعوب العالم الثالث أن
تحترز منها.
تُعَدُّ الهند أكبر ديمقراطية في العالم ،كما أنَّها تضم أيضًا أكبر عدد من سكان العالم، حوالي 1400 مليون نسمة، وهو البلد المتعدد الأعراق والديانات والطبقات واللغات مع 18 لغة رسمية، استطاعت الديمقراطية البرلمانية فيه (من نمط ويستمنستر) الموروثة من العهد الكولونيالي البريطاني والمعمول بها منذ استقلال الهند عام 1947، أن تحافظ على كيان الدولة المترامية الأطراف، في نسيج واحد لأن كل طرف وجد في الكيان الاتحادي ما يعبر عن ذاتيته.
فالجماهير الهندية رغم فقرها ـ وعلى نقيض
العديد من الشعوب في العالم الثالث ـ ترفض
أن تكون أداة في يد الدولة التسلطية، وترفض أيضا التبرير التسلطي الذي لا يقر
بإقامة ديمقراطية حقيقية في العالم الثالث، من جراء فقر السكان، وقلة تعليمهم وثقافتهم، والخوف من انفجار الصراعات الدينية
والطائفية والعرقية. فهذه الجماهير الهندية تعتبر أن الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع هي المعيار الرئيس لشعبية الحكومة في دولة القانون، بصرف النظر عن بعض
أحداث العنف الدموية التي تتخلل الانتخابات الهندية.وهذا هو الحد الأدنى لضريبة
بناء الديمقراطية عبرالممارسة في مجتمع لا يزال متخلفاً.
لقد أسهم حزب المؤتمر الهندي المنبثق عن
التشكيل الأبرز في قيادة الحركة الوطنيّة من أجل الاستقلال في ترسيح التجربة
الديمقراطية في البلاد. وقد هيمن على البرلمان والمؤسسات حتى نهاية الثمانينيات من
القرن الماضي، باستثناء الثلاثة أعوام التي عاقب الناخبون أنديرا غاندي عام 1977
على انقلابها ـ حال الطوارئ ـ على المؤسسات واعتقال معارضيها الأساسيين قبل ذلك
بعامين.
في عقد التسعينيات من القرن الماضي، انتقلت
الهند لاحقاً من الهيمنة المديدة لحزب المؤتمر إلى هيمنة مماثلة لليمين القوميّ
الدينيّ، بجناحيه، "السياسيّ" حزب بهاراتيا جاناثا،
و"الميليشياوي"منظمة المتطوّعيين القومية.ومع وصول حزب الشعب الهندي
اليميني الهندوسي المتطرف (حزب بهاراتيا جناتا) تأججت الطفرة القومية الهندوسية
والعنصرية ضد كل من ليس هندوسيا. وكانت سلطة اليمين الهندوسي تتعاظم، وتشكل
تهديداً للممارسات الدستورية التي اكتسبتها الهند بشق النفس، والتي تتمثل في
الديمقراطية، والتسامح، والتعددية الدينية. وقد سعى اليمين الهندوسي، بقيادته
السياسية التي يمثلها حزب بهاراتيا جناتا، إلى إخضاع الجماعات الدينية الأخرى،
وكان يوجه سهامه بوجه خاص نحو المسلمين، حيث يُنظَر إلى أكثر من 200 مليون مسلم في
البلاد باعتبارهم متطفلين، ويعتبرهم شياطين يجب تطهيرهم.
لقد شكل حزب بهاراتيا جناتا برئاسة أتال
بيهاري فاجباي خطرا على "الديمقراطية العلمانية الهندية" والعدالة
الاجتماعية. ولحزب الشعب هذا مفهومه الخاص للهند ولهويتها وتتحدد سياسته في الأساس
انطلاقا من أفكار "راشتريا سوايا مسيواك سانغ" (أوجمعية المتطوعين
الوطنيين)وهو الجناح المؤسس لعائلة من التنظيمات السياسية والثقافية المكرسة
للقضية الهندوسية أو"الهندوتفا".
