تفرض علينا المسؤولية الأخلاقية والسياسية عدم الهروب من المشهد
الفلسطيني
في هذه الأيام والأسابيع القادمة. الحذر كل الحذر من أن يصيبنا اليأس والقنوط،
ونستسلم للمجزرة المستمرة، وتتعود أعيننا ومشاعرنا على شلال الدم المتواصل منذ
قرابة العام، فذلك ما يسعى اليه العدو الصهيوني من خلال أسلحته وأجهزة الدعاية
ومناوراته الشيطانية التي لا تتوقف. يراد منا أن نلتفت إلى الكم الهائل من المصائب
والتحديات المختلفة التي تطوقنا، وأن نعطي ظهورنا للشعب الفلسطيني حتى يلقى مصيره
بمفرده بعيدا عن أعيننا ومساندتنا.
سئل الشاعر الجاهلي عنتر بن شداد عن الشجاعة، فطلب من سائله أن يضع كل
منهما إصبعه تحت أسنان الآخر، وأن يضغطا بقوة، والذي يتحمل الوجع أكثر من غيره هو
الأشجع. بعد الشروع في هذا الاختبار صرخ الرجل واستسلم، فقال له عنتر: "لو
صبرت بعض الشيء لكنت الفائز، لأن الشجاعة هي الفارق الزمني في تحمل آلام اللحظات
الأخيرة". وما يجري في
غزة وأيضا في الضفة هو شبيه بهذه القصة.
لا خلاف حول حجم الكارثة
الإنسانية التي حصدت أرواح أكثر من 40 ألف فلسطيني خلال هذه الحرب الانتقامية، وعجلة
الانتقام مستمرة لا تتوقف، لكن رغم حجم المأساة التي تجاوزت فظاعتها ما حصل خلال
النكبة الأولى، فقد توجه رئيس الحكومة
الإسرائيلية السابق "نفتالي بينيت"
بنداء عاجل إلى مواطنيه يدعوهم الى عدم مغادرة إسرائيل التي تمر حسب اعتقاده بـ"أصعب
أوقاتها منذ عام 1948". واستعرض أسباب رغبة الإسرائيليين في مغادرة ما اعتبروه
"وطنهم" فذكر "مقاطعة دولية، تضرر الردع، 120 إسرائيليا في
الأسر، آلاف العائلات الثكلى، الجليل (الشمال) مهجور، آلاف المهجرين، وزراء لا
يهتمون إلا بأنفسهم، فقدان السيطرة على الاقتصاد والعجز".
هذا ما صنعته
المقاومة بهم، وهذا هو شرح ما ورد في الآية الكريمة "إن
تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون".
وقف الثائر العظيم "تشي غيفارا" في عام 1964 في مقر الأمم المتحدة، وألقى
خطبته الشهيرة التي ختمها بقوله "الوطن أو الموت". لقد تم اغتياله
واستقلت كوبا. صحيح استشهد اسماعيل هنية لكن استمرت المقاومة، وسيكون النصر هو ثمن
ذلك الاغتيال سواء ردت طهران على تلك الجريمة أم لا، وعندما يتساءل الكثيرون
"متى نصر الله" يكون الجواب "ألا إن نصر الله قريب".
ماذا يطلب الفلسطينيون من العرب وبقية شعوب الأرض؟
يطلبون المزيد من المتابعة لما يحدث داخل غزة وفي الضفة
والقدس، المزيد من التنديد، وتكثيف التحركات الميدانية المنددة بالإرهاب الصهيوني
كتابة وتظاهرا وحوارات مستمرة حول طبيعة المرحلة وندوات استشرافية. لا تندم على أي
مبادرة تشارك فيها،
يطلبون المزيد من المتابعة لما يحدث داخل غزة وفي الضفة والقدس، المزيد من التنديد، وتكثيف التحركات الميدانية المنددة بالإرهاب الصهيوني كتابة وتظاهرا وحوارات مستمرة حول طبيعة المرحلة وندوات استشرافية. لا تندم على أي مبادرة تشارك فيها، ولا تتردد في الاستجابة لأي دعوة للحديث عن فلسطين والفلسطينيين، لا تستخف بأي جهد يبذل في سبيل القضية
ولا تتردد في الاستجابة لأي دعوة للحديث عن فلسطين
والفلسطينيين، لا تستخف بأي جهد يبذل في سبيل القضية، فكل أشكال الفعل والقول دليل
على أن القضية حية وستبقى حية مهما حصل في ساحة القتال.
في مقابل ذلك، المقاومة مطالبة بعدة أشياء في هذا المنعطف
الأخير من الحرب الدائرة:
- مزيد الصمود وحماية الثغور، وتوحيد الصفوف، والحفاظ
على معنويات عالية، وحسن التصرف في الإمكانيات البسيطة المتوفرة.
- عدم الرهان على الأنظمة العربية التي أثبت
غالبيتها بكونها تتعامل مع المستقبل من ثقب صغير، معظمها لن يكون لها مستقبل لأنها
في الغالب فاقدة للشرعية ولا تملك رؤية استراتيجية، ولا تدرك أهمية الأرض ورمزية
القضية. وكلما ضعفت المقاومة زادت انتهازية الحكومات وقدمت خدمات إضافية للدولة
العبرية.
- على القيادة التريث وحماية رصيدها الاحتياطي،
فدخول قواتها بالضفة الغربية في الحرب عامل جيد من شأنه إرباك العدو واستنزافه،
لكن بشرط أن يبقى هذا الانخراط في العمليات العسكرية والميدانية محدودا ومدروسا،
فادخار القوة جزء من القوة وشرط من شروط الانتصار على المدى المتوسط والطويل.
فالحرب القادمة ستكون داخل الضفة، وهو ما يعد له قطعان المستوطنين الذين اقترب
عددهم من المليون. وكما تم الاستعداد لعملية طوفان الأقصى وبناء القدرة على صمود
المقاومة، يكون من الضروري التفكير في حماية رصيد المقاومة داخل الضفة الغربية،
وعدم التضحية بالكوادر في هذه المرحلة، وإبقائهم للمرحلة الموالية.
بناء على ما تقدم، المواجهة مع الصهيونية ستطول، وحسن
إدارة المواجهة شرط من شروط النجاح فيها. ويبقى الدعم الشعبي رافدا أساسيا من
روافد الانتصار.