ومنذ تأسيسها عام 1925 اتبعت
"الهندوتفا" في مشروعها للهيمنة مسارين: الديني المحمّل المعاني
السياسية القومية، والسياسي المفعم بالقدسية. وتستغل "الهندوتفا" الرموز
المتعددة المعنى وطواعية الممارسة الدينية الهندوسية لكنها تتعامل في الواقع مع
الدين كمعيار للنقاوة العرقية. وانطلاقا من مفهومها للقومية الهندوسية تعارض
(جمعية المتطوعين الوطنيين) فكرة الهند العلمانية. وتجدر الإشارة هنا أن مفهومي
"العلمنة" و"الطائفية" لهما هنا معنى مختلف عن معناهما في
الغرب.
تهديد الدولة العلمانية في الهند
فهنا "العلمنة" لا تدل على الفصل
بين الحيزين العام والديني بقدر ما تعني التعدد والتكاثر الاجتماعي ـ الثقافي.
ويعكس هذا التكاثر في صورة جيدة وقائع البلاد السوسيولوجية. وعمل أول رئيس وزراء
للهند بعد الاستقلال جواهرلال نهرو وكذلك الزعيم السياسي والروحي المهاتما غاندي
على تشييد دولة علمانية في الهند، لإدراكهما من إمكانية انفجار الصراع الديني في
مجتمع متعدد الأديان والأعراق ،ولهذا السبب أصروا على أن تكون الهند دولة علمانية.
إن الرغبة في تقويض الدولة العلمانية تسبق رئيس الوزراء الحالي مودي بفترة طويلة.
لقد كان الرجل الذي قتل المهاتما غاندي عضوًا في راشتريا سوايامسيفاك سانغ، وهي
منظمة قومية هندوسية شبه عسكرية لها علاقات مع حزب بهاراتيا جاناتا والتي لعبت
دورًا رئيسيًا في هدم المسجد في أيوديا. لقد استغل المحرضون الهندوس في عام 1986
القرار الخاطىء الذي اتخذه رئيس الوزراء آنذاك راجيف غاندي بالاستجابة لمطالب
المسلمين وذلك من خلال السماح للشريعة الإسلامية بتجاوز حكم المحكمة العليا الذي
يدعم حق المطلقات المسلمات في الحصول على النفقة لمدة تتجاوز 90 يومًا.
وعلى العكس فإنَّ "الطائفية" تشير
إلى جماعة دينية متخيلة كأمة قائمة على العرق. كما أن الهند هي ثالثة كبريات الدول
في العالم من حيث عدد السكان المسلمين فيها (بعد اندونيسيا وباكستان)، حيث تضم من
المسلمين أكثر من بنجلاديش، ونحو عدد سكان باكستان تقريباً. والمسلمون في الهند
بوجه عام، أقلية فقيرة كادحة، ظلت منذ قرون تعيش جنباً إلى جنب مع الهندوس، وهي
تشارك اليوم في الحكم الذاتي الديمقراطي على جميع المستويات. وقد أظهرت دراسة
حديثة أنها تؤيد وتساند تعليم الإناث على نحو أشد مما يؤيده الهندوس. وليس للأصولية
الإسلامية سطوة في الهند، على الرغم من التمييز، بل والاضطهاد الذي يمارس ضد
المسلمين. ويشكل إشراك المسلمين في شغل مناصب بارزة في الحكومة الجديدة، علامة
تبعث الأمل في مستقبل أفضل.
المسيحية
بالرغم من تشكيلهم ثاني أكبر أقلية دينية في
الهند، فإن المسيحيين لا يمثلون سوى نسبة 5.2% من السكان. والمسيحية ليست حديثة
العهد في الهند. فالكنيسة السريانية وهي الأقدم تأسست على يد القديس توما على
شاطىء مالابار في نحو العام 45 بعد الميلاد. أما صعود الكنيسة الكاثوليكية
الرومانية فلم يبدأ فعلا إلا بعد وصول فاسكود دي غاما إلى أبواب كالكوتا عام 1498.
تقول مؤلفة الكتاب مارتا نشباوم: إنَّه في
غمرة تركيز الأميركيين على الإرهاب، والعراق والشرق الأوسط، كانت الديمقراطية تخضع
للحصار في مكان آخر من العالم، فقد كانت الهند تمر بأزمة، وهي كبرى الدول
الديمقراطية من حيث عدد السكان، والتي يحمي دستورها حقوق الإنسان على نحو أشمل حتى
مما هي عليه الحال في الولايات المتحدة، كما تقول المؤلفة. فحتى ربيع سنة2004 كانت
حكومة الهند البرلمانية، تخضع بصورة متزايدة للمتطرفين الهندوس اليمينيين، الذين
كانوا يغفرون، بل ويدعمون بنشاط في بعض الحالات، العنف ضد الأقليات عامة، وضد
الأقلية الإسلامية بخاصة، ويسعى العديد منهم إلى إحداث تغييرات أساسية في
ديمقراطية الهند الجماعية.
بالرغم من تشكيلهم ثاني أكبر أقلية دينية في الهند، فإن المسيحيين لا يمثلون سوى نسبة 5.2% من السكان. والمسيحية ليست حديثة العهد في الهند. فالكنيسة السريانية وهي الأقدم تأسست على يد القديس توما على شاطىء مالابار في نحو العام 45 بعد الميلاد. أما صعود الكنيسة الكاثوليكية الرومانية فلم يبدأ فعلا إلا بعد وصول فاسكود دي غاما إلى أبواب كالكوتا عام 1498
وترى المؤلفة مارتا نشباوم أنَّ ما يجري في
الهند يشكّل تهديداً خطيراً لمستقبل الديمقراطية في العالم. وأن كون ذلك يحتاج إلى
جهد لإدخاله في وعي الأمريكيين، يشكل دليلاً على الكيفية التي صرف بها الإرهاب
وحرب العراق أنظار الأمريكيين عن الأحداث والقضايا ذات الأهمية الجوهرية. وتقول
المؤلفة، إذا كنا نريد حقاً أن نفهم تأثير القومية الدينية في القيم الديمقراطية،
فإنَّ الهند تشكل أنموذجاً يثير القلق العميق، ومن دونه يظل أي فهم للظاهرة الأشد
عمومية ناقصاً على نحو خطير. كما أنه يوفر مثالاً على الكيفية التي تستطيع بها الديمقراطية
أن تنجو من عدوان التطرف الديني، وهو مثال يمكن أن يكون درساً تتعلمه جميع
الديمقراطيات الحديثة.
والبؤرة المركزية للجدال الأخير حول الدين
والديمقراطية في الهند، والذي يشكل محور هذا الكتاب، كما تقول المؤلفة، هي مذبحة
دينية، إثنية حدثت في ولاية كوجارات في غرب الهند، في فبراير/شباط مارس/آذار 2002،
وكان أساسها حادثاً وقع بالقرب من محطة جودرا، حيث اندلعت النيران في إحدى عربات
قطار يقل حجاجاً من الهندوس، مما أسفر عن مصرع ثمانية وخمسين شخصاً من الرجال
والنساء والأطفال، جميعهم تقريباً من الهندوس. وعلى الفور، وُجّهت أصابع الاتهام
نحو المسلمين المحليين الذين يقطنون بالقرب من سكة الحديد، هذا على الرغم من أن أبحاث
الطب الشرعي التي أجريت فيما بعدما ألقت بظلال من الشك الشديد على هذا الزعم، كما
تقول المؤلفة.
وتضيف مؤلفة الكتاب، أنَّ العنف بدافع الدين
ليس جديداً على الهند، غير أن هنالك اتفاقاً واسع النطاق، على أن ما حدث في
كوجارات كان شيئاً مختلفاً فحرق العديد من الضحايا، الذي يشير إلى خطة معقدة
للإبادة التامة، لم يشاهد من قبل، وكذلك استخدام التعذيب الجنسي على نطاق واسع.
وكان العنف موجهاً ضد جميع المسلمين كمسلمين، كما تشير الدعاية المرافقة إلى رغبة
في طرد كل المسلمين، باعتبارهم عدواً داخلياً خطراً. ومن الجديد كذلك، أن الأماكن
الإسلامية المقدسة لم تُمسح عن وجه الأرض وحسب، بل إنها استبدلت كذلك بأعلام
اليمين الهندوسي الزعفرانية وتماثيل هانومان (القرد الإله)، زعيم القرود ومساعد
الإله (راما).
فالمشكلة الأعمق التي تكشفها هذه الأحداث،
هي مشكلة العنف الذي يُرتكب بعون وتحريض من أعلى مستويات الحكومة، وجهات تطبيق
القانون، والذي يشكل إعلاناً فعلياً لمواطني الأقلية أنهم غير متساوين أمام
القانون، وأن حياتهم لا تستحق الحماية من قبل القانون ودوائر الشرطة.وفي هذه
الأثناء كانت الحكومة تبدي لا مبالاة جديرة باللوم، قائلة أن أعمال الشغب الدينية
لا مناص منها في المناطق التي يعيش فيها المسلمون جنباً إلى جنب مع الهندوس، وأن
المسلمين المثيرين للمتاعب هم الذين يتحملون مسؤولية ذلك. وكان سلوك كبار الساسة
يوحي بأن الحكومة سوف تعامل مواطني الدولة بطريقة غير متساوية: حيث سيتلقى بعضهم
الحماية التامة من قبل القانون، أما بعضهم الآخر فسوف يُحرم منها.
توظيف الصراع الهويَّاتي أكبر تهديد
للديمقراطية
توفر أحداث كوجارات مثالاً واضحاً على
الأمور القبيحة التي يمكن أن تحدث عندما يبني حزب سياسي رئيسي أهدافه ومبادئه على
أسس قومية دينية متضافرة مع أفكار التجانس والنقاء العرقي. وتقول المؤلفة أن المرء
بحاجة إلى فهم هذا النموذج لكي يبدأ بتكوين إدراك ملائم لمشكلة القومية الدينية في
عالم اليوم، ولكن أحداث كوجارات، تبين لنا شيئاً آخر، كما تقول المؤلفة، وهو مرونة
الديمقراطية القائمة على اساس المشاركة في الحكم، ومقدرتها على استعادة وضعها
السليم، ومقدرة المواطنين المدركين للأمور على الانقلاب ضد القومية الدينية، وعلى
مؤازرة المساواة والحكم الجماعي. وفي مايو/ أيار 2004 توجه الناخبون في الهند نحو
صناديق الاقتراع بأعداد ضخمة وأوقعوا باليمين الهندوسي هزيمة مجلجلة.
ولكن الاقتصاد لم يكن القضية الانتخابية
الكبرى الوحيدة، فقد كانت هنالك قضية بارزة بالقدر ذاته، وهي الرفض الشعبي الواسع
النطاق للتطرف الديني، وكان حزب المؤتمر الذي فاز في الانتخابات قد لفت الأنظار
خلال حملته الانتخابية، إلى التوترات الدينية، واستنكر بشدة تصور حزب بهاراتيا
جناتا للهند باعتبارها دولة للهندوس أولا وقبل كل شيء، وأكد كل من زعيمة الحزب
السابقة سونيا غاندي، ورئيس الوزراء
الجديد، رجل الاقتصاد مانموهان سينج، مراراً أن الهند دولة مبنية على الاحترام
المتساوي لجميع الجماعات الدينية وجميع المواطنين.، وفي أول خطاب له كرئيس
للوزراء، لفت سينج الانتباه الى هذه القضية. وقال: لا أريد أن أبدأ وظيفتي باتهام
الحكومة السابقة، ولكن القوى التي كانت تشيع الفرقة في صفوف الأمة كانت مطلقة
العنان، وذلك أمر يلحق أذى بالغاً بالتنمية المنظمة.. ويجب علينا كأمة ان يكون
لدينا عزم راسخ على ألا تتكرر هذه الأمور.. وكان سينج الذي ينتمي الى طائقة
السّيخ، أول رئيس وزراء هندي يأتي من أقلية دينية.
في الديمقراطيات الغربية العريقة، لم تعد الديمقراطية مهدّدة بالسياسات الدينية المتعصبة ،لأنَّ سلطة الكنيسة انهارت بالكامل تقريبًا في معظم الدول الغربية، وإنَّما أصبحت الديمقراطية مهدّدة من قبل الشعبوية اليمينية. أمَّا في العالم الثالث، حيث أنَ الديمقراطية لا تزال طفلاً يحبو، فإنها أصبحت مهدّدة من قبل الصراعات الدينية و الطائفية المنتشرة في العديد من البلدان، بما فيها الهند.
وتعود المؤلفة إلى الحديث عن غرضها من تأليف
الكتاب، فتقول انه قصة الديمقراطية التي أوشكت على الانهيار والتردي في ارهاب
ديني، ثم تمت استعادتها وهي قصة تنطوي على دروس مهمة لجميع الأمم التي تصارع مشاكل
التطرف الديني. وتضيف المؤلفة أن الامريكيين يستطيعون ان يتعلموا الكثير من هذه
القصة عن الديمقراطية ومستقبلها وهم يحاولون ان يتصرفوا بمسؤولية في عالم خطر.
من وجهة نظر المؤلفة مارتا نشباوم، فإنَّ
استخدام صراع الهويات السياسة يعدُّ التهديد الأعظم للديمقراطية، وهذا التهديد
أكبر من تهديد عدم المساواة الاجتماعية أو الاقتصادية. فالفهم العميق للعلمانية
يقتضي عدم التصادم مع الدين،فقد فهم نهرو هذا وفهم توماس جيفرسون هذا كما فهم ذلك
أيضًا العديد من القادة المسيحيين، وخاصة القادة البروتستانت الذين لم يرغبوا في
أن تتعدى الدولة العلمانية على الشؤون الدينية. لقد واجه الكاثوليك مشكلة أكبر مع
الفصل بين الدين والدولة بصورة راديكالية، لا سيما في فرنسا، لكن معظمهم تعلموا
التعايش معه.
في الديمقراطيات الغربية العريقة، لم تعد
الديمقراطية مهدّدة بالسياسات الدينية المتعصبة ،لأنَّ سلطة الكنيسة انهارت
بالكامل تقريبًا في معظم الدول الغربية، وإنَّما أصبحت الديمقراطية مهدّدة من قبل
الشعبوية اليمينية. أمَّا في العالم الثالث، حيث أنَ الديمقراطية لا تزال طفلاً
يحبو، فإنها أصبحت مهدّدة من قبل الصراعات الدينية و الطائفية المنتشرة في العديد
من البلدان، بما فيها الهند.
بعد نحو 10 سنوات في السلطة، يهيمن رئيس
الوزراء ناريندرا مودي على المشهد السياسي في الهند، ويعدُّ هذا الرجل البالغ من
العمر 73 عاما نجم حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، ويُمثل أهم رصيد انتخابي له. وعلى
الرغم من أنَّ الهند لديها نظام برلماني للحكومة، فإن أسلوب مودي الشخصي يجمع بين
خطاب هويّاتي محتقن تجاه المسلمين تحديداً وبين مسعى أو ادعاء التخفيف من التمييز
ضمن الطبقات الهندوسيّة (بدليل قيادته هو للبلاد). ويمارس مودي سياسة شعبوية تستند
إلى مواءمة بين السياسات النيوليبرالية وبين تأمين أشكال من الدعم الغذائي
الأساسية لشرائح واسعة من الفئات الشعبية، أضف للتخفيف ـ الجزئيّ ـ للتعسّفية
البيروقراطيّة وتهوين المعاملات للناس، لكنَّ مشكلة مودي الأكبر تكمن في أنّه
يمارس في الوقت عينه، سياسة قومية هندوسية متعصبة تقوم على إعطاء المنزلة الأولى للمنزع الهويَّاتي، وهوى ما يجعله في صدام
مع الهويّات والحساسيّات المناطقية، في كامل الولايات الهندية